الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في احتفال احياء مناسبات أهل البيت (ع) في شهر صفر الذي أقامته الانشطة النسائية في هيئة دعم المقاومة الاسلامية في قاعة الجنان في 15/3/2007

نحن حاضرون لمشاركة تؤدي إلى وجود الجميع بداخلها

ومما جاء فيها :

أولاً : نحن نرى تداعيات العدوان الاسرائيلي على الكيان الاسرائيلي بشكل كبير ، بحيث نرى في كل يوم خسارة اسرائيلية جديدة ، ظنّ الناس أن المعركة انتهت في الرابع عشر من شهر آب وأن الخسارة سُجِّلت ، ولكن تبيّن أن الخسائر تتداعى وتتدحرج في كل يوم ، إلى درجة أصبحنا معها عاجزين عن احصاء خسائر اسرائيل ، اليوم وغداً وفي المستقبل ، لأن مستوى ما أنجزته المقاومة وشعب لبنان الأبيّ كان كبيراً وعظيماً وضخماً ، إلى درجة لم يدركها الكثيرون ممن هم في هذه المنطقة والعالم ، ولكن أدركها الاحرار ، وهنا نحن نرى تداعياتها اليومية في الكيان الاسرائيلي . هذا يجعلنا أمام فرصة تاريخية لالتقاط الانفاس ، حتى نتمكن من المتابعة واثقين بدورنا وقدرتنا على الممانعة ، وأنتم ترَون أن التداعيات لم تقتصر على جهة دون أخرى ، وإنما شملت المؤسسة العسكرية والسياسية والواقع الشعبي بشكل كبير ومؤثر ، ولعلنا لا ننتبه أحياناً إلى بعض التفاصيل التي يذكرونها ، وتُدلِّل على حجم الهزيمة . تصوروا أن مجموعة لواء غولاني يتظاهرون وعددهم حوالي المئتين ، لأن المسؤولين حرموهم من أن يُعرضوا على أطباء نفسيين في الكيان الاسرائيلي ، إن دلّ هذا الامر على شيء فإنما يدل على أمرين كبيرين ، الاول هو هذا الضياع والتوتر والانهيار النفسي الذي أصابهم ، وكأن الصواريخ التي كنا نرسلها كان فيها أشياء نفسية ما زالت تبثّ حتى الآن . هم إلى الآن استطاعوا أن يوجدوا حلولاً للمواجهات العسكرية وحلولاً للمواجهات النووية والكيميائية وما شابه ، لكن لم يجدوا حلولاً للانعكاسات النفسية ، والسبب الثاني يبيِّن المستوى المتدني عند جندي النخبة الاسرائيلي ، هل تعلمون لماذا اعترضوا على عدم عرضهم على أطباء نفسيين ، لأنهم لو ذهبوا هم إلى أطباء نفسيين ، فسيتحمّلون هم تكلفة الطبابة ، فهم يريدون أن يُعرضوا من قِبل المسؤولين حتى لا يتحملوا تكلفة الطبابة ، فإذاً هم بسبب مسألة مادية تافهة شكَّلوا تظاهرة في مواجهة مسؤوليهم ، ومن أجل أن يتهربوا من مسؤولية الخدمة تحت عنوان أنهم مصابون نفسياً .

