ومما جاء فيها:
الأفراد الذين يظلمون يجب أن يحاسبوا ويجب أن يعاقبوا، ولا يمكن أن نقبل لا بتغطيتهم ولا بمساندتهم ولا بمساعدتهم ليكونوا عبرة ودرساً للآخرين، نحن اليوم نؤبن الفقيد المظلوم غسان أبو هادي وولده هادي وكل منهما من عائلة طيبة عائلة سيف الدين، ومن بلدة طيبة بلدة لاسا، ومن منطقة عملوا فيها وتجاوروا مع إخوانهم ومع من تواجد في المنطقة بأخلاقية عالية، وكانوا يحرصون دائماً على أن يكونوا شرفاء في معيشتهم، وشرفاء في علاقاتهم، ما هي جريمتهم كي يطلق عليهم النار وهم لم يرفعوا سلاحاً ولم يعتدوا؟ ما هي جريمتهم كي يتصرف القاتل بهذه الطريقة البشعة التي لا يمكن أن تكون مقبولة؟. نحن نطالب بإنزال أقصى العقوبات بالمرتكب، إذ لا ذريعة ولا مبرر لهذا العمل الذي قام بها، فالخلاف يمكن أن ينحصر بالتدافع أو بالتلاسن، ولكن أن يصل إلى إطلاق النار والقتل بدم بارد لأب وابنه في آنٍ معاً هذا أمر لا يمكن أن يكون مقبولاً، ولذلك نحن نطالب القضاء اللبناني بإنزال أقسى العقوبات على الأقل ليكون عبرة للآخرين ولرفع الظلم الذي حصل بحق هذه العائلة الكريمة عائلة سيف الدين.
وهنا أريد أن أحيي تحية خاصة لعائلة سيف الدين ولأهالي بلدة لاسا الذين عضوا على الجراح ولم يحولوا الحادثة الآثمة إلى فتنة أرادها البعض أن تحصل في بلاد جبيل وكسروان، خاصة عندما سمعوا مطلب سماحة الأمين العام، ووافقوا على دفن الجثتين حتى قبل أن يُسلم القاتل من أجل درء الفتنة في تلك المنطقة، لأن المسؤول عن القتل هو واحد فلا يجوز أن نحمل جماعته ولا طائفته ولا أي بلدة ولا أي محيط مسؤولية ما ارتكبه، الظالم فرد والحساب يكون للفرد، هكذا تعلمنا، ولكن المهم أن التصرف الذي قامت به العائلة الكريمة عائلة "سيف الدين" بيَّن نموذجاً أصبح نادراً في لبنان، فاليوم في لبنان تُركب الحوادث، وتجري الاتهامات، ولأول مرة نسمع في لبنان عن الاتهام السياسي، وكنا نسمع الاتهام القضائي، وحتى الاتهام القضائي يكون بريئاً حتى تثبت إدانته، فاليوم في البلد الاتهام السياسي تثبت على أساسه الإدانة، وتبدأ المحاكمة السياسية، وتجري الفتنة على أساسه، ويحرض الناس على أساس هذه القاعدة، حتى لو كان الاتهام باطلاً من الناحية القضائية ولا يوجد أي دليل.
اليوم ما حصل في "لاسا" في الواقع أعطى درساً عن أخلاقية هذه الجماعة الطيبة التي تسجد وتؤمن بالله تعالى، لنقول لهم: نعم هذا الإيمان هو الذي حفظ تلك المنطقة، وهذا الالتزام الطيب بنهج المقاومة هو الذي منع الفتنة، سواء أكان الأمر بين الحلفاء أو مع الأخصام، بالنسبة إلينا لا نحمل أحداً وزر أحد حتى ولو كنا أخصام معه. كنا نتوقع أن تظهر إشادات من بعض الجماعات على هذا التصرف النموذجي الذي نحتاجه في لبنان، ولكن عندما تقع بعض الحوادث هناك من ينفخ في نار الفتنة، من أجل أن تختلط الأمور مع بعضها، ومن أجل أن يشتبك الناس مع بعضهم، أما نحن فنعتبر أن تصرف أهل "لاسا" وعائلة "سيف الدين" كان تصرفاً حكيماً وأخلاقياً وإنسانياً ووطنياً، وهذا هو الذي يحفظ الحق، لسنا بحاجة أن نستغل بعض الأعمال البشعة من أجل إثارة البلبلة في البلد.
