اليوم انتقلت المقاومة من الحلم إلى المسار، ومن الأمنية إلى الواقع، ومن الفكرة إلى المشروع، لم تعد المقاومة أغنية على المنابر بل أصبحت مساراً في حياة الجميع من دون استثناء، لم تعد المقاومة تأثيراً في أروقة الجامعات أو المؤسسات أو المنتديات بل أصبحت حياة يعيشها كل واحد منَّا، وبالتالي هذا الزمن هو زمن المقاومة وهو عصر المقاومة. عصر المقاومة بدأ ولن نعود إلى الوراء، ولا إمكانية لأي عصرٍ آخر في مواجهة عصر المقاومة، سيبقى هو الأساس وسيؤثر على كل مجريات منطقتنا ولا يستطيع أحد أن يُقفل الباب على المقاومة ليعيدنا إلى الاستسلام فنحن في زمن العز والانتصار وهذا سيستمر بإذن الله تعالى.
قرأت بعض فقرات تقرير الأمين العام للأم المتحدة والذي سيصدر خلال أيام، وواضحٌ فيه بأن إسرائيل لا تستطيع إخفاء اعتداءاتها اليومية على لبنان، ولم يستطع هذا التقرير أن يشير بأي دليل على اختراق حزب الله للقرار 1701، وكل العالم يعرف أن إسرائيل تخترق الأجواء اللبنانية حوالي 20 مرة في اليوم، ماذا فعل العالم وماذا فعل مجلس الأمن؟ لا شيء ، لأنه متواطئ مع إسرائيل، وإلاَّ كان يجب أن يشنوا حرباً دولية على إسرائيل أو أن يضيِّقوا عليها، أو أن يمارسوا عقوبات اقتصادية وسياسية عليها، ولكن ما نراه هو محاولة تطبيع إسرائيل مع العرب، وإعطاء إسرائيل الإمكانات الأمريكية، ومحاولة الساسة الأوروبيين أن يتقربوا من إسرائيل علَّها ترضى عنهم حتى يكون لهم دور، هذا الموقف يؤدي إلى المزيد من التأزم في منطقتنا، وأقول لكم: أن الاعتداءات التي تحصل اليوم في غزّة على الشعب الفلسطيني على الطعام والشراب والكهرباء والدواء هو جريمة موصوفة في القرن الواحد والعشرين، ويتحمل مسؤوليتها المجتمع الدولي بأسره لأنه لا يفعل شيئاً من أجل هؤلاء المستضعفين. إذاً أمام هذه الاعتداءات كيف نتصور حلاً للقضية الفلسطينية؟ الدول الغربية وأمريكا يعطِّلون الحلول في منطقتنا، ويساهمون في وجود إسرائيل لأنهم يتبنون الإرهاب الإسرائيلي في مقابل الحق الفلسطيني والعربي، وهم يشجعون على العدوان وهذا ما يجعلنا أمام معادلة وحيدة هي معادلة المقاومة.
ليس لنا خيار آخر غير المقاومة، والمقاومة هي رد فعل على الاحتلال والعدوان وعلى الظلم، وقد أثبتت جدواها ولا إمكانية لأي خطوة أخرى يمكن أن نلجأ إليها، هذه المقاومة هي ضرورة لعدة أسباب:
أولاً: المقاومة تعطي قوة للبنان وتمنع إضعافه، وهنا كل أولئك الذين يتحدثون عن نزع السلاح يلطفون العبارة لأنهم يخشون أن يقولوا: نريد إلغاء المقاومة، وإلاَّ ما المقاومة؟ فالمقاومة هي هذه القدرة العسكرية التي تواجه المعتدين، هؤلاء الذين يريدون إلغاء المقاومة يريدون إضعاف لبنان لإعطاء إسرائيل مجالاً لتصنع ما تشاء، ويقدمون خدمة مجانية لإسرائيل.
ثانياً: هذه المقاومة تملك سلاحاً وقوة، وهذا السلاح وهذه القوة تتكامل مع الدولة اللبنانية لأنها اتجاه سلاح المقاومة إسرائيل، وهذا جزء من وظيفة الدولة ولا يأخذ مكان الدولة على الإطلاق.
