لبنان هو بلدنا جميعاً ، هو ليس بلد طائفة أو مجموعة من الناس ، ولا يحقّ لأحدٍ أن يحكره لنفسه وأن يُعطي شهادات الوطنية للآخرين ، الوطني هو التي قاتل ودافع عن بلده ، والوطني هو الذي ضحى واستبسل من أجل عزته واستقلاله ، وليس الوطني من أتقن الخطابة على المنابر أو انتهج مسلك التحريض المذهبي ، أو سار في دائرة بيع بلده للأجنبي من أجل أن يحصل على كرسي أو موقع أو منفعة أو سرقة أو خدمة من هنا وهناك ، ولذلك يجب أن يكون مسلَّماً أن لبنان لا يمكن أن يُبنى إلا بجميع أبنائه ، لا تستطيع فئة أن تأخذه لنفسها ، ولا تستطيع فئة أن تمنع الفئة الاخرى من مشاركتها وإلا سنكون في وضع صعب ومعقد ، وقد جرب من جرب ووجد النتائج مرة وصعبة .
نحن في حزب الله والمعارضة اخترنا مساراً أكّدنا عليه بالحدّ الادنى منذ سنة ، أي منذ بداية الازمة الحالية مع الحكومة غير الدستورية وغير الشرعية ، مسارنا الذي أكدنا عليه هو الدعوة إلى الوحدة الوطنية والمشاركة والتوافق ، واخترنا كل العناوين التي تدعو إلى الجمع والتفاعل ، فمسارنا عنوانه الوحدة ، بينما مسار الآخرين هو مسار الاستفراد والاقصاء ، ومسار الرفض للحلول التي تؤدي للمشاركة ، والرفض للوحدة الوطنية وكأنها منكر بالنسبة إليهم ، لقد عطّلوا كل الحلول التي طُرحت لسنة كاملة ، وكان بإمكاننا أن نخطو خطوات مهمة ، وأن نُنقذ بلدنا بهذه الحلول التي كان عمادها أن نتشارك جميعاً في صياغتها ، لكن كلما دعوناهم إلى حكومة وحدة وطنية اعتبروها انتحاراً سياسياً ، قلنا لهم تعالوا للمشاركة فرفضوها تحت عنوان المخاوف والهواجس ، إذاً لنفكر بخطوة مؤقتة ، أيضاً الخطوات الانقاذية رفضوها ، لم يقبلوا حلاً واحداً فيه توافق أو وحدة أو تعاون ، إلى أن أوصلونا إلى هذه اللحظة التي تحبس أنفاس اللبنانيين علنا نصل إلى نتيجة ، لكن إعلموا تماماً أن حجم وتراكم عدم الثقة الذي أصبح موجوداً بسبب هذه الممارسة وهذا الاداء الطويل ، هو أمر مؤثر جداً في كل الحلول المقترحة ، وبالتالي لو التزموا معنا منذ البداية لوفّرنا علينا هذه السنة ، ولوفّرنا علينا الحلول القادمة ، ولوصلنا إلى الاستحقاق الرئاسي بشكل طبيعي وعادي وأنجزناه بدون هذه التعقيدات ، لأن تجربتهم كانت مرة على كل الاصعدة ، وقد قرأت وسمعت كما قرأتم وسمعتم بيان انجازات الحكومة ، ولا أخفيكم أني أتعبت نفسي لأجد انجازاً واحداً في هذه المطولة الكلامية التي سمعتها، فلم أجد إلا كلاماً سياسياً كله في دائرة عدم الانجاز ، لا في المسألة السياسية حققوا إنجازات ولا في مسألة العلاقات اللبنانية السورية ، ولا في المسألة الفلسطينية ولا في كل المسائل الاقتصادية والمعيشية ، إذاً ماذا أنجزت هذه الحكومة ؟ نعم، نشهد أنها أوجدت حالة من عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي والامني والثقافي والاخلاقي ، الذي أطاح بكل شيء وأوصلنا إلى هذا المأزق الذي نعيش فيه . تستطيع هذه الحكومة أن تفتخر أنها أنجزت غلاءً للمعيشة يتفاقم يوما ًبعد يوم ويسبق كل غلاء في العالم بأضعاف مضاعفة من دون مبرر إلا سوء الادارة والسرقة وعدم رعاية أحوال الناس، وعدم وضع الخطط العملية المناسبة ، وعدم قدرة هذه الحكومة أن تنهض بهذا البلد ، هذه الحكومة لم تكن منصفة لأنها قبلت أن تستمر وطائفة بكاملها خارج هذه الحكومة منتهكة بذلك أحكام الدستور والعيش المشترك في هذا الوطن ، كل الاعمال التي حصلت في هذا العام كانت المزيد من التدهور ، حتى إعطاء المساعدات التي يستحقها الناس من الاموال العربية والاجنبية التي أتت بعد العدوان الاسرائيلي لم تُنجز حتى الآن في دفعتها الاولى مع مرور سنة ونصف تقريباً ، ما هذه الدراسات العميقة التي تتطلّب أن تُملأ الملفات ولا تنتهي لعدد كبير من اللبنانيين ، ولقد سمعت من بعض المعنيين أن الدفعة الثانية غير واردة عند هذه الحكومة البتراء ، لأن من دُفعت له الدفعة الاولى وأنجز قسماً من البناء يُفترض أن ملفه جاهز وإنما يتطلب أن يُدفع له فقط ، فهذا ليست عنده مشكلة ملف ، ولكن المشكلة أن قسماً من الاموال حُوِّلت إلى غير المساعدات وإلى غير محلّها ، والمستندات موجودة أمام الرأي العام التي تبيِّن أن قسماً من هذه الاموال حُوِّلت تحت عناوين مختلفة إلى غير موضعها ، كمحاولة من محاولات الاضرار بهؤلاء الذين ضحّوا وقدّموا من أجل أن يتعلّموا أن لا يكونوا مع المقاومة ، لكن نقول لهم أن شعبنا أبيٌّ يقف مع المقاومة ، يُعطي ولا يأخذ ، وسيكون دائماً في الموقع المتقدم في هذا المجال .
