ومما جاء فيها:
خاضت المقاومة الإسلامية حرباً عالمية في تموز باليد الإسرائيلية، ولم تكن حرباً على دولة أو كيان، لأن العالم بأسره وقف إلى جانب إسرائيل سلاحاً ومالاً وإعلاماً وسياسة، ووقف المجاهدون في المواقع الأمامية بصلواتهم وخضوعهم وخشوعهم وبنادقهم وصواريخهم، ووفقت النسوة والشيوخ والأطفال بهاماتهم يتحدَّون ويصمدون ويصبرون، وإذ بهذه الثلة القليلة تنتصر على إسرائيل ومن وراءها وتُسجِّل نصراً عظيماً لم يُسجَّل مثله في التاريخ، لتقول هذه الثلة المؤمنة بأن المقاوم الذي يستلهم من إيمانه ومن علاقته بربه لا بدَّ أن ينتصر إن شاء الله، وهكذا نستطيع أن نقف بكل ثقة وجرأة لنقول : المقاومون في لبنان وأهل المقاومة في لبنان هزموا إسرائيل، أعجب ذلك البعض أم لم يعجبهم، فهم مهزومون معهم إذا أقروا بهزيمة إسرائيل وهم منتصرون معنا إذا وافقوا على نصر اعترفت به إسرائيل.
أرادت إسرائيل أن تمنع الصواريخ وأن تجرد لبنان من قوته ليصبح مسرحاً لها، للتوطين ولجماعة الوصاية الأمريكية من أجل أن يخططوا لشرق أوسط جديد، لا حياة فيه ولا إنسانية ولا كرامة ولا عزة، فأثبت هذا الشعب اللبناني الأبي مع جيشه ومقاومته أنه ثابت صامد، ليلقِّن أمريكا وإسرائيل ومن وراءهما درساً بأن لبنان لن يكون ممراً لوصايتهم، وسيكون دائماً حاملاً للمقاومة والمقاومين ورأس عزة لكل من أراد العزة في الأرض، يأخذ من هؤلاء الشجعان درساً في العزيمة والتضحية.
أما وقد تساءلتم مراراً كيف يمكن لهذه المقاومة أن تستمر؟ وهل يمكن لمقاومة لها هذه الحضانة الكبيرة وفيها هذه الصلابة العظيمة وتعمل للحق وتهتدي بالإيمان أن تنحسر أو تُهزم!! أبشِّركم أن هذه المقاومة مستمرة، وأكثر من ذلك متصاعدة، وأكثر من ذلك مربية للأجيال، وأكثر من ذلك ستتعرَّفون على المقاومة في كل مكان تأخذ دروساً من مقاومة لبنان. ونحن واضحون من اللحظة الأولى، لا ندَّعي ما ليس لنا، قلنا بأن المقاومة الإسلامية هي مقاومة دفاعية في مواجهة الإحتلال، ليس لها أطماع توسُّعية، ولا تريد إلا تحرير الأرض والإنسان، وأنها تقف جنباً إلى جنب إلى جانب الشعب اللبناني والجيش اللبناني، تجنَّبت الفتن الداخلية، ولم تبادر إلى حرب ابتدائية، ولا تريد أن تكون كذلك في يوم من الأيام، هي مقاومة دفاعية وستبقى كذلك، ولأنها دفاعية ستكون بالمرصاد مهما حاولت إسرائيل أن تزيد من قوتها ومهما حاولت أمريكا أن تخيفنا بقوتها، لأننا من موقع الحريص على شعبنا وأمتنا سنستمر، هذا العماد الذي خسرناه بطلاً مقداماً قائداً ملهماً، إنما خسرناه من موقع إلى موقع آخر، والمسيرة ستستمر، وسيكتشف الإسرائيلي أن عبء دماء عماد مغنية أكبر من أن يتحمَّلها، وأن دماءه بالنسبة إلينا أغزر وأعزّ من أن تكون خسارة لتتحوَّل إلى ربح حقيقي في دفعنا إلى الأمام، فللذين يسألون عن المقاومة في لبنان أقول لهم : المقاومة باقية مستمرة، قوية عزيزة ومن أراد أن يجرِّب حظه ثانية ليُجرِّب، هذه مشكلته، نحن لا نريد أن نبادر إلى أمر ولكننا لن نسلِّم لقرارات يمكن أن تقضيَ على لبنان السيد المستقل، وبالتالي سنبقى بالمرصاد لكل من يعتدي علينا بإذن الله تعالى.