ثالثاً : هذه المقاومة مبنية على فكرة القوة والسيادة والتحرير، وهي ليست ردة فعل عشوائية بل هي مشروع متكامل وهنا أهميتها وفعاليتها.
رابعاً: عطَّلت المقاومة استخدام لبنان كساحة لإسرائيل، وإعاقة مشروع التوطين، وجعلت عقبات كبيرة أمام مشروع الشرق الأوسط الجديد بالمنظور الأمريكي الإسرائيلي.
خامساً:معادلة القوي صنعتها أيدي أبناء لبنان، وبالتالي كل المخططات الأجنبية ستنكشف عند إرادة هذا الشعب الطيب الأبي.
هنا لا بدَّ أن ندعو إلى إقامة مجتمع المقاومة، ونعني بمجتمع المقاومة عدة أمور:
أولاً: مجتمع المقاومة هو تكامل بين الناس، بحيث يعطي الجميع فيمارس كل فردٍ من أفراد المجتمع حياته الطبيعية في المدرسة أو الجامعة أو المعمل أو المتجر أو ما شابه، وإذا تطلبت المواجهة مشاركته فيها يشارك بمقدار ما تتطلب، ثم يعود بعد ذلك إلى عمله بشكل طبيعي، وهنا يصبح المجتمع بأسره مجتمع مقاومة يقدم ما يُطلب منه ويتابع حياته بشكل طبيعي، إذ ليس مجتمع المقاومة هو المجتمع الذي يوزع فيه السلاح عشوائياً على كل الناس، إنما مجتمع المقاومة هو الذي ينظم الطاقات والقدرات لتتكامل بعملية المواجهة عندما نحتاج إلى مواجهة. هذا المجتمع كان موجوداً بنموذج معين في عدوان تموز سنة 2006، ربما يقول البعض بأننا انتصرنا في لبنان ليس بالمقاومة فقط انتصرنا بمجتمع المقاومة، لأن المقاومين كانوا يقاتلون بالسلاح والمهجرين في الأماكن المختلفة يعبرون إعلامياً وسياسياً عن الصمود والصبر والتحمل، وقسم من أفراد الشعب اللبناني يحضن عوائل المقاومين والمهجرين، وقسم آخر مستعد للدفاع الخلفي، هنا تكاملت الصورة مع رأس الحربة التي نفذتها المقاومة فربحت المقاومة في مواجهة إسرائيل وفي مجتمعها الداخلي، هذا هو مجتمع المقاومة الذي ندعو إليه.
ثانياً: نحن نرفض عسكرة المقاومة بجعلها محصورة في مجموعات ، ونطالب بمجتمع المقاومة لنضيق الخناق على المشروع الإسرائيلي من كل جانب، عندها هذا المشروع يستطيع أن يحصن لبنان.
ثالثاً: مجتمع المقاومة يحمي الدولة اللبنانية من الضغوطات الخارجية، ويقوي موقعها وموقفها.
رابعاً: مجتمع المقاومة يسد المنافذ الأمنية والسياسية والاقتصادية في وجه إسرائيل، لأنها من أي باب دخلت عسكرياً أو أمنياً أو سياسياً ستجد سداً منيعاً من الناس وهذا ما يجعلنا نستطيع أن نقف وأن نواجه.
نعم، نحن ندعو إلى مجتمع المقاومة، لأنه لا يوجد حل في لبنان في مواجهة إسرائيل إلاَّ بالمقاومة، لن نجرب مع الآخرين السياسة والدبلوماسية، وليجربوا كما يريدون لكن لن نجرب قدرتنا وقوتنا لمصلحة فكرة أثبتت فشلها، نريد أن نحافظ على هذه القوة لننقلها إلى مواقع أفضل ومن أجل أن نستفيد منها في أي مشروع قادم.
هنا نسمع بين الحين والآخر بأن بعض الدول الأوروبية وأمريكا تدعو إلى حوار لبناني إسرائيلي من أجل التطبيع، مع العلم بأن ليس بين لبنان وإسرائيل أي مواد أو ضرورة للحوار، على إسرائيل أن تخرج من الغجر وأن تخرج من مزارع شبعا، وأن تخرج إلى الحدود الدولية وليس إلى الخط الأزرق فقط، وتأكدوا لن تستطيع إسرائيل إن شاء الله أن تفرض شروطها، اليوم يتحدثون عن الخروج من الغجر هذا بفضل وبركة المقاومة ومن دون أي قيد أو شرط.
