إذا حاول البعض التحدث عن ثمن الجهاد والعطاء في سبيل الله والوطن، نقول له:أن ثمن الهزيمة أكبر بكثير، الهزيمة تجعل الأحياء أمواتاً في حياتهم، أما النصر فيجعل الشهداء أحياءً في حياتهم وفي حياة الأمة بأسرها، بالنصر حياة لكل الأمة، وبالهزيمة موت لكل الأمة.
ولو راجعنا نتائج الحرب لوجدنا أنها بثت جاذبية جديدة فعالة في نفوس كل الشباب، فكل الشباب الموجودون في ساحتنا يريدون أن يتدربوا وأن يقفوا بالمرصاد في مواجهة إسرائيل، هذا يدل على أن المقاومة دخلت إلى كل عقل وكل بيت.لم يعد بالإمكان جمع عدد المقاومين بلوائح الأسماء، بل أصبحنا بحاجة للوائح الأسماء لنعرف من هم غير المقاومين فهذا أسهل.
ومن نتائج الحرب فشل جرّ لبنان إلى الوصاية الأمريكية، وإلى خدمة المشروع الإسرائيلي، بل قلبنا معادلة رايس فهي قالت عن الحرب بأنها آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد، بعد الانتصار أصبحنا في إطار أعباء مراسم دفن الشرق الأوسط الجديد الذي سيكلف أمريكا وزبانيتها الكثير الكثير من دون طائل، لأنه دفن تحت الأرض ولا قابلية له للحياة، وأكبر الانتصارات أننا منعنا أن يكون لبنان الخاصرة العربية الرخوة التي تدخل منها إسرائيل وأمريكا ، وأصبح لبنان قوياً منيعاً في مواجهة التحديات وعلى رأسها التوطين، وعلى باقي العرب أن يرتبوا أوضاعهم لتكون بلدانهم على مستوى المواجهة، فمن كان يحتج منهم بلبنان الضعيف ليلحق به فالآن لبنان قوي ونقول له: إلحق به في قوته إذا كنت تريد حياة عزيزة .
قوة المقاومة لا يمكن أن تلغى بقرار أمريكي أو إسرائيلي، ولا يمكن أن تخضع لبعض الابتزازات السياسية الداخلية، قوة المقاومة مكتسبٌ تعمَّد بالدماء، وقوة لبنان ربحٌ حصلنا عليه بعد تضحيات كثيرة، وموقفنا القوي جاء نتيجة معاناة وتعب وتضحيات وتهجير وجرح وأسر وشهادة، ولا يمكن أن نفرط بهذه القوة، من أراد قوة بديلة تقاتل إسرائيل نقول له: قدِّمها لنا وأرنا إياها فإذا اطمأنينا، عندها نرى الحل المناسب، لكن تحت شعار لا سلاح إلاَّ سلاح الدولة ، وتحت شعار أن لا قوة إلاَّ قوة الدولة من دون أن يكون هناك سلاح ولا قوة عند الدولة لتواجه إسرائيل، فلا يمكن أن تكون المقاومة مستعدة لأن تعيد لبنان ضعيفاً وإلاَّ انتهكت حرمته إسرائيل مراراً وتكراراً، وخسر كل هذه الدماء وهذه التضحيات ونحن لا نقبل أبداً أن نتخلى عن أسباب قوة لبنان ومنعته.
أريد أن أسالهم: ما هو تعليقكم على تصريحات رايس التي تحدثت عن تمويل إسرائيل عسكرياً بثلاثين مليار دولار تحت عنوان مواجهة حركات ودول الممانعة في منطقتنا ضد المشروع الإسرائيلي؟ هل يحق لإسرائيل أن تتسلح بكل هذا السلاح وبكل هذه الإمكانات ولا يحق لنا أن ندافع عن أنفسنا وأن نتسلح من أجل أن نواجه هذا الخطر! وإذا احتجّت الإدارة الأمريكية بأنها إنما تسلح العرب من عرب الخليج وإسرائيل لمواجهة دول الممانعة والمقاومة في منطقتنا نقول لهم: أنتم لا تسلحون دول الخليج من أجل المحافظة على استقرار المنطقة ، أنتم تسلحونها من أجل أن تبرروا تسليح إسرائيل، وفرق كبير بين سلاح لا يستخدم إلا لتحرير الأرض، وسلاح يستخدم من أجل الظلم والاحتلال الذي تمارسه إسرائيل.