الأمر الآخر، المدمرات الأمريكية، لأني لن أنشغل بتغيير الأسماء وتبديل المدمرات، فربما تسمعون غداً أن مدمرات أخرى أتت إلى الساحل القريب من لبنان، وأنتم تعلمون أن أول من أعلن عن وجود المدمرات الأمريكية هي أمريكا، مع العلم أن لا أحد يراها عن الشاطئ كما يقولون، وهذا دليل أن أمريكا بحاجة لأن تخبرنا أن مدمراتها قد وصلت، اعتقاداً منها أنها تدبُّ الرعب فينا، ثم أتى التنظير السياسي من "رايس"، لتقول بأنها للدفاع عن مصالح أمريكا أولاً ومصالح حلفائها ثانياً، ولم نجد دفاعاً عن مصالح لبنان ثالثاً، وليقول بوش بأنه يدعم حكومة السنيورة، ولذلك يقوم بكل هذه الإجراءات. هنا أصبح واضحاً أن هذه المدمرات لها أهداف ثلاثة: أولاً، تريد أن تُظهر قوتها لأن لا مشروعية قانونية ولا سياسية لفريق السلطة من أن يأخذوا شيئاً في لبنان، فتحاول أمريكا أن تمدَّهم بقوة علَّها تساهم في تغيير هذه المواقع. ثانياً، لأن الوكيل في لبنان عجز عن القيام بالدور فأتى الأصيل بمدمراته من أجل أن يُباشر مشروعه في لبنان. ثالثاً، لأن أمريكا لا تريد أي حلّ من حلول الشراكة، وهي تقف في عرض البحر لتقول لا للمبادرة العربية ولا للاتفاق، وهي تريد أن تبقى حكومة السنيورة ليس فقط إلى الانتخابات النيابية، وإنما إلى سنوات لأنها تعتقد أن حكومة السنيورة هي الأصلح التي تؤدي الوظيفة الأمريكية بالكامل، فهي لا تهتمّ لا يأتي رئيس جمهورية ولا أن يجتمع مجلس نيابي ولا أن يكون هناك استقرار اقتصادي في لبنان، يكفيهم من يردِّد أقاويلهم من دون أن يفهم معناها. وهنا أريد أن أُنصف الرئيس السنيورة، واعذروني إذا قلت ذلك، فأنا أصدِّقه أنه لم يكن يعرف بمجيء المدمرة الأمريكية، لأن أمريكا عندما تقرر لا تقول لأدواتها في لبنان أنها ستأتي، وأصدِّق فريق السلطة بأنهم لا يعرفون لأنهم ارتبكوا من اليوم الأول، فلم يعرفوا كيف يتعاطون مع مجيء المدمرة الأمريكية، في البداية بدأوا يتَّهمون المعارضة بأنها بسبب مواقفها أتت المدمرة الأمريكية، قولوا لنا رأيكم: هل أنتم مع المدمرة الأمريكية أم لا؟ ارتبكوا في اليوم الأول والثاني ثم اسفاقوا فأيَّدوا وجودها وبرَّروا وجودها، لأنهم وجدوا أي تبرير آخر غير مقبول، فقالوا أن الأفضل أن نقول بأننا نحن الذين أيَّدنا ونحن نوافق على وجود أمريكا، فهذا أسهل في التبرير وأسهل في المواجهة. على كل حال نحن أخذنا علماً، وسمعنا منكم بأن الفضل في ثورة الأرز يعود لأمريكا، وأنكم قمتم بهذه الثورة المزعومة من أجل الوصاية الأمريكية، فهنيئاً لكم هذا الوسام الأمريكي يا فريق الوصاية الأمريكية، وأنا أطلب منكم الآن أن تُجيبوا أطفال اللبنانيين ونساءهم وشبابهم، كيف استطاعت ضمائركم أن تقبل بهذه التضحيات الكبيرة في لبنان من أجل وصاية أمريكية بدل أن تكون هذه التضحيات لتحرير لبنان، والوقوف مع المقاومين وإعادة بناء لبنان واستقراره. هنا لا بدَّ أن أرسل تحية كبيرة إلى كل أطياف المعارضة اللبنانية، لأقول لهم: أيها الشرفاء، أنتم أعزة ورفعتم رؤوسنا لأنكم واجهتم الدنيا ولم تقبلوا لا بوصاية أمريكية ولا باحتلال إسرائيلي، وهذا شرف كبير وفَّقكم الله تعالى إليه.