إسرائيل اليوم في الواقع المُنهك ، وهي لا تستطيع أن تفرض شيئاً علينا ، وهي اليوم تعاني لأول مرة أن المعركة حصلت على الارض التي تتواجد فيها ، إذ كانت في كل مرة تقاتلنا على أراضينا وفي أماكننا ، بينما اليوم القتال دخل إلى كل بيت عندهم ، وأثّر عليهم بشكل مباشر من خلال صواريخ المقاومة، فهذه فرصة تاريخية يجب أن نستفيد منها ، وليعلم العرب أنهم اليوم في الموقع القوي ، نحن قلنا لبعض المسؤولين العرب أثناء نقاشنا معهم : بصرف النظر عن قناعتكم بالتسوية وعدم قناعتنا بها ، استفيدوا من قوة المقاومة قوة لكم وقفوا على أرجلكم ، ولا تعطوا اسرائيل ما لا تستحق ، اسمعوا "ليفني" ماذا تقول ، هي تريدكم أن تطبّعوا قبل التسوية ، لأنها لا تريد التسوية ، والحمد لله على كل حال ، أن اسرائيل هي التي ستدفع العرب القابعين لمواجهتها لأنها لن تعطيهم الحدّ الأدنى ، ولذلك سيساعدنا عدونا على أن نشحذ الهمم جميعاً لمواجهته بسبب تصلّبه ، وليس بسبب أخلاقيات البعض ممن يريد تسوية مع اسرائيل . على هذا الاساس يجب أن نعي الاهداف الاسرائيلية ، الاسرائيلي لا يستطيع أن يعيش مع أحد ولا يستطيع أن يُعطي أحد ، ولا يستطيع أن يرى الحق أمامه ولا أن يتنازل عن شيء ، وهو يعتقد أن القوة تصنع شيئاً ، ولكن اكتشف بعد عدوانه أن القوة عنده لا تساوي شيئاً عندما يواجه قوة القلب والعقل والايمان بالله وبالوطن ، عندها لا قيمة للسلاح ، ولا قيمة للدعم الدولي وإنما القيمة للمقاومة ولشعب المقاومة .

ثانياً : في الفترة الأخيرة تحسنت الاجواء كثيراً بين السنة والشيعة ، وأنا أسمع من بعض الاشخاص ، من مسؤولين ومن أناس عاديين من أهل السنة ومن أهل الشيعة ، أنهم مرتاحون جداً لهذا الجو الايجابي الذي بدأ يبرز أكثر فأكثر بعد الجوّ الضبابي الذي واجهنا منذ فترة من الزمن ، وعندما اجتمع العلماء في صور والبقاع من السنة والشيعة ، واجتمعت شخصيات في بيروت وفي طرابلس وفي أماكن أخرى من لبنان ، كانوا يشعرون أنهم بمجرد اللقاء تبدأ الاسارير بالانشراح ، ويشعرون ان اللقاء لقاء ودِّي حميم ، لا محل لذاك الشرخ الذي حاول البعض أن يوجده بيننا ، ما الذي يدلّ عليه هذا الاطمئنان في التحسّن الكبير والسريع في مستوى العلاقة السنية الشيعية بعيداً عن الفتنة ، هذا يدلّ أن الاصالة الموجودة عند السنة والاصالة الموجودة عند الشيعة ، وعند الشعب في كل موقع من المواقع هي أصالة وحدوية ، أصالة محبة وتعاون ، وإن ما طرأ من فتنة إنما هو أجنبي حرّكته أيادٍ خارجية وداخلية لمصالح لا علاقة لها لا بالسنة ولا بالشيعة ، ولكن نقول لهؤلاء : موتوا بغيظكم ، سنبقى أحبة غصباً عنكم . وهنا نسجّل بطبيعة الحال ، الحرص من القيادات السياسية والدينية من كلا الطرفين ، حيث عملا من أجل إعادة اللحمة ، واعلموا أن لبنان يمكن أن يكون مثالا يُحتذى في هذه المنطقة ، فبدل أن يُخيفونا بالفتنة الشيعية السنية تأتينا من العراق ، يجب أن نرفع راية الوحدة السنية الشيعية تذهب إلى العراق وإلى البلدان الأخرى لتؤثر ، فنحن ليس عندنا ثقافتين ، لدينا ثقافة واحدة ، لكن للأسف هناك من يحاول أن يُثير العصبية ، علينا أن ننتبه من صُنّاع ومُفتعلي الفتن .