نحن مع الحوار في الاستراتيجية الدفاعية التي تتضمن الاستفادة من المقاومة للدفاع، ولسنا مع أي نقاش يقلل من قدرة الدفاع بعنوان الإستراتيجية الدفاعية، إذا كنا ندافع بطريقة معينة يجب أن نبحث عن تحسين شروط الدفاع فهذه استراتيجية دفاعية وليست استراتيجية نزع سلاح حزب الله فلا أحد يحلم بذلك، والاستراتيجية الدفاعية تتطلب أن نعمل لها وأن نكون حريصين على كل القوة التي نمتلكها.
أطلُّ قليلاً على إضراب المعلمين والسائقين والله أعلم كم هي الإضرابات التي ستحصل بعد، والكل من جماعة الموالاة والمعارضة يشاركون في هذه الإضرابات ما يعني أن الناس تريد من يهتم بشؤونها وحياتها، في النهاية الجائع لا تشبعه الأحاديث السياسية، والمريض لا تعالجه الفتنة المذهبية، والمعتدى عليه لا تنقذه الخطابات التحريضية، وإنما هذا يحتاج إلى عمل متماسك من أجل المعالجة، وهذه مسؤولية الحكومة في أن تعمل لقضايا الناس، وعلى كل حال نحن اليوم في فترة تهدئة سياسية ويبدو أنها ممتدة إلى الانتخابات النيابية، لأنهم في الخارج منصرفون عن أوضاعنا ولأن من في الداخل تعب ووصل إلى المحل الذي يعتقد فيه أن الانتخابات النيابية ستعطيه شيئاً، من المفيد أن يكون التنافس من أجل نجاح الانتخابات هذا على الأقل يوجب مشروعاً يصرف الناس عن الفتن والمشاكل الداخلية.
بالأمس حدثونا عن أحد النواب الذي يحضر في كل صباح 50 ألف دولار ، يصرفها على الخدمات الاجتماعية والتنموية وتزفيت الطرقات ومساعدة الناس ، لو احتسبنا الـ 50 ألف على مائة يوم خمسة ملايين، عندنا حوالي 200 يوم للانتخابات عشرة ملايين، يوم الانتخابات له خصوصية يحتاج وحده خمسة ملايين، يعني مصروف هذا النائب حتى يدخل إلى الانتخابات 15 مليون دولار، إذا كانوا يعتقدون أن هذا المال السياسي سيغير المعادلة فأعتقد أنهم واهمون، نعم هذا يشتري ضعَّاف النفوس لكن بعض الناس تأخذ المال وتصوت لغيرهم، في النهاية نحن نخوض الانتخابات ببرامج سياسي واجتماعي، برنامجنا السياسي يقوم على: سيادة لبنان وبناء دولته وجيشه ومقاومته القوية، ويستخدم إمكانات الدولة من أجل إعادة التوازن بين المناطق لإقامة الإنماء العادل وإيقاف السرقة والهدر والعمل للتنمية في المجالات المختلفة. نحن ندعو إلى صرف على الناس من أموال الدولة وليس من السفارات العربية والأجنبية، ونحن ندعو إلى تنظيم إمكانات الدولة لخدمة الناس، من أراد أن يخدم الناس فليخدمهم من أموالهم بدل أن تصرف ثم يدفع من جيبه أو من السفارات المختلفة، سنخوض الانتخابات النيابية ببرنامج سياسي انتخابي اجتماعي ولن نخوض الانتخابات النيابية بعقلية التنافس المالي وبالأصل لا قدرة لنا على منافستهم مالياً وليست هي عقليتنا، لأن من يُشترى لك يُشترى لغيرك، فنحن نفضل أمثالكم الذين يعملون فيعطون من القلوب والجيوب والعقول لمصلحة عز المقاومة ونصر لبنان ودعم مسيرة الشهداء، وهنيئاً لكل السائرين على درب الشهداء.