ومما جاء فيها:
لقد كنا في لبنان في مواجهة مشروع أمريكي بدأ تطبيقياً من القرار 1559 وهو يريد تحقيق ثلاثة أمور:
-أولاً: إنهاء وجود المقاومة في لبنان، التي تشكل القوة والقدرة المانعة من تحقيق المشروع الأمريكي الإسرائيلي.
-ثانياً تريد إدارة لبنان كجزء من سيادتها في السيطرة على إدارة لبنان والمنطقة من خلال قياداتها وزعماتها ضمن المشروع الأمريكي.
-ثالثاً: تريد تهيئة المناخات الملائمة للمشروع الإسرائيلي التوسعي، كي يستقر وتُعلن الدولة الإسرائيلية، وتحل مشاكل عدم إعلانها واستقرارها على حساب لبنان وباقي دول المنطقة، وطبعاً على حساب الشعب الفلسطيني.
نحن في الواقع منذ صدور القرار 1559 نواجه مشروعاً أمريكياً كبيراً جداً، ومعقداً جداً، لا نواجه مركز مدير عام أو زيادة وزارة أو إنقاص وزارة ، فحزب الله بالحد الأدنى ولا نريد أن نتكلم عن الآخرين لم يتمسك بحصته في عدد الوزراء وإنما وزعها على المعارضين، ولم تكن له مكاسب خاصة وإنما ركَّز على الثلث الضامن بما هو ضامن لسياسات البلد كي لا تقع في مشروع أمريكا في لبنان، لأن انعكاس السياسة سيكون انعكاساً على مستقبل لبنان وكل شيء على ، وانعكاساً على مستقبل المقاومة وعلى كل الإدارة الموجودة، فتصبح الأمور الأخرى في داخل البلد مجرد تفاصيل.
وبما أن التحدي هو تحدٍّ أمريكي لسلب لبنان قدرته لم يعد الحديث عن خلاف الموالاة والمعارضة دون أهمية، فجماعة الموالاة تريد أن تحسن شروطها الداخلية من أجل أن تسيطر على السلطة، ومن حقهم أن يسيطروا إذا فكروا أن هذه السيطرة تؤدي إلى فوائد ونتائج حسنة، لكن عندما وجد هذا الفريق أن السيطرة على هذه السلطة لا تتم فقط بالقواعد الدستورية المعتبرة تقاطعت مصالح السيطرة على السلطة مع الرؤية الأمريكية في السيطرة على لبنان، ولم أقل هنا أنهم يريدون خدمة أمريكا بل تقاطعت المصالح، واعتبروا أن دعم أمريكا لهم دعم يساعدهم على أن يصلوا إلى ما يريدون وإذا أخذت أمريكا ما تريد لا تؤثر عليهم، وطبعاً رأي أمريكا مختلف، فأمريكا لا تقف مع أحد إلاَّ وتأخذه وتأخذ ما معه، تحاور أمريكا حيث تريد وتحتل حيث تريد وتسيطر على منابع النفط والإمكانات في العالم، وتسبب الاحتباس الحراري، وتهدم الاقتصاد العالمي من أوله إلى آخره، الخ...ولا يستطيع أحد أن يتكلم معه شيء.
إذاً أمريكا تسيطر تنهب وتعتدي وتتجاوز عندما لا يعجبها أحد حتى ولو ضحت بهم، على كل حال نحن نعتبر أننا كنا نواجه مشروعاً أمريكياً خطراً في لبنان ذكرت عناوينه الثلاثة، واستخدمت أمريكا من أجل هذه العناوين الثلاثة أربع أساليب بالحد الأدنى كل واحد منها يدمر البلد:
-الأسلوب الأول: الاتهامات التي تبدأ ولا تنتهي حتى نُربك وندافع عن أنفسنا، اتهام أننا نعمل ضد مصلحة لبنان، اتهام أننا دولة ضمن دولة، اتهام أننا نعمل لطائفة دون الطوائف الأخرى، اتهام أن المقاومة خطر ولولاها لما اعتدت إسرائيل، وأغرقونا بسيلٍ من الاتهامات حتى ننشغل بالدفاع عن أنفسنا وحتى تصبح صورتنا سيئة ومشوَّه أمام الناس فنقضي كل الوقت لردود الفعل على الاتهامات، وكلها كانت اتهامات باطلة.
-الأسلوب الثاني: تشويه صورة المقاومة بخصوص المقاومة، يعني نعم نعتوا المقاومة بالإرهاب فلم تتأثر، قالوا بأن المقاومة لا تعمل لمصلحة لبنان لم يصدقهم أحد، فإذاً أرادوا إحداث مشاكل داخلية حتى يُبعدوا الناس عن المقاومة ، وحتى يوجدوا حساسيات مذهبية وطائفية لإسقاط فكرة المقاومة، والحمد لله استطاعت المقاومة أن تصمد أمام هذه التشويهات بعملها.