لقد تركت الحرب تأثيرات على الواقع الداخلي في لبنان وأوجدت تداعيات كثيرة، من هذه التداعيات حصول استنفار شامل لتغطية نتائج العدوان سياسياً من خلال بعض السلطويين الذي استأثروا بالسلطة ودفعوا لبنان باتجاه الموقع الذي يخدم الوصاية الأمريكية ويؤدي فوائد لمصلحة إسرائيل، ودفَّعوا لبنان أثماناً إضافية وكبيرة بعد الحرب، اقتصادية واجتماعية وسياسية وأمنية كان يمكن أن لا نتحملها لو وعى هؤلاء بمصلحة بلدهم، وعملوا من أجل أن نرفع هذه الراية معاً لإنقاذ لبنان بعد هذه الحرب وبعد هذه الوقائع، التي تدل بأن لبنان بحاجة إلى إنقاذ حقيقي، هم انتظروا الرضا الأمريكي ، وسأخبركم بمسألة هامة : نحن تبلغنا كحزب الله خلال الأشهر السبعة الماضية أربع مرات، ثلاثة من سفير دولة عربية وواحدة من مسؤول في الجامعة العربية بأن الفريق الآخر وافق على الثلث الضامن وتعالوا نتحدث بالتفاصيل الأخرى وبإجراءات تنفيذ حكومة الوحدة الوطنية، ثم بسحر ساحر بعد 24 ساعة أو 48 ساعة يُشطب هذا التعهد بالكامل ويتبين لنا أن أمريكا هي التي شطبته ومنعته ، فقد أعاقت أمريكا أربع مرات بشكل رسمي ما تبلغنا به من إمكانية الحل بحكومة وحدة وطنية، وكنا عندما نراجع بعض الدول وبعض أصحاب المبادرات يقولون لنا: لا نستطيع أن نقرر شيئاً ما دامت أمريكا لا تقبل فلسنا وحدنا في الساحة ، إذاً نحن لسنا أمام مشكلة داخلية بحتة، نحن أمام ممانعة أمريكية من أن نتوافق مع بعضنا ومن أن نبني لبنان سوياً، فلو توقفت هذه الممانعة ولو قلنا لأمريكا معاً أننا بحاجة إلى أن نبني وطننا معاً وأشعرناها باليأس من أن تستمر على هذا المنهاج، لاستطعنا أن نشكل حكومة الوحدة الوطنية منذ زمن طويل ووفّرنا على الناس كل هذه المشاكل والعقبات.
هذه الحرب التي حصلت على لبنان ظُلمنا في أثنائها وظلمنا بعدها وتحملنا، لأننا رفضنا الفتنة بين السنة والشيعة، ولأننا فتحنا فرص الحل من خلال الحوار والتشاور، ولأننا قبلنا بأن نطرح مطالب موضوعية مقبولة كي لا نعقد الأمور، قبلنا بهذا المستوى من الظلم لأننا نريد مصلحة لبنان، وأكدنا على احترام المؤسسات الدستورية، واعترضنا على تهميش مؤسسة رئاسة الجمهورية الذين يتحدثون عن حرص عليها الآن، وقدَّمنا حلولاً للمحافظة على مؤسسة الحكومة التي سقطت وأصبحت غير شرعية، ولم يستجيبوا لكل ما طرحناه، وأكدنا مراراً أننا مع اتفاق الطائف، لا نريد تعديلاً له ولا مناقشة فيه، ولا نقبل أن يطرح على جدول الأعمال على أي طاولة ، بل نريد منهم أن يطبقوا ما ورد في الطائف لا أن ينحروه تنفيذياً في كل موقف من المواقف ثم يضعون عنوان الطائف ويحيدون عنه تحت حجة التفاسير المختلفة.
في النتيجة، حكومة الوحدة الوطنية هي التسوية الوحيدة المقبولة التي تصلح كخطوة أولى على طريق الحل، وشروطهم التي قدموها كانت تتغير كل مرة ، أولاً شرطوا المحكمة ثم الحكومة، فالمحكمة أصبحت في مجلس الأمن ولم يبق إلاَّ الحكومة، فقالوا :لا، غيَّرنا، بعدها طرحوا الحكومة والاتفاق على الرئيس ، لكن علينا أن نتفاهم أين نحاور وكيف نتحاور وعندما يأتي وقت الاستحقاق الرئاسي نناقش، الآن عندهم بدعة جديدة أن الوقت لم يعد يتسع فلنبحث الرئاسة ونتجاوز الحكومة، بكل صراحة لو بقي يوم واحد فيه إمكانية أن تتشكل حكومة وحدة وطنية فهذا معناه أن الوقت لم ينفذ بعد، وإذا كنتم حريصين على حل معقول وفعال فأمامنا الآن شهران قبل بداية الاستحقاق، وبعض الأيام أو الأسابيع في داخل الاستحقاق لنوجد عوامل الثقة فيما بيننا من خلال حكومة الوحدة الوطنية، ثم نشرَع في اختيار رئيس للجمهورية بحسب القواعد الدستورية، آملين أن ننجز هذا الاستحقاق في وقته المحدد. أنتم خائفون من أن لا يحصل انتخاب رئاسة جمهورية، فهل إذا بقي معكم النصف زائد واحد تستطيعون انتخاب رئيساً للجمهورية؟ لا تستطيعون لأن الانتخاب لا يتم إلاَّ بالثلثين، بمنطقكم لا رئاسة، أما بمنطقنا فمن خلال حكومة وحدة وطنية يمكن أن ندخل إلى باب الرئاسة في الوقت المحدد، وهذا إنجاز محتمل بشكل كبير ومعقول، أيهما أفضل أن ندخل في الاحتمال أو فيما نتأكد أنه لن يعطي حلاً . أما إذا كنتم تفكرون بتمرير المهلة حتى نصبح أمام خيار وحيد هو اختيار رئيس الجمهورية أو لا، أقول لكم : إذا وصلنا إلى الاستحقاق ولم تكن هناك حكومة وحدة وطنية فهذا يعني أن الأمور تعقدت ولن يكون بينها اختيار رئيس بحسب ما تريدون، إنما ستكون هناك خيارات أخرى نحن مضطرون أن نقدم عليها، حتى لا يكون هناك فراغ دستوري في البلد إذا لم تتفقوا معنا على رئيس وعلى حلول، وبالتالي تكونون بذلك في دائرة رهان خاسر ننصحكم أن لا تلجؤوا إليه، عودوا إلى حكومة الوحدة الوطنية لحماية البلد وبالوصول إلى الحلول التي نريدها جميعاً.