أما في الحل الداخلي اللبناني، فريق السلطة في كل يوم يأتي بمجموعة كلمات مثل الكلمات المتقاطعة ويركِّبها ذاتها، إيران وسوريا، رفض المبادرة العربية من المعارضة التي تعمل للخارج وتريد تدمير لبنان، هذه الكلمات تستطيعون أن تصنعوا منها الكثير من الجمل، فكل ما نسمع منهم كلاماً، نجدهم يركِّبون هذه الكلمات بطريقة مختلفة والناس ملَّتهم. المعارضة تعلن أمام الملأ بأنها وافقت على المبادرة العربية وهي لا تخجل بذلك، والمبادرة العربية قائمة على أساس التوافق، أما أنتم فلا توافقون على المبادرة العربية، لكن كما تقولون في مجالسكم: دعونا نكشف أن المعارضة هي التي فشَّلتها، كلا المعارضة لن تفشِّلها، فأهلاً وسهلاً بالمبادرة العربية لأن قاعدتها التوافق فيجب أن نتفاهم، قالوا بأنهم اختاروا رئيس توافقي هو العماد سليمان، ما هذا الجميل الذي لكم؟ فنحن وافقنا على الرئيس التوافقي العماد سليمان، لنبدأ بالأمور الأخرى، من هنا أقول بأني أتحداهم أن يُعلنوا أمام الرأي العام فكرة واحدة أو مشروعاً واحداً يقبلوا به بالتفاهم مع المعارضة وعندها أعطيهم كل الحق، هم يرفضون كل شيء ولا يقبلون بأي حل، والمعارضة كانت إيجابية، وأنا أسألهم أيضاً: أنتم تريدون الحل، فلماذا لا تقبلون بأن يكون للمعارضة الثلث الضامن، لأنكم تريدون الثلثين معكم أو تريدون الثلثين تحت سيطرتكم بطريقة أو بأخرى، من أجل أن تأخذوا لبنان إلى قرارات سياسية لا نؤمن بها، ومن حقنا أن نطالب بالثلث الضامن لأن لنا أكثر من 45 بالمئة في المجلس النيابي، إضافة إلى ذلك أنتم غير مؤمونين على لبنان، ونحن عندما نُشرككم معنا ونمدّ الأيدي إليكم لننقذكم من أن تبقوا تحت الوصاية الأمريكية رحمة بلبنان ورحمة بكم، لأنكم إذا بقيتم وحدكم لن تأخذوا لبنان إلا إلى المصير الأسود كما هي تجاربكم حتى الآن، إضافة إلى ذلك قلنا إذا كنتم لا تريدون إعطاءنا الثلث الضامن فنحن نقبل بالتزامات سياسية تؤدي إلى عدم استخدامكم للثلثين، أي نقبل بثلاث عشرات مقابل ضمانات سياسية خطية حتى لا تستخدموا الثلثين، ولكنكم تصرُّون أن تأخذوا البلد إلى حيث تريدون، أين هو الحل الذي طرحتموه، أنتم الذين تعطِّلون الدولة، كان لدينا رئيس جمهورية هو العماد لحود، وقد عطَّلتم وجوده، وكان لدينا حكومة فعطَّلتم شرعيتها عندما خرج الوزراء منها ولم تعالجوا الموقف، ومنذ سنة ونصف وأكثر وأنتم تعطِّلون في البلد، والحلول الآن تُطرح يوماً بعد يوم ولا تقبلون بأي حل. إذا أردتم أن ننجز انتخاب رئيس الجمهورية مع السلة الكاملة فنحن حاضرون في 11 آذار القادم، لكن أنا أقول لكم من اليوم أن فريق السلطة لن يُجري الانتخابات في 11/3 2008 لأنه لا يريد حلاًّ ولا يريد نقاشاً موضوعياً من أجل التفاهم والاتفاق، وليكن معلوماً لديهم أن المشاركة مسألة محسومة بالنسبة إلينا، وهذه ليس