ومما جاء فيها :
أولاً : نحن نرى تداعيات العدوان الاسرائيلي على الكيان الاسرائيلي بشكل كبير ، بحيث نرى في كل يوم خسارة اسرائيلية جديدة ، ظنّ الناس أن المعركة انتهت في الرابع عشر من شهر آب وأن الخسارة سُجِّلت ، ولكن تبيّن أن الخسائر تتداعى وتتدحرج في كل يوم ، إلى درجة أصبحنا معها عاجزين عن احصاء خسائر اسرائيل ، اليوم وغداً وفي المستقبل ، لأن مستوى ما أنجزته المقاومة وشعب لبنان الأبيّ كان كبيراً وعظيماً وضخماً ، إلى درجة لم يدركها الكثيرون ممن هم في هذه المنطقة والعالم ، ولكن أدركها الاحرار ، وهنا نحن نرى تداعياتها اليومية في الكيان الاسرائيلي . هذا يجعلنا أمام فرصة تاريخية لالتقاط الانفاس ، حتى نتمكن من المتابعة واثقين بدورنا وقدرتنا على الممانعة ، وأنتم ترَون أن التداعيات لم تقتصر على جهة دون أخرى ، وإنما شملت المؤسسة العسكرية والسياسية والواقع الشعبي بشكل كبير ومؤثر ، ولعلنا لا ننتبه أحياناً إلى بعض التفاصيل التي يذكرونها ، وتُدلِّل على حجم الهزيمة . تصوروا أن مجموعة لواء غولاني يتظاهرون وعددهم حوالي المئتين ، لأن المسؤولين حرموهم من أن يُعرضوا على أطباء نفسيين في الكيان الاسرائيلي ، إن دلّ هذا الامر على شيء فإنما يدل على أمرين كبيرين ، الاول هو هذا الضياع والتوتر والانهيار النفسي الذي أصابهم ، وكأن الصواريخ التي كنا نرسلها كان فيها أشياء نفسية ما زالت تبثّ حتى الآن . هم إلى الآن استطاعوا أن يوجدوا حلولاً للمواجهات العسكرية وحلولاً للمواجهات النووية والكيميائية وما شابه ، لكن لم يجدوا حلولاً للانعكاسات النفسية ، والسبب الثاني يبيِّن المستوى المتدني عند جندي النخبة الاسرائيلي ، هل تعلمون لماذا اعترضوا على عدم عرضهم على أطباء نفسيين ، لأنهم لو ذهبوا هم إلى أطباء نفسيين ، فسيتحمّلون هم تكلفة الطبابة ، فهم يريدون أن يُعرضوا من قِبل المسؤولين حتى لا يتحملوا تكلفة الطبابة ، فإذاً هم بسبب مسألة مادية تافهة شكَّلوا تظاهرة في مواجهة مسؤوليهم ، ومن أجل أن يتهربوا من مسؤولية الخدمة تحت عنوان أنهم مصابون نفسياً .
