الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في اللقاء السياسي التي دعت إليه جمعية التعليم الديني الإسلامي في مدارس المصطفى(ص) بحضور حشد من الأساتذة والمعلمين 5-1-2006

أبرز ما حصل في الآونه الأخيرة المشكلة التي سميت الأزمة الحكومة،

(...)، أبرز ما حصل في الآونه الأخيرة المشكلة التي سميت الأزمة الحكومة، هذه الأزمة لم تكن مسألة عابرة لموضوعٍ طرح في داخل مجلس الوزراء ثم لم يتفق الوزراء عليه، بل كان نتيجة طريقة في الأداء لم نوافق عليها ولم نقبل بها وقد تكررت في محطات مختلفة ولكنها برزت بشكل كبير في يوم 12/12/2005 عندما انعقد مجلس الوزراء بشكل سريع متجاوزاً النقاش الهادئ الذي بدأ فيما يتعلق بلجنة التحقيق الدولية ، وكذلك باستحضار نقطة حساسة لها علاقة بتوسيع التحقيق من دون إعطاء فرصة أو وقت للنقاش ولم نكن نريد أكثر من هذا الوقت الذي يتطلب حواراً ونقاشاً لمعرفة طبيعة المحكمة وواقعها وما ستتضمنه، وكذلك لمناقشة الملف الآخر المطروح بهدوء وروية لنتوصل إلى قواسم مشتركة، لكن تحت عنوان ضغط دماء النائب جبران تويني، وتحت عنوان ضغط الشارع لم يقبل البعض إلاَّ أن يتخذ القرارات متجاوزاً نقاشها في داخل مجلس الوزراء وقد أعلنت في الواقع قبل انعقاد مجلس الوزراء ثم كان النقاش داخل مجلس الوزراء هو تمرير للقرار فقط.

نحن اعتبرنا أن هذه الطريقة لا تصلح لإدارة البلد، ولا يمكن أن نقبل في أن نكون موجودين في داخل الحكومة من دون فعالية ومن دون موقف مشارك، فنحن شركاء ولا يمن علينا أحد أننا في الحكومة، دخلنا إليها بإرادتنا وقناعتنا وقناعة الآخرين بأن المصلحة في ذلك، إذاً لا يوجد هناك من أعطانا الدخول إلى الحكومة منحة، نحن دخلنا بملء إرادتنا وقناعتنا، وبالتالي لا نستطيع أن نبقى تحت توجيه من يرغب أن يوجه في الاتجاه الذي يعجبه ويقنعه، نحن شركاء والشراكة تعني النقاش والحوار والوصول إلى القواسم المشتركة.

أقول لكم بوضوح : نحن نريد الحكومة كما هي في الدستور، لا نريد تعديلاً دستورياً ولا نريد مكاسب خاصة ، إنما نريد أن يلتزم الأفرقاء الذين التزمنا معهم بالتفاهم السياسي حول القضايا المصيرية لما فيه مصلحة لبنان من ضمن الدستور ومن ضمن قوانين وصلاحيات مجلس الوزراء، على هذا الأساس قررنا تعليق المشاركة في الحكومة، وهذا التعليق بحد ذاته هو دليل إيجابية من قبلنا ، لأن التعليق يعني إعطاء فرصة للحوار وللتصحيح، نحن مقتنعون أن إمكانية تصحيح المسار واردة وعلى هذا الأساس علقنا مشاركتنا، وإلاَّ لرفضنا نهائياً أي بقاء في الحكومة وأي نقاش لو لم نكن نعتبر هذا الواقع الذي حصل هو واقع خاطئ واستثنائي وله قابلية التصحيح، نحن نريد المعالجة، لكن هذه المعالجة يجب أن تلحظ أموراً ثلاثة: أولاً المشاركة في القرار السياسي بفعالية، ثانياً أن تكون الإدارة ومتابعة الإدارة في الدولة من مسؤولية الحكومة الجدية ولكافة أعضائها، ثالثاً أن يؤكد مجلس الوزراء بأن المقاومة ليست ميليشيا لا لأن هذا التأكيد سيغير من ماهيتها فهي مقاومة وبالتأكيد الكل يعرف ذلك، لكن هذا نوع من الالتزام الصريح الذي يؤدي إلى التطمين حول طبيعة المسار الذي ستسير عليه الأمور خاصة بعد التطورات المختلفة وبعد الضغوطات الدولية المتتالية.

