بداية نرسل تحية كبيرة إلى الشهداء والجرحى والأسرى الذين قدموا أروع عنوان للبطولة في حرب تموز ، وأثبتوا أنهم أهل للوعد الصادق وأنجزوا انتصاراً كبيراً للبنان ، مرّت سنة تقريباً على حرب اسرائيل على لبنان ، وخلال هذه السنة ثبت الاعتراف القطعي الذي لا نقاش فيه ولا جدال بأن المقاومة الاسلامية والشعب اللبناني انتصرا على اسرائيل بإقرار اسرائيل وأمريكا والعالم وبالوقائع والأدلة ، حتى ولو كره البعض ولم يعترف بهذا الانتصار ، فالحقائق لا تقبل النقض وإنما تُثبت نفسها في الميدان ، وإن اسرائيل أقرّت مراراً وتكراراً بأنها هُزمت في لبنان ، وثبّت هذا الامر تقرير لجنة فينوغراد ليكون الوثيقة النهائية كشهادة تُثبت الهزيمة بما يقطع الجدل بين الانتصار والهزيمة . وهنا ما الذي حصل خلال هذه السنة ، بعد هذا الانتصار الإلهي الكبير؟ رأينا أن الحركة الأمريكية لم تتوقف كمحاولة لزرع انتصار سياسي لم يتحقق بالمعركة العسكرية ضد لبنان ، من هنا ما فعله فريق السلطة في لبنان حتى الآن ، وما عطل من خلاله الحياة السياسية والدستورية لمدة سنة ، إنما كان مواكباً للرغبة الامريكية في عدم استثمار الانتصار لمصلحة قيامة لبنان ، ولمصلحة استقلال لبنان عن أيّ وصاية أجنبية أو عربية ، دولية أو إقليمية . على هذا الاساس كنا دائماً نطالب بالمشاركة ، ولم يكن هدفنا من المشاركة زيادة عدد النواب والوزراء ، وإنما كان الهدف المركزي أن نُنقذ لبنان بهذا التوافق ، لأن عدم المشاركة تعني مسؤولية فريق من اللبنانيين ، لا يشكّلون المجتمع اللبناني بأكمله ، ويزيدون عن النصف نيابياً ، وينقصون عن النصف شعبياً ، وهؤلاء لهم إلتزامات مع أمريكا لا يستطيعون التحلّل منها ، وهم تحت الضغط اليومي والمباشر ، ولذا كان الرفض الامريكي للمشاركة سببه المركزي هو إلزام قوى السلطة بأن تفي بتعهدات والتزامات تريدها أمريكا من لبنان لتعوّض الخسارة التي حصلت في عدوان إسرائيل على لبنان . إن إصرارنا على المشاركة يستهدف أن نُنقذ جماعة السلطة وأن نُنقذ لبنان ، لأننا إذا اتفقنا معاً في المشاركة لم يعدْ بالإمكان أن يُلزَم لبنان بأي قرارات أمريكية ، والكل سيعود إلى قرار ممثّلي الشعب في مجلس الوزراء ، وهذا يؤدي إلى أن تكون القرارات المتوافق عليها قرارات فيها مصلحة للبنان ، وليست لفريق دون آخر وليست لالتزامات لا يقبل بها فريق ويقبل بها فريق آخر، نحن نؤكد أن المراهنة على تقطيع الوقت مراهنة خاطئة ، في كل يوم يتحدّثون عن حوار ، وعن ضرورة أن نُناقش القضايا قبل أن نصل إلى حكومة وحدة وطنية ، والهدف المركزي هو أن يمرّ الوقت لنصل إلى الاستحقاق الرئاسي ، عندها سيقولون لنا : لم يعدْ هناك وقت لحكومة الوحدة الوطنية ، وتعالوا إلى الاستحقاق الرئاسي . نقول لهم أن حكومة الوحدة الوطنية اليوم تخفِّف الاحتقان ، وتجمعنا معاً ، وتُقفل أبواب المرحلة السابقة وتفتح أمامنا مرحلة جديدة ، وتهيئ لانتخابات رئاسية هادئة وبالتوافق بما يُنقذ لبنان في المرحلة القادمة ، أما مرور الوقت للوصول إلى انتخابات الرئاسة ، فمع عدم تهيئة الاجواء المناسبة للتوافق يعني أن نصاب الثلثين يصعب تحقيقه في المجلس النيابي ، وبالتالي لا إمكانية لانتخاب رئيس من دون الثلثين ، فسنقع في فراغ دستوري حقيقي، لأننا سنكون عندها مع انتهاء ولاية الرئيس الحالي بدون رئيس ، ونحن من دون حكومة ، ولا يمكن للبلد أن يبقى في الفراغ ، عندها تكون الحلول أحلاها مرّ ، وبالتالي إذا اجتهدوا في حلول لا يساعد عليها الدستور وهذا سيدخل البلد في المجهول . جرّب فريق السلطة أن يستأثر بلبنان وحده من عدوان تموز 2006 حتى الآن ، فماذا كانت النتيجة ؟ ازداد البلد خراباً ، وازداد التوتر السياسي ، وأصبحت البيئة اللبنانية بيئة غير آمنة ، إضافة إلى الانهيار الاقتصادي التي يتتالى يوماً بعد يوم ، مع كل المضاعفات الاجتماعية السلبية على المواطن اللبناني ، إذاً خضتم تجربتكم باستئثاركم بالسلطة ولم تنجحوا ، ولم تتمكنوا من رفع البلد إلى مستوى البلد الطبيعي في إدارته ، واليوم فريق السلطة بحاجة إلى المعارضة ، وفريق المعارضة لا يستطيع أن يحكم بدون فريق السلطة ، كلانا بحاجة أن نكون معاً ، لأن الدستور اللبناني هو الذي يُلزمنا بنصاب معيّن يحتاج إلى الثلثين ، أي أنه لا يمكن لأي طرف أن يأخذ البلاد إلى حيث يُريد . إجمعوا الثلثين بأي توافق تحقِّقونه ، وعندها نسير معاً من أجل أن نُنقذ بلدنا ونحقق الاهداف المرجوة ، فكل هذا التعالي عن الوضع المأساوي الذي يعيشه لبنان لا ينفع ، وعلى كل حال برزت بشكل واضح مشكلة فريق السلطة عندما لم يعدْ السفير الامريكي في لبنان مقتنعاً بأنهم يقومون بما عليهم ، ويُعبِّرون عن الاهداف المطلوبة ، فاضطر أن يتصدّى ويوزِّع التعليمات ، وكأنه استاذ هؤلاء وهو الموجّه الذي يفرض الشروط ويُحدّد من الذي يخالف الدستور ومن الذي يوافقه ، وهذه فضيحة كبرى لو جرت في أي مكان محترم أو يحترم المسؤولين فيه أنفسهم ، لكان القرار الطبيعي أن يُمنع السفير الامريكي من دخول لبنان ويوضع على لائحة المشبوهين ، لأنه يضرّ بلبنان ويضرّ بالسياسة التي يريد اللبنانيون أن يصلوا إليها مجتمعين ، هو الذي يُحرض على التفرقة وعلى عدم الاجتماع ، ألم يكن الكلام سابقاً بأن المشكلة في الحكومة والمحكمة ، وحُلّت مشكلة المحكمة بطريقة معيّنة ، إذاً لماذا لا تُحلّ مشكلة الحكومة ، الآن أصبحت مشكلة الحكومة تُربط بأمور أخرى ، هذا يعني أن المطلوب هو عدم الموافقة على المشاركة ، لكن لبنان إما أن نحمله معاً وإلا لن يستطيع أي فريق قيادته وحمله ، وعندها يبقى في هذه الحالة المأساوية والصعبة التي يتحمّل مسؤوليتها فريق السلطة عندما لا يقبل التفاهم والتعاون ، نتمنى أن تكون الأيام القادمة أفضل رغم أن المقدمات لا تُشجع كثيراً ، ونسمع بين الحين والآخر كلمات تحاول أن تنفث في دائرة إثارة العصبيات والمذهبيات ، إلا أن لبنان لا يقوم إلا بالتفاهم . لعن الله الفتنة والمفتنين الذين يصعِّدونها ، وإن شاء الله نصل في نهاية المطاف إلى أن يكون هناك انتصار سياسي لمصلحة لبنان كما كان هناك انتصار عسكري لمصلحة لبنان .