إسرائيل اليوم في الواقع المُنهك ، وهي لا تستطيع أن تفرض شيئاً علينا ، وهي اليوم تعاني لأول مرة أن المعركة حصلت على الارض التي تتواجد فيها ، إذ كانت في كل مرة تقاتلنا على أراضينا وفي أماكننا ، بينما اليوم القتال دخل إلى كل بيت عندهم ، وأثّر عليهم بشكل مباشر من خلال صواريخ المقاومة، فهذه فرصة تاريخية يجب أن نستفيد منها ، وليعلم العرب أنهم اليوم في الموقع القوي ، نحن قلنا لبعض المسؤولين العرب أثناء نقاشنا معهم : بصرف النظر عن قناعتكم بالتسوية وعدم قناعتنا بها ، استفيدوا من قوة المقاومة قوة لكم وقفوا على أرجلكم ، ولا تعطوا اسرائيل ما لا تستحق ، اسمعوا "ليفني" ماذا تقول ، هي تريدكم أن تطبّعوا قبل التسوية ، لأنها لا تريد التسوية ، والحمد لله على كل حال ، أن اسرائيل هي التي ستدفع العرب القابعين لمواجهتها لأنها لن تعطيهم الحدّ الأدنى ، ولذلك سيساعدنا عدونا على أن نشحذ الهمم جميعاً لمواجهته بسبب تصلّبه ، وليس بسبب أخلاقيات البعض ممن يريد تسوية مع اسرائيل . على هذا الاساس يجب أن نعي الاهداف الاسرائيلية ، الاسرائيلي لا يستطيع أن يعيش مع أحد ولا يستطيع أن يُعطي أحد ، ولا يستطيع أن يرى الحق أمامه ولا أن يتنازل عن شيء ، وهو يعتقد أن القوة تصنع شيئاً ، ولكن اكتشف بعد عدوانه أن القوة عنده لا تساوي شيئاً عندما يواجه قوة القلب والعقل والايمان بالله وبالوطن ، عندها لا قيمة للسلاح ، ولا قيمة للدعم الدولي وإنما القيمة للمقاومة ولشعب المقاومة .
ثانياً : في الفترة الأخيرة تحسنت الاجواء كثيراً بين السنة والشيعة ، وأنا أسمع من بعض الاشخاص ، من مسؤولين ومن أناس عاديين من أهل السنة ومن أهل الشيعة ، أنهم مرتاحون جداً لهذا الجو الايجابي الذي بدأ يبرز أكثر فأكثر بعد الجوّ الضبابي الذي واجهنا منذ فترة من الزمن ، وعندما اجتمع العلماء في صور والبقاع من السنة والشيعة ، واجتمعت شخصيات في بيروت وفي طرابلس وفي أماكن أخرى من لبنان ، كانوا يشعرون أنهم بمجرد اللقاء تبدأ الاسارير بالانشراح ، ويشعرون ان اللقاء لقاء ودِّي حميم ، لا محل لذاك الشرخ الذي حاول البعض أن يوجده بيننا ، ما الذي يدلّ عليه هذا الاطمئنان في التحسّن الكبير والسريع في مستوى العلاقة السنية الشيعية بعيداً عن الفتنة ، هذا يدلّ أن الاصالة الموجودة عند السنة والاصالة الموجودة عند الشيعة ، وعند الشعب في كل موقع من المواقع هي أصالة وحدوية ، أصالة محبة وتعاون ، وإن ما طرأ من فتنة إنما هو أجنبي حرّكته أيادٍ خارجية وداخلية لمصالح لا علاقة لها لا بالسنة ولا بالشيعة ، ولكن نقول لهؤلاء : موتوا بغيظكم ، سنبقى أحبة غصباً عنكم . وهنا نسجّل بطبيعة الحال ، الحرص من القيادات السياسية والدينية من كلا الطرفين ، حيث عملا من أجل إعادة اللحمة ، واعلموا أن لبنان يمكن أن يكون مثالا يُحتذى في هذه المنطقة ، فبدل أن يُخيفونا بالفتنة الشيعية السنية تأتينا من العراق ، يجب أن نرفع راية الوحدة السنية الشيعية تذهب إلى العراق وإلى البلدان الأخرى لتؤثر ، فنحن ليس عندنا ثقافتين ، لدينا ثقافة واحدة ، لكن للأسف هناك من يحاول أن يُثير العصبية ، علينا أن ننتبه من صُنّاع ومُفتعلي الفتن .