من كان يظن أن لبنان يبنى بقوة دون أخرى فهو مخطئ، ومن أراد أن يأخذ لبنان بالغلبة على حساب الآخرين فلن ينجح، هذه هي التجارب اللبنانية السابقة في العزل وفي السيطرة وفي محاولة قهر بعض الأطراف على حساب أطراف أخرى قد أثبتت فشلها، لبنان يجب أن يبنى بتعاون الجميع وبوحدة الجميع، يجب أن لا نستغل الحضور الدولي، ولا الظروف التي مكنت البعض من أن يكون له قدرة تأثير أكثر من غيره، ولا أن يتم استضعاف بعض القوى الموجودة في الساحة ،كلنا بحاجة إلى بعضنا البعض، والاختلاف في الموقف السياسي ليس جريمة، والتصنيف الذي يجري لفئات دون أخرى هو تصنيف فاشل وخاطئ.

نحن في الحزب عندما تحالفنا سياسياً وانتخابياً فيما سميَّ بالتحالف الرباعي إنما تحالفنا لأننا قدرنا مصلحة لبنان في ذلك، كان لنا مصلحة في هذا التحالف ونحن مقتنعون بذلك وكان للآخرين مصلحة في هذا التحالف وهم مقتنعون به، نحن لا نتنكر عادة لإلتزاماتنا وهي مكرمة للآخرين أن لا يتنكروا لإلتزاماتهم وفي النهاية ليس هناك شيء مقدس، لكن بالنسبة إلينا سنستمر بالعمل لمصلحة لبنان مهما كان الثمن ومهما كانت الصعوبات، لن نتوقف أثناء الطريق عند بعض التفاصيل الجزئية، وأقول لكم حتى ترتاحوا وتطمئنوا إذا لم تسمعوننا نرد على الكثير من التصريحات التي تصدر بين الحين والآخر فلأننا مرتاحون بأن التصريحات نفسها تعبر عن واقعها، ويستطيع الرأي العام أن يحاكمها وأن يتعرف على واقعها، لا نريد أن ندخل في سجالات مع أحد نريد أن نبني لبنان، ومن يريد أن يبني يهتم بالعمل، وغداً ترون بعد فترة وجيزة إلى أين ستصل الأمور وكيف ستكون النتائج، العبرة بالنتائح نحن نفضل حواراً داخلياً مستوراً في الغرف المغلقة، نتكلم بما نريد ويتكلم الآخرون بما يريدون ونصل إن شاء الله إلى نتيجة مشتركة، لن ننجر إلى سجالات إعلامية، ولن نكون متوترين أمام بعض التصريحات من هنا وهناك، المهم ما يرسو على الأرض، والمهم ما يجري التفاهم عليه وما نقوم به على المستوى العملي.

أمَّا المقاومة فهي خارج التهمة تماماً، ومشروعها واضح، هي ليست لأي جهة ، وليست بيد أي جهة، ولن تكون في يوم من الأيام إلاَّ تلك المقاومة المستقلة الشريفة التي يعرفها الجميع، تجربتها واضحة، من يشكك في مشروعيتها أو بمشروعها يحتاج إلى دليل أمام النور الساطع باستقامتها ونظافتها ووطنيتها، ليست لدى المقاومة معاناة أو مشكلة حول مشروعيتها لقد ثبتها الدم والتحرير، وهذا الواقع الجيد الذي أحاط بها في لبنان ، وهي في الواقع تحولت إلى مقاومة عصية على الاحتلال وعلى الاستكبار بسبب تراكم التجربة ليس منذ سنة 1982 عندما بدأت المقاومة الإسلامية فقط وإنما لكل تاريخ المقاومة قبل ذلك الذي تراكم لمصلحة هذه المقاومة وأدى في النهاية إلى تحرير لبنان وإلى حمايته من الاعتداء الإسرائيلي وستستمر في هذه الحماية إن شاء الله تعالى.

أتوقف عند نقاش أسمعه بين الحين والآخر يتعلق بهذا التفاهم المتين والصلب بين حزب الله وحركة أمل، ولا أعلم لماذا ينغِّص هذا التفاهم على البعض في الوقت الذي نقول فيه دائماً يجب أن تتوحد القوى ويجب أن تتعاون وتأتلف فيما بينها يجب أن نخفف من الاختلاف ومن التفرقة، يُفترض أن تُقام الاحتفالات لهذا التفاهم المتين بين حزب الله وحركة أمل، على كل حال لسنا منزعجين من هذا الحجم التمثيلي الضخم الذي تمثله القوتان الكبيرتان لكل من حزب الله وحركة أمل، ونحن لا نأخذ حصة أحد، وبطبيعة الحال لن يقوم أحد مقامنا، وهذا دليل عافية لأننا نمثل شريحة كبيرة من الناس، ومن الطبيعي أن لا يستطيع أحد أن يملأ مكاننا في مجلس الوزراء ، لسنا خجلين بأننا كذلك بل نحن فخورون أن درجة ثقة الناس بنا وصلت إلى أحد أن تكون لنا نحن وأمل أكثرية كبيرة جداً تساعد على أن نمثلها، فإذا تكلمنا تكلمنا بلغتها ومطالبها وهواجسها ومستقبلها وهذا أمرٌ إيجابي وليس أمراً سلبياً، على الآخرين أن يتعاملوا مع هذا الواقع غير المصطنع وغير المفتعل، فالشخصيات التي تمثل هذا الاتجاه هي شخصيات تمثل الواقع الشعبي نيابياً ووزارياً وشعبياً وبكل المعايير.