كفانا أولئك الذين يكذبون، ويتآمرون على الناس، ويتكلمون بخلاف الحقائق، ويثيرون الفتن، ويحرضون بالنعرات المذهبية، كفانا أولئك الذي لا يراعون ديناً ولا ذمة ولا مكانة ولا كرامة ولا إنسان. وأنتم تلاحظون الشتائم الذي تصدر على نهجنا ونهج المقاومة شتائم كثيرة ولكن لا نرد على أحد، لأنهم يريدون جرنا إلى مستواهم، وحاولنا أن نرفعهم إلى مستوانا فعجزنا، فآثرنا أن نبقى حيث نحن فهذا أقرب إلى الحق والعدل والإيمان والإخلاص، وليبقوا في أسفل القافلة طالما أنهم اختاروا ذلك فلهم شياطين الأرض من الأنس والجن وعقابهم معروف في الدنيا والآخرة.
نحن اليوم في دائرة هذا التأبين المبارك نسأل الله تعالى أن يتغمد الفقيدين بالرحمة. في هذه المناسبة سأتحدث عن ثلاثة أمور:
الأمر الأول حول الاعتداء على الجيش اللبناني في بلدة عرسال ومحيطها، هذا الاعتداء ليس الاعتداء الأول وقد تكرر في مناطق أخرى بذرائع مختلفة ولكن الهدف واحد هو إبطال قدرة الجيش اللبناني على فرض الاستقرار في البلد وهي الورقة الوحيدة الباقية لدعم الاستقرار الأمني والسياسي في آنٍ معاً، نحن نستنكر الاعتداء على الجيش، فهو مرفوضٌ تماماً وكل المبررات التي اطلعنا عليها من بعض المنظرين الفاشلين الذين يذكرون روايات أشبه بالقصص الخيالية والواقع يثبت غير ذلك، ما حصل في عرسال هو اعتداء على الجيش اللبناني، نحن نطالب بالقبض على المرتكبين ومعاقبتهم، وعدم زج الجيش في مشاكل فتنوية أو داخلية أو لحسابات ترتبط بالأزمة السورية، لأن البلد لا يتحمل مثل هذه الأعمال ولأن الجيش يقوم بمهمته لحفظ الأمن وضبط المخالفين فلنساعده على ذلك ولنكن إلى جانبه كي لا نتحمل وزر التطورات التي تجري في المنطقة، وكي لا نتحمل وزر ألاعيب المخابرات وألاعيب شذاذ الآفاق الذين يحاولون استغلال هذا الواقع اللبناني الصعب ليشتروا بعض النفوس بالمال أو السلاح، أو ليحرضوا باسم المذهبية أو المناطقية أو الطائفية.
نحن نطالب بمحاكمة المعتدين من أجل أن نحافظ على بنية الجيش وقدرته على التصرف، ومن المفروض أن لا تكون هناك أي منطقة ممنوعة على الجيش، نحن ضد المحميات الأمنية، وضد فرض شروط عن كيفية تصرف الجيش في مناطق دون أخرى، وضد اعتبار الجيش محسوباً على واقع دون آخر، الجيش هو جيش وطني لكل لبنان يحمي الحدود والداخل في آنٍ معاً، وتجربته تجربة جيدة ومشرقة في الطريقة التي يتصرف فيها خلال تلك الفترة السابق.
ثانياً: البلد منصرف اليوم إلى البحث عن قانون للانتخابات، نحن نعتبر أن قانون الستين بمثابة المعدوم، كأنه غير موجود، ولذلك الجميع مسؤول ليبحث عن قانون انتخابات جديد، وصلت لجنة التواصل النيابي إلى الآن لترجيح القانون الأرثوذكسي في مقابل القوانين الأخرى المطروحة، أي أن هذا القانون له أغلبية نيابية، وبالتالي هو الأرجح بين كل القوانين التي طُرحت حتى الآن، ونحن أيدنا كحزب الله القانون الأرثوذكسي لسببين:
الأول: أن فيه النسبية، والثاني أنه يطمئن المسيحيين الذين يشكون دائماً من عدم قدرتهم على انتخاب نوابهم، وبالتالي لا زلنا عند قناعتنا الأصلية أن النسبية على قاعدة الدائرة الواحدة هو الأفضل، لكن في النهاية يجب الاتفاق مع أغلبية اللبنانيين أو التوافق مع كل اللبنانيين على قانون الانتخابات حتى يكون معمولاً به، تبيَّن أن القانون الأرثوذكسي له الأرجحية حتى الآن. نحن ننتظر مطلع الأسبوع القادم وما بعده لأقل من خمسة عشر يوماً هي المهلة التي أعطيت للجنة التواصل النيابي لنسمع من الأطراف الأخرى اقتراحات جدية قابلة للنقاش، فإن قدموا اقتراحات تحوز على توافق لبناني عندها نرى ما هي هذه الاقتراحات، أما إذا قدم البعض اقتراحات فاشلة أو راكدة أو غير قادرة على أن تجمع اللبنانيين، أو لا تشكل بديلاً عن أرجحية المشروع الأرثوذكسي سيكون عندها هذا النقاش قد قام على البحث عن حلٍ توافقي، لكن عند عدم النجاح للحل التوافقي سنكون أمام ما تمت موافقة الأغلبية عليه. إذاً نحن ننتظر مقترحات من الطرف الآخر ولسنا مسؤولين أن نقدم مقترحاتنا، لأننا قلنا ما عندنا وتبين أن بعض ما عندنا له الأرجحية، إذاً على الآخرين أن يقدموا ما يساعد على تحقيق العدالة باختيار الناخبين لممثليهم وما يطمئن المسيحيين أيضاً كي لا يبقوا في هذا الواقع الصعب في عدم قدرتهم على اختيار ممثليهم.