الأسلوب الثالث: دخلوا إلينا بالقوة العسكرية الإسرائيلية بأقصى ما تكون القوة التي استخدمت في منطقتنا، ولمعلوماتكم ما أُطلق من قذائف وصواريخ على لبنان يزيد عن كل ما أطلقته إسرائيل في حروبها السابقة وفي عملياتها منذ أُنشأت إسرائيل حتى الاعتداء على لبنان بما فيه ما أطلقته في اجتياحها سنة 1982 ، كانت تريد إنهاء المقاومة وحزب الله، وإلغاء هذه القدرة والالتفاف الشعبي حتى لا تقوم قائمة لا لهذا الحزب، فعدوان تموز ليس حرب ولا معركة عدوان تموز هو حرب إبادة، عدوان تموز خطة اقتلاع من الجذور، عدوان تموز قرار أمريكي يستهدف جذوة المقاومة في كل المنطقة العربية والإسلامية وكانت البداية بلبنان، ولكن سلاحاً متواضعاً قهر السلاح الأمريكي الإسرائيلي، وهناك عدد قليل مع إيمانه بالله تعالى أصبح كبيراً في عين العدو. فما حصل في عدوان تموز هو هزيمة كبرى لإسرائيل وانتصار عظيم للبنان ونستطيع أن نفاخر به في كل العالم.
-الأسلوب الرابع: أسلوب الفتنة، الفتنة السنية الشيعية، أحيوها من لا شيء، لأنه لا يوجد في لبنان فتنة سنية شيعية، عشرات الآلاف من العائلات في لبنان متزاوجة فيما بينها، ومتداخلة حتى في سكنها ومنازلها، إلى درجة أنه لم يفكر أحد في كل الفترة السابقة منذ نشأت لبنان حتى هذا التاريخ بمشكلة اسمها الفتنة السنية الشيعية، فنحن لم نختلف مع أحد لأننا شيعة ولم يختلف أحد معنا لأنه سني ونحن شيعة، ففي المعارضة يوجد سنة ومسيحيون ودروز وشيعة وكذلك بالنسبة للموالاة، وذلك لأنهم يعلمون أن الفتنة المذهبية تحرك العصبيات وتبعد العقل عن التحليل وتمكن للبعض أن يقود التحريض المذهبي إلى داخل التناحر الداخلي فدخلوا إلى الموضوع المذهبي، وفي المقابل كنا نعمل ليل نهار لإبعاد هذا الكأس المر، ولنقول للناس لا يوجد فتنة مذهبية ونعطي الأدلة التطبيقية والعملية ونتحمل الكثير من الإشكالات ولم يصدر عنّا في يوم من الأيام كلام يؤدي إلى التحريض السني الشيعي. انتصرنا على الفتنة في لبنان من دون أن نصوِّب عليها، وخنقنا مشروعها إلى غير رجعة إن شاء الله، وأثبتنا للعالم أن الفتنة السنية الشيعية كانت وهماً وكانت ضوضاء بلا صدى وبلا أصل، فعدنا إلى ما كنا عليه، وإن شاء الله تشهد الأيام والأشهر القادمة المزيد من إخراج هذا العنوان من ساحتنا.
أمَّا رؤية حزب الله في لبنان:
-أولاً: نحن نؤمن بأن لبنان يجب أن يكون قوياً بمقاومته وجيشه وشعبه.
-ثانياً: نحن نؤمن بالاحتكام لصناديق الاقتراع، وليختر الناس من يشاؤون، لأنه في النهاية يجب أن يكون للناس حرية الاختيار.
-ثالثاً: الاختلاف السياسي مشروع، ولكن الفتنة غير مشروعة، وبالتالي نحن نقبل الآخر أن يقول رأيه وأن يعارض أو يوافق كما يريد، ولكن عليه أيضاً أن يقبل رأينا وفق القوانين المرعية الإجراء ولكن من دون أن ندخل من بوابة الفتنة.
-رابعاً: ما جرى منذ اتفاق الدوحة يريحنا ويطمئننا، ونحن مسرورون باتفاق الدوحة وبنتائجه، ولكن نعتبر أن اتفاق الدوحة أنهى مرحلة بدأت مع القرار 1559 وأنشأ مرحلة جديدة، ومن عناوين المرحلة الجديدة بعد اتفاق الدوحة التهدئة ، انتظار نتائج الانتخابات النيابية، ضعف القدرة الدولية على تغيير المعادلة في لبنان، ترك التوازن لصناديق الاقتراع.
-خامساً: اكتشاف الشبكة الإسرائيلية التي كانت تعمل لأكثر من عشرين سنة، تدل على أن الساحة مخترقة من قبل الإسرائيليين، لكن كلما تفاهمنا أكثر واتفقنا أكثر وعملنا سياسة كلما أنفضح هؤلاء أكثر لأن البيئة لا تساعدهم على العمل، فإسرائيل تعمل في البيئة المتوترة وتستفيد منها، لذلك مسؤوليتنا جميعاً أن نلتفت بأن إسرائيل خطر وهي تلعب في ساحتنا.
نحن نشيد بكل المصالحات التي حصلت، ودعوتنا الدائمة لتعزيزها وترسيخها وسعينا الذي أدَّى إلى نتائج مهمة هذه المصالحات مصالحات سياسية لتوجيه البوصلة باتجاه الخلاف الحقيقي السياسي غير المذهبي ، وليست تحالفات انتخابية، وسنبقى كمعارضة متحالفين مع بعضنا بالانتخابات النيابية القادمة، ولن يكون هناك تحالف رباعي ولا أشكال أخرى من التحالف مع الموالاة، وليختر الناس من يريدون فهذه معركة سياسية حرة وعلى كل من يريد أن يعمل أن يعمل كما يريد.