هنا أؤكد على ضرورة السير بمسيرين أساسيين في لبنان: مسار التحقيق في اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، ومسار بناء لبنان ومعالجة قضاياه ومشاكله. لا يجوز أن نعطِّل أحد المسارين لمصلحة المسار الآخر، ولا يصح أن نربطهما بطريقة تجعلنا نرتبك في السير فلا نصل إلى الحقيقة ولا إلى بناء لبنان.للتحقيق مسار قضائي نحن معه إلى النهاية حتى يثبت على المجرم جريمته ويحاسب عليها بكل ما يستلزمه القضاء والتحقيق والإجراءات والأدلة، من دون أن يكون لهذا التحقيق أي جانب استغلال سياسي ومن دون أن تتعطل المسيرة في البلد تحت عنوان التحقيق، نحن معه وها هي لجنة التحقيق تكمل مسارها فلننتظر نهاية المطاف.

في المقابل يجب أن نبني واقع الدولة، والبناء يتطلب مسؤولية، ليس صحيحاً أن تقف الحكومة وتحمل المسؤولية لغيرها في كل أمر، إذاً لماذا هي تتصدر القيادة في الدولة، إذا كانت غير مسؤولة عن الأمن وغير مسؤولة عن الاقتصاد وغير مسؤولة عن حسن الإدارة وغير مسؤولة عن الاستقرار وغير مسؤولة القضاء فإذاً عن أي شيء هي مسؤولة، نحن ندعو لأن تتحمل الدولة مسؤوليتها كاملة لمعالجة الملفات الحساسة ، والتي يحتاجها المواطن اللبناني فأقل ما تعطيه الدولة لأي مواطن الأمن الاجتماعي والأمن الشخصي، وإذا لم يتوفر هذان الأمران فهذا يعني ضرورة إعادة النظر بواقع هذه الدولة.

ألاحظ أنه كلما حصل اختلاف سياسي ما بين حزب الله مثلاً وتيار المستقبل في شأنٍ داخلي أو في شأن تفصيلي ، تبدأ بعض الجهات الموتورة وبعض ضعاف النفوس المأجورين بإثارة بلبلة في الشارع حول تفاقم الخلاف السني الشيعي، مع العلم أن الخلاف في بعض النقاط خلاف سياسي، وأنه لا يوجد أي اشكالية لها علاقة بالمسألة السنية الشيعية لا بيننا وبين المستقبل ولا بيننا وبين السنة الآخرين ولا بين السنة الآخرين والشيعة بشكل عام، لماذا لا يلاحظون نقاط الاتفاق وما أكثرها ويلاحظون نقاط الخلاف فقط، اعلموا أن الاتفاق الذي حصل انتخابياً وسياسياً ضمن ما سُمي بالتحالف الرباعي كانت دعامته الأساسية تعزيز العلاقة السنية الشيعية لمنع أي فتنة يمكن أن يفكر فيها بعض الموتورين أو بعض الذين يحاولون أن يلعبوا بشؤون بلدنا، كذلك لمسنا من كل القيادات السنية والشيعية حرصاً على هذه العلاقة المتينة، لم أسمع بقيادي سني واحد أو قيادي شيعي واحد يؤيد أو يعمل للفتنة السنية الشيعية ، بالعكس كلهم يعملون لللحمة والتعاون ونحن بكل وضوح سنضحي من أجل تثبيت هذه الوحدة لأنها لمصلحتنا جميعاً ولمصلحة لبنان.

نحن بحاجة إلى بعضنا البعض، فالتطورات في المنطقة تستدعي أن يكون السنة والشيعة أكثر وحدة وتعاون من أي وقت مضى، وسنكون كذلك إن شاء الله وسنعزز أيضاً العلاقات الإسلامية المسيحية كل هذا الأمر في إطار منع الفتنة، ولسنا خائفين منها، لأن ما بيننا كمسلمين من مشتركات تبدأ بإيماننا بالله وتمر بالقرآن وبوحدة النبي الأكرم (ص) وبالقضايا المشتركة التي نعانيها معاً وهذه جميعاً تؤكد على أهمية الوحدة التي سنعمل لها بكل قوة وسنستمر في هذا الاتجاه،وسترون دائماً مواجهة حقيقية لأي فكرة فتنة أو كلمة فتنة بالتطبيق العملي وليس بالكلمات.