الأمر الثالث: استهدفت إسرائيل مبنىً سورياً للأبحاث العلمية العسكرية، وهذا الاستهداف اعتداء إسرائيلي على سوريا، نحن ندين هذا الاعتداء ونعتبره دليلاً من أدلة عدوانية إسرائيل على سوريا وعلى المنطقة، هذا الاعتداء إنما حصل بسبب موقع سوريا المقاوم، واسمعوا التبريرات الإسرائيلية والأمريكية، كلهم يتحدثون عن ضربة وجهت لسوريا من موقعها المقاوم، أتمنى لو يسمع أولئك المتلهفين على استمرار الأزمة السورية أو قلب المعادلة السورية، أو تسخير النتائج السورية لمصلحة إسرائيل، لنرى ما هي مواقفهم وتعابيرهم، هل يوجد شيء أصرح من أن إسرائيل اعتدت على سوريا؟ ما هو موقف المعارضة السورية؟ ما هو موقف الجماعات المختلفة التي تريد المشاركة في إسقاط سوريا من خلال إسقاط النظام وإسقاط الحياة في سوريا؟ ما هي مواقفهم طالما أن إسرائيل في هذه الخانة؟ فالأمر واضح: عندما تعتدي إسرائيل على سوريا يعني أن سوريا في الموقع المقاوم وإسرائيل في موقع المعتدي، كل من يبرر لإسرائيل هذا الاعتداء وكل من يدعمها هو مع الموقف الإسرائيلي بالكامل وجزء لا يتجزأ من المشروع الإسرائيلي. لأن المطلوب اليوم أن نعرف تماماً بأن ما يجري في سوريا هو مشروعٌ أمريكي إسرائيلي لضرب قدرة الممانعة والمقاومة عند سوريا لفرط الحلقة المتماسكة مع المقاومة ومع الدول التي تحمي مشروع المقاومة وتقف بوجه إسرائيل، فليست المسألة مسألة إصلاحات، وليس المسألة مسألة خلافات داخلية، لا، ما هي الخلافات الداخلية التي تجتمع في مواجهتها دول كبرى، وتأخذ المشروع إلى مجلس الأمن، ودول تدفع أموال بالمليارات، ودول تصدر أسلحة، ودول ترسل مقاتلين وتسهل لهم، ويجتمع المقاتلون من كل أنحاء العالم من أجل أن يغيروا الواقع في سوريا، ثم يقول البعض هذه إصلاحات داخل سوريا يريدون تغييرها!! الأمر مكشوف وواضح، ونحن قلنا من اللحظة الأولى أن ما يجري في سوريا هو اعتداء على الشعب وعلى النظام السوري وعلى الموقف المقاوم لسوريا، وسنؤكد دائماً أننا سنبقى نشير إلى الحقائق ليعرف الناس، وسنبقى مع الموقف ضد الظلم والظالمين مهما كانت التكلفة والأسباب. وعلى كل حال الانتصار في نهاية المطاف لهذا الخط المجاهد المقاوم، وتثبت التجارب يوماً بعد يوم أن الآمال المعقودة على التنبؤات الأمريكية هي آمال فاشلة، وأفشل متنبئ في العالم هو أمريكا، وأنجح من يواجه في العالم هو أولئك الذين يحملون المقاومة من أجل الكرامة والأرض والشعب وقربة إلى الله تعالى.