تحرير الأسرى عنوان كبير وانتصار عظيم دخل إلى كل بيت لبناني وعربي ومسلم وحرّ في العالم، هذا الانتصار لم يكن بالإمكان إخفاؤه عند البعض من خلال عدم الكتابة عنه، ولا من خلال إلغاء بعض التقارير في بعض شاشات التلفزة العالمية، لأنه تسلّل إلى العالم بأسره أنه انتصار في القرن الواحد والعشرين على إسرائيل، غصباً عن أولئك الذين لا يحبّون الانتصارات ولا يريدون للمقاومة أن تنتصر. تحرير الأسرى وجثامين الشهداء انتصار كبير، يقابله هزيمة كبيرة لإسرائيل ثبّتت هزيمتها السابقة بانتصار تموز، وثبّتت هزيمتها بالتحرير عام 2000، وقد شهدنا الإجماع الوطني حول الأسرى، وهذا الإجماع الوطني لم يكن مفتعلاً لأن من ذهب ليستقبل المحرَّرين ذهب بكل إرادته، بصرف النظر عن الدوافع، فقد جاء ليحتفل بالانتصار، وجاء ليقول للمقاومة: أحسنت صنعاً فيما فعلت، وجاء ليؤكد أن اللبنانيين جميعاً ملتفُّون حول هذا الشرف والمكانة العظيمة وهذه القوة وهذا التحرير لعميد الأسرى وإخوانه وجثامين الشهداء، هذا المشهد لم يكن مشهداً مفتعلاً، وبطبيعة الحال رأينا هذه الصورة الوطنية لأن الحسابات الضيِّقة غابت، وحلّ محلّها الحساب الوطني الأخلاقي والإنساني، فجاء الجميع ليعبِّروا بطريقة أو بأخرى عن هذا الالتفاف الكبير.
هنا لا بدّ من تسجيل الموقف الأساس للمقاومين وجهادهم، وعلى رأسهم سيد شهداء المقاومة وشيخ شهدائها والحاج القائد الحبيب عماد مغنية، وكل الذين قدّموا في هذا الطريق، لأن مسار المقاومة ليس مساراً لأفراد وليس مساراً في زمن محدود، بل هو مسارٌ متكامل يشارك فيه من بدأه ومن استشهد من أجله، ومن استثمر نتائجه ومن ربّى على أساسه، ومن عمل من أجل أن يحفظ المقاومة لكي تكون الخط في مقابل خطوط الخنوع والذل والاستسلام والوصاية، فهو خطٌّ يرسم طريقنا نحو الحياة العزيزة والشريفة، وإن شاء الله سيستمر هذا الخط بهذا العنوان وهذا المعنى .
أما اتفاق الدوحة فقد كان ثمرة ترنُّح القدرة الأمريكية في أن تأخذ لبنان إلى الوصاية، عناوين اتفاق الدوحة كلها عناوين توافقية: انتخاب رئيس الجمهورية التوافقي، بناء حكومة الوحدة الوطنية التي تشكّلت وهي مسألة توافقية، قانون الانتخابات الذي تمّ الاتفاق عليه وهو مسألة توافقية، العودة إلى المؤسسات الدستورية لتأخذ دورها هي مسألة توافقية، هذا يدل على أن لبنان لا تُحلّ مشكلته إلا بهذا التوافق، علينا أن نأخذ درساً وعبرة، وبالتالي هذا المسار هو الذي ينقذنا جميعاً، والمعارضة راضية تماماً ومرتاحة إلى أن مطالبها تحقّقت في اتفاق الدوحة، واستطاعت أن تشقّ طريقها نحو لبنان الأفضل، وإن شاء الله نبذل جميعاً المزيد في هذا الاتجاه. وهنا نستطيع أن نرسم معادلة واضحة بأن إنجاز الأسرى وتحريرهم كان هزيمة مباشرة لإسرائيل، أما إنجاز الدوحة فكان هزيمة مباشرة لأمريكا، لأن إسرائيل خاضت المعركة بعنوان الأسرى، فانكسرت عسكرياً وتُوِّجت هذه الهزيمة بتحرير الأسرى، أما أمريكا فأخذت القيادة سياسياً من أجل أن تضغط على المقاومة وعلى لبنان من 14 آب حتى اتفاق الدوحة، وإذ إتفاق الدوحة يُصمَّم بطريقة مختلفة عمّا تريده أمريكا، فهي هزيمة لأمريكا بحمد الله تعالى.