وهنا أؤكد أيضاً على مسألة أخرى لا تقلّ أهمية عن المسألة السنية الشيعية ، وهي تتعلّق بالتفاهم الكبير والعظيم الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، والذي انعكس على القواعد الشعبية بشكل مباشر ، حتى بتنا نسمع لغة اسلامية مسيحية متفاعلة على مستوى القيادة والقاعدة ، ولا يقتصر الأمر على اتفاقات سياسية على الورق ، وهذا ما جعل حالة الاطمئنان لتعايش بين الطوائف أكثر بكثير مما كانت عليه الحال السابقة ، التي كان يقف فيها المسؤول مع المسؤول الآخر ، ثم إذا اختلى بجماعته في السر لعن الآخرين ، فهو يُعبئهم بغير ما يعلن ، بينما في التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، ما يُقال على المنابر يُقال في الجلسات الخاصة . طبعاً هناك من اعترض على هذا الاتفاق ، لأن هذا الاتفاق يفوّت الفرصة على الفتن ، ويفوّت الفرص على أولئك الطائفيين الذين لا يستفيدون إلا بتقاتل الناس وخلافات الناس ، لكن أحب أن أوضّح لكم ، نحن لا نقوم باتفاق بين السنة والشيعة ، ولا بين المسلمين والمسيحيين لأن الاتفاق أفضل للواقع السياسي في لبنان ، إنما نقوم بهذا الاتفاق لأنه دين نؤمن به ، نحن نعتبر أن حياتنا ووجودنا ومستقبلنا وحسابنا عند الله تعالى يتوقف على هذه الوحدة ، وعلى هذا التعاون بين المسلمين وبين اللبنانيين ، من أجل أن ننهض معاً لنعمل في مواجهة الاعداء ونحمي سيادة واستقلال بلدنا . والامر الثالث في هذا الاطار هو تشكيلة المعارضة ، فالمعارضة الوطنية اللبنانية تشكّل أطياف المجتمع اللبناني بتلاوينه المختلفة ، فإذا دخلنا إليها من زاوية الطوائف ، فكل الطوائف فيها ، كتمثيل ووجود ، وإذا دخلنا من زاوية الاحزاب ، فكل الاحزاب فيها ، وإذا دخلنا من زاوية اختلاف المبادئ والافكار ، فكل التلاوين الفكرية فيها ، لكنها مجمعة على أن قيامة لبنان بوحدتنا وتعاوننا وصلابتنا من أجل الحق ، وهذا ما أعطى قوة للمعارضة ، وهنا أبشّر هذه المعارضة أنك ستكونين حماية لبنان وقيامة لبنان ، لأنك تمثّلين الضمير الحيّ بعد أن فقدناه طويلاً .