وهنا أؤكد أيضاً على مسألة أخرى لا تقلّ أهمية عن المسألة السنية الشيعية ، وهي تتعلّق بالتفاهم الكبير والعظيم الذي حصل بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، والذي انعكس على القواعد الشعبية بشكل مباشر ، حتى بتنا نسمع لغة اسلامية مسيحية متفاعلة على مستوى القيادة والقاعدة ، ولا يقتصر الأمر على اتفاقات سياسية على الورق ، وهذا ما جعل حالة الاطمئنان لتعايش بين الطوائف أكثر بكثير مما كانت عليه الحال السابقة ، التي كان يقف فيها المسؤول مع المسؤول الآخر ، ثم إذا اختلى بجماعته في السر لعن الآخرين ، فهو يُعبئهم بغير ما يعلن ، بينما في التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر ، ما يُقال على المنابر يُقال في الجلسات الخاصة . طبعاً هناك من اعترض على هذا الاتفاق ، لأن هذا الاتفاق يفوّت الفرصة على الفتن ، ويفوّت الفرص على أولئك الطائفيين الذين لا يستفيدون إلا بتقاتل الناس وخلافات الناس ، لكن أحب أن أوضّح لكم ، نحن لا نقوم باتفاق بين السنة والشيعة ، ولا بين المسلمين والمسيحيين لأن الاتفاق أفضل للواقع السياسي في لبنان ، إنما نقوم بهذا الاتفاق لأنه دين نؤمن به ، نحن نعتبر أن حياتنا ووجودنا ومستقبلنا وحسابنا عند الله تعالى يتوقف على هذه الوحدة ، وعلى هذا التعاون بين المسلمين وبين اللبنانيين ، من أجل أن ننهض معاً لنعمل في مواجهة الاعداء ونحمي سيادة واستقلال بلدنا . والامر الثالث في هذا الاطار هو تشكيلة المعارضة ، فالمعارضة الوطنية اللبنانية تشكّل أطياف المجتمع اللبناني بتلاوينه المختلفة ، فإذا دخلنا إليها من زاوية الطوائف ، فكل الطوائف فيها ، كتمثيل ووجود ، وإذا دخلنا من زاوية الاحزاب ، فكل الاحزاب فيها ، وإذا دخلنا من زاوية اختلاف المبادئ والافكار ، فكل التلاوين الفكرية فيها ، لكنها مجمعة على أن قيامة لبنان بوحدتنا وتعاوننا وصلابتنا من أجل الحق ، وهذا ما أعطى قوة للمعارضة ، وهنا أبشّر هذه المعارضة أنك ستكونين حماية لبنان وقيامة لبنان ، لأنك تمثّلين الضمير الحيّ بعد أن فقدناه طويلاً .
ثالثاً : قلنا مراراً بأن الحل في لبنان يتطلب معالجة ثلاثة عناوين : الحكومة ، المحكمة ، الانتخابات النيابية المبكرة ، ومهما حار البعض ودار ، وأضاف وأنقص ، وفسّر وفصّل ، وأتعبنا وأتعب نفسه ، في النهاية مدخل الحل هي هذه الأمور الثلاثة . أما المحكمة ، فكل الدلائل تشير أن مسارها سهل ، والاطراف سلّمت بضرورة التعديل ، وبالتالي إذا سرنا في التعديل ، وفي جعلها في مسارها الدستوري ، فإنها تخرج بإجماع اللبنانيين ، وبالتالي نكشف القتلة ويُعاقبون كما يستحقون ، وهذا نصر للبنان ، فالمشكلة الاولى كما صرّح بعض الاقطاب سائرة باتجاه الحلّ على هذا الاساس . والمشكلة الثانية التي لها علاقة بالانتخابات النيابية المبكرة ، فلا بد من قانون انتخابات أولاً ، حتى لا نصنع قانون انتخابات على قياس كل دورة انتخابية ، وعلى قياس الوصاية الاجنبية ، وعلى قياس بعض الزعامات التقليدية التي لا تنجح إلا بقوانين تُفصّل على قياسها ، نريد قانوناً للانتخابات يُفصّل على قياس لبنان ، ولينجح من