هناك نقطة أحب أن أثيرها مع أنها نقطة جدلية، لكن لنضع النقاط على الحروف، ترتبط بالدولة القوية القادرة العادلة. حزب الله رفع هذا الشعار، وقال: نحن نريد الدولة القوية القادرة العادلة، وهو مؤمن أن هذا الشعار إذا طُبِّق في قيام لبنان يمكن أن يحقِّق لبنان إنجازات كبيرة على المستوى الداخلي وعلى مستوى مواجهة العدوان الإسرائيلي والوصاية الأجنبية، وهنا لا يوجد جماعة في لبنان إسمها جماعة الدولة في مقابل جماعة غير الدولة، ولا يوجد في لبنان جماعة معنية أن تُعطي شهادات من هو مع الدولة ومن هو ضدّ الدولة، كلنا معنيُّون بأن نُثبت بالدليل العملي أننا مع مشروع الدولة أم لا، الجميع في غربال العمل، فالذي يقول أنه مع مشروع الدولة ليُرينا ما هي إنجازاته الحقيقية، وهنا أتحدث عن إنجازات ولا أتحدث عن خطب على المنبر، لأن البعض يمكن أن يؤلف كتب في حديثه عن الدولة، لكنه يكون أوّل من آذى هذه الدولة وهو لا زال كذلك، نحن نريد أن نرى سلوكاً وليس ادعاءات، ما الذي أضعف الدولة في لبنان؟ هل قوة الأطراف هي التي سبّبت ضعف الدولة؟ أم أن هناك مسارات وأداء معيّن هو الذي أضعف الدولة؟ عدِّدوا معي: بعض ما أدى إلى إضعاف الدولة في الماضي، المحاصصة أضعفت الدولة، الفساد في داخل الدولة، إنعدام الرقابة والمحاسبة، مكافأة المرتكبين، قلة التخطيط، عدم معرفة المشاريع من أوّلها إلى آخرها والتخبّط في كيفية إدارتها، الحسابات الطائفية التي كانت تتدخل في كل المعاني والعناوين لتمنع تقدُّم الدولة، من أجل بعض المحسوبيات الضيِّقة والزواريب المقيتة التي تمسّك بها بعض الأطراف، هذه العناوين هي التي أضعفت الدولة، فأصبحنا أمام دولة ضعيفة، فإذا رأى البعض قوة في جماعة، أو قوة في تنظيم أو جمعية أو مؤسسة، وهذه القوة لخدمة الناس، فما هي علاقة قوة الجماعة بضعف الدولة؟ فلو كان الجميع أقوياء ويعملون لمصلحة الدولة فلا مشكلة وإنما المشكلة ممّن يضعف الدولة، واليوم لولا المقاومة التي حرّرت جنوب لبنان، ولولا المقاومة التي كفّت يد إسرائيل ومنعت يد أمريكا من أن تطال شؤوننا وسياستنا في لبنان لكان لبنان في الدرك الأسفل، هذا يعني أن المقاومة أعطت قوة للبنان، وهذا الاهتمام العالمي بلبنان لأن عندنا مقاومة قوية، فلو لم يكن عندنا مقاومة قوية لما اهتمّ أحد بنا في لبنان. من هنا نحن نعتبر أن قوة حزب الله بالأخلاق والصدق والمقاومة والخدمة الإجتماعية هي عناوين لمكارم عملية يقوم بها هذا الحزب تجاه هذا البلد من دون أن يتدخل في شؤون الدولة وطريقة إدارة الدولة، فهذه لها مساراتها. في كل الأحوال لسنا وحدنا من يمتلك إمكانات واسعة، غيرنا أيضاً يملك إمكانات واسعة، لكن الفرق ربما أننا نحسن استخدام هذه الإمكانات وعلى الآخرين أن يحسنوا استخدام الامكانات التي لديهم لمصلحة لبنان.
إذا أردنا لبنان القوي، علينا أن نتعاون وأن يتحمّل الجميع مسؤوليته، نحن نحمل رصيداً، وعلى كل من يحمل رصيداً أن يعرضه أمام الناس.