نعيش في بلدنا اليوم مخاض الوصاية الامريكية أو الاستقلال ، نحن بين خيارين : إما أن نسير في المشروع الامريكي ونصبح مأمورين وإما أن نكون مستقلِّين فنفعل ما يحلو لنا في بلدنا ، أي نكون مستقلين وأقوياء وننهض بواقعنا من دون تدخل من الآخرين . وليكون واضحاً ، بالنسبة إلينا لا مجال للتحكّم أمريكا ببلدنا ، لا كمعبر ولا كمستقر ، ولو حاولوا جاهدين ، فإذا كانت أمريكا فاشلة في كل البلدان الاخرى ، هل تتوقع أن تنجح في لبنان ، لبنان المقاومة مقبرة المشروع الامريكي أكثر بكثير من البلدان الاخرى التي لم ينجح فيها هذا المشروع .
بقيَ أمامنا أن ننتظر الرئيس العتيد الذي ينتظره كل اللبنانيين ، هذا الرئيس بالنسبة إلينا يجب أن يكون له شعبية مسيحية ووطنية ، وأن يكون قادراً على أن يُشكِّل مساراً مساعداً لنهضة لبنان ، وأول عمل لهذا الرئيس هو إقامة حكومة وحدة وطنية لسدّ الثغرات التي سبّبها الآخرون بالابتعاد عن المشاركة وعن الوحدة الوطنية ، وأن يلتزم باستقلال لبنان ، وأن يدعم مقاومته في مواجهة الاحتلال والمشروع الاسرائيلي ، وأن يعمل على رفض حروب الآخرين على أرضنا ، وأن يرفض التوطين ويبدأ بمعالجة الملفات الاقتصادية والاجتماعية ، وأن يُساعد على جوّ من الاستقرار السياسي الذي يؤدي إلى كل أنواع الاستقرار الاخرى ، الاقتصادية والامنية والاجتماعية وما شابه .
بطبيعة الحال الرئيس الوفاقي هو الذي يفتح هذه الآفاق ، ونحن ندعو إلى رئيس وفاقي ، ومعنى الوفاقي أن يكون محلّ اتفاق بين الجهتين ، وهذا الرئيس ليس مطلوباً كيفما كان ، يعني ليس مطلوباً أن نُنجز الاستحقاق الرئاسي كيفما كان ، المطلوب أن نُنجزه بأصوله، لأننا أمام مأزق حقيقي في لبنان ، والمعارضة شريك وازن وأساسي في هذا الاختيار ، وليس منّة من أحد إذ لو لم تكن المعارضة وازنة ، لاختاروا الرئيس منذ زمن بعيد وانتهوا، ولكن لا يساعدهم الدستور، وليسوا قادرين على التفرد بهذا البلد دستورياً وشعبياً ، هذه الرئاسة تُشكل محطة هامة في تحديد مسار لبنان السياسي المستقبلي لفترة من الزمن ، ونحن نرفض التلاعب بها وأخذها إلى المجهول ، فلا يراهننَّ أحد على تمرير المشروع الامريكي ، ونؤكد على أن مرحلة ما بعد الرئاسة تختلف عن مرحلة ما قبل الرئاسة ، فنحن في الفترة السابقة عملنا جاهدين لنُهيّء الارضية المناسبة للخروج من المأزق ، وتحمّلنا الكثير وضحّينا تضحية كبرى ، أما بعد الرئاسة فإذا فكّر البعض أن يأخذها خارج دائرة الوفاق أو الحل المعقول ، الذي يتوافق عليه الاطراف ، فهذا يعني أن البلد سيكون في وضع صعب وسيكون في مأزق ، لا داعي لأن يجرّب أحد أحداً ، فلبنان ليس بحاجة إلى تجارب، ونحن لسنا بحاجة لاختبارات .