ينجح ، وبالتالي نحن نريد تمثيلاً حقيقياً لا مصادرة لتمثيل أحد ، لا من المسلمين ولا من المسيحيين ، والحمد لله أصبحت هذه النقطة محل إجماع تقريباً ، يعني انتهينا من مشكلة قانون الانتخابات الذي يؤدي إلى الانتخابات بحسب الضوابط الدستورية ، فهذا الامر اصبح محل اهتمام واجماع تقريباً . بقيَت النقطة الوحيدة وهي مسألة الحكومة ، ومن البداية كنا نقول أن الازمة في لبنان هي أزمة مشاركة ، لسيت أزمة عدد أعضاء الحكومة ، وإنما أزمة مشاركة أي أن المطلوب أن يشعر الجميع بأنهم شركاء في حكومة وحدة وطنية ، وأنهم يمثِّلون قواعدهم وطوائفهم وأحزابهم بالشكل المناسب ، الذي ينسجم مع التمثيل النيابي بالحدّ الأدنى ، من هنا نحن نعتبر أن هذه المشاركة لا معنى لها من دون ثلث ضامن ، بل لا تسمى مشاركة ، لأن إضافة وزراء إلى مجلس الوزراء اسمه إضافة ، قد تكون أحياناً تشكيلة وتلوينة ، كالكريمة التي تضاف لقالب الحلوى ، فالمهم ليس الكريمة وإنما قالب الحلوى ، نحن نريد أن تكون هناك مشاركة ، يعني مشاركة في القرار ، نتحمل مسؤوليته معاً ، وعلى كل حال جربت قوى السلطة حظها بالاستئثار ففشلت وأخذت البلد إلى الانهيار ، وهو لا زال ينهار تدريجياً يوماً بعد يوم ، كل الخسائر الاقتصادية والامنية والمشاكل والعقبات تتحمل مسؤوليتها السلطة ، التي ترفض أن تعترف بالامر الواقع ، وترفض أن تلجأ إلى الحلّ ، من هنا كنا نقول دائماً ، تعالوا إلى الحل ، والحل بالمشاركة ، ولكن اعترض البعض بأن الطرف الآخر يمكن أن يستخدم هذه المشاركة من أجل التعطيل ، نقول له : نحن حاضرون لمشاركة تؤدي إلى وجود الجميع بداخلها ، على قاعدة إعطاء الضمانات الكافية لإزالة الخوف والغبن، لإزالة الخوف عند قوى السلطة ، وإزالة الغبن عند قوى المعارضة ، من أجل أن نكون معاً على طاولة واحدة لننهض بلبنان ، لأن عبأه كبير وموقعه خطير ، وبالتالي إذا لم نسرع لنكون معاً ، فلن يستطيع أي طرف في قوى السلطة أو في المعارضة أن ينهض بلبنان ، من هنا نحن ندعو إلى المشاركة الفعالة التي تراعي وتُزيل الخوف والغبن على حدٍّ سواء من عند كل الاطراف ، وحاضرون لكل النقاشات التفصيلية . من هنا ، انفتحنا على الحلّ ، وقلنا بأن انقاذ لبنان هو الأولى ، كنا كذلك ولا زلنا وسنستمر ، ونعتبر أن الاتفاق لو حصل اليوم ، فهو أفضل من أن يحصل غداً ، وهي فرصة كي لا نحمل أعباء التعقيدات والتطورات ونتائج المشاكل الدولية والاقليمية ، نريد أن ننتهز فرصة التعاون فيما بيننا ، كي لا نصبح في مهب الريح ، أمام مطالب إقليمية ودولية ، والفرصة سانحة ، نأمل أن يتوصل الحوار الحالي إلى نتيجة ، نحن نتتظر من الطرف الآخر الاجابة الحاسمة التي تفتح الطريق للمعالجة الجدية والفاعلة ، وسنصبر لسماع الاجابات ، وسنعطي المُهل من أجل الوصول إلى نتائج ، ولن نستعجل بضغوطات مختلفة ، لأن ما يهمّنا أن نصل إلى النتيجة الايجابية على قاعدة أن المطلوب هو المشاركة ، وبغير المشاركة لا خلاص للبنان ولا قيامة للبنان ، وبالتالي من يبحث عن الحل بعيداً عن المشاركة لن يجده ، ومن يبحث عن الحل في إطار المشاركة سيصل إليه سريعا ونأمل ذلك .