ثالثاً : قلنا مراراً بأن الحل في لبنان يتطلب معالجة ثلاثة عناوين : الحكومة ، المحكمة ، الانتخابات النيابية المبكرة ، ومهما حار البعض ودار ، وأضاف وأنقص ، وفسّر وفصّل ، وأتعبنا وأتعب نفسه ، في النهاية مدخل الحل هي هذه الأمور الثلاثة . أما المحكمة ، فكل الدلائل تشير أن مسارها سهل ، والاطراف سلّمت بضرورة التعديل ، وبالتالي إذا سرنا في التعديل ، وفي جعلها في مسارها الدستوري ، فإنها تخرج بإجماع اللبنانيين ، وبالتالي نكشف القتلة ويُعاقبون كما يستحقون ، وهذا نصر للبنان ، فالمشكلة الاولى كما صرّح بعض الاقطاب سائرة باتجاه الحلّ على هذا الاساس . والمشكلة الثانية التي لها علاقة بالانتخابات النيابية المبكرة ، فلا بد من قانون انتخابات أولاً ، حتى لا نصنع قانون انتخابات على قياس كل دورة انتخابية ، وعلى قياس الوصاية الاجنبية ، وعلى قياس بعض الزعامات التقليدية التي لا تنجح إلا بقوانين تُفصّل على قياسها ، نريد قانوناً للانتخابات يُفصّل على قياس لبنان ، ولينجح من ينجح ، وبالتالي نحن نريد تمثيلاً حقيقياً لا مصادرة لتمثيل أحد ، لا من المسلمين ولا من المسيحيين ، والحمد لله أصبحت هذه النقطة محل إجماع تقريباً ، يعني انتهينا من مشكلة قانون الانتخابات الذي يؤدي إلى الانتخابات بحسب الضوابط الدستورية ، فهذا الامر اصبح محل اهتمام واجماع تقريباً . بقيَت النقطة الوحيدة وهي مسألة الحكومة ، ومن البداية كنا نقول أن الازمة في لبنان هي أزمة مشاركة ، لسيت أزمة عدد أعضاء الحكومة ، وإنما أزمة مشاركة أي أن المطلوب أن يشعر الجميع بأنهم شركاء في حكومة وحدة وطنية ، وأنهم يمثِّلون قواعدهم وطوائفهم وأحزابهم بالشكل المناسب ، الذي ينسجم مع التمثيل النيابي بالحدّ الأدنى ، من هنا نحن نعتبر أن هذه المشاركة لا معنى لها من دون ثلث ضامن ، بل لا تسمى مشاركة ، لأن إضافة وزراء إلى مجلس الوزراء اسمه إضافة ، قد تكون أحياناً تشكيلة وتلوينة ، كالكريمة التي تضاف لقالب الحلوى ، فالمهم ليس الكريمة وإنما قالب الحلوى ، نحن نريد أن تكون هناك مشاركة ، يعني مشاركة في القرار ، نتحمل مسؤوليته معاً ، وعلى كل حال جربت قوى السلطة حظها بالاستئثار ففشلت وأخذت البلد إلى الانهيار ، وهو لا زال ينهار تدريجياً يوماً بعد يوم ، كل الخسائر الاقتصادية والامنية والمشاكل والعقبات تتحمل مسؤوليتها السلطة ، التي ترفض أن تعترف بالامر الواقع ، وترفض أن تلجأ إلى الحلّ ، من هنا كنا نقول دائماً ، تعالوا إلى الحل ، والحل بالمشاركة ، ولكن اعترض البعض بأن الطرف الآخر يمكن أن يستخدم هذه المشاركة من أجل التعطيل ، نقول له : نحن حاضرون لمشاركة تؤدي إلى وجود الجميع بداخلها ، على قاعدة إعطاء الضمانات الكافية لإزالة الخوف والغبن، لإزالة الخوف عند قوى السلطة ، وإزالة الغبن عند قوى المعارضة ، من أجل أن نكون معاً على طاولة واحدة لننهض بلبنان ، لأن عبأه كبير وموقعه خطير ، وبالتالي إذا لم نسرع لنكون معاً ، فلن يستطيع أي طرف في قوى السلطة أو في المعارضة أن ينهض بلبنان ، من هنا نحن ندعو إلى المشاركة الفعالة التي تراعي وتُزيل الخوف والغبن على حدٍّ سواء من عند كل الاطراف ، وحاضرون لكل النقاشات التفصيلية . من هنا ، انفتحنا على الحلّ ، وقلنا بأن انقاذ لبنان هو الأولى ، كنا كذلك ولا زلنا وسنستمر ، ونعتبر أن الاتفاق لو حصل اليوم ، فهو أفضل من أن يحصل غداً ، وهي فرصة كي لا نحمل أعباء التعقيدات والتطورات ونتائج المشاكل الدولية والاقليمية ، نريد أن ننتهز فرصة التعاون فيما بيننا ، كي لا نصبح في مهب الريح ، أمام مطالب إقليمية ودولية ، والفرصة سانحة ، نأمل أن يتوصل الحوار الحالي إلى نتيجة ، نحن نتتظر من الطرف الآخر الاجابة الحاسمة التي تفتح الطريق للمعالجة الجدية والفاعلة ، وسنصبر لسماع الاجابات ، وسنعطي المُهل من أجل الوصول إلى نتائج ، ولن نستعجل بضغوطات مختلفة ، لأن ما يهمّنا أن نصل إلى النتيجة الايجابية على قاعدة أن المطلوب هو المشاركة ، وبغير المشاركة لا خلاص للبنان ولا قيامة للبنان ، وبالتالي من يبحث عن الحل بعيداً عن المشاركة لن يجده ، ومن يبحث عن الحل في إطار المشاركة سيصل إليه سريعا ونأمل ذلك .