منَّة أو جميلاً منكم لأنكم لو استطعتم أن تُشكِّلوا حكومتكم التي تريدون، ولو استطعتم انتخاب الرئيس الذي تريدون لما بقيتم إلى هذا الوقت وأنتم تنتظرون، وبالتالي نحن شركاء وعليكم أن تراعو الشراكة، ومطالبنا موضوعية، ونحن نقرُّ لكم أن بإمكانكم أن تعطِّلوا البلد وتستمرون في التعطيل، لكن ليس بإمكانكم أن تأخذوا البلد إلى الوصاية الأمريكية ونحن موجودون هنا كمعارضة. لن يكون لبنان تحت الوصاية الأمريكية، ونحن جاهزون لنبنيه بكل التضحيات التي تستلزمها هذه المسألة وإذا أردتم أن تتعاونوا فنحن حاضرون، وتذكَّروا بأن الناس سوف تحاسبكم وتسألكم لأنكم دمَّرتم الإقتصاد في لبنان، ولأنكم جوَّعتم الناس وعطَّلتم المؤسسات، هذا البلد ينحدر يوماً بعد يوم، والمظلومية فيه في كل أمرٍ من دون استثناء، لا القضاء يعمل بطريقة موضوعية في كثير من الملفات ومنها ملف الضباط الأربعة، ولا الاقتصاد يسير بشكل صحيح فالتدهور الاقتصادي يستمر في البلد، ولا الوضع الاجتماعي ولا الوضع الأمني بخير، ثم تشكون وتنعون، إذاً أزيحوا أنفسكم عن هذه المسؤولية التي تتصدّون لها وعن هذا الغصب للسلطة الذي يؤدي إلى هذا الخراب.
أما في غزة، نحن نراقب ما يجري، ونستطيع أن نؤكد أن ما يجري في غزة هو حرب إبادة منظمة ضدّ الشعب الفلسطيني، ليس مجرد جريمة أو محرقة، بل إبادة لها خطوات وعلى مرأى من العالم وتأييد من العالم المستكبر ومن العرب ومجلس الأمن. ما هي المشكلة في غزة، هم يواجهون الاحتلال ويحاولون فكّ الحصار عن أنفسهم، ويريدون منع الاغتيالات التي تطالهم بالطيران في بيوتهم وتُصيب أطفالهم ونساءهم، ومع ذلك نسمع من يقول أن المشكلة بصواريخ المقاومة، هم لم يطلقوا الصواريخ إلا للدفاع، ولم يستخدموا ردّ فعلهم بالعمل المقاوم إلا ليحموا أنفسهم، فأصبحت المقاومة الدفاعية مرفوضة والاعتداء الإسرائيلي دفاع عن النفس، وهذا مشروع بل مجلس الأمن لا يساوي بين الجلاد والضحية وإنما يحمِّل الضحية المسؤولية ويبرِّئ الجلاد، وهذه أزمة فعلية في عدم وجود هذه العدالة الدولية، وهذا التزوير الذي نراه يحصل يومياً. بكل صراحة أقول لكم: لو أن العرب وقفوا وقفة واحدة وقالوا فقط "لا نقبل بالمجازر ضد الشعب الفلسطيني" لما تجرَّأت إسرائيل أن تدخل إلى غزة ولما تجرَّأ العالم أن يدعم إسرائيل، لكن عندما نرى صمتاً مطبقاً بل تبرير بطريقة أو بأخرى لإسرائيل، فهذا يعني أن الشعب الفلسطيني سيكون في مأزق كبير، وسيتعرض للكثير من التضحيات والعطاءات، لكن إعلموا أن خيار الشعب الفلسطيني كما نعرفه خيار المقاومة والصمود وحتى لو استمرَّيتم في الاعتداء عليه، هذا الشعب الأبي والبطل الذي قدّم كل هذه التضحيات وبقيَ صامداً إلى الآن لن تهزموه، فطفلهم مقاوم وشيخهم مقاوم وامرأتهم مقاومة وكلهم مقاومة، ولا يمكن أن تهزموا هذه المقاومة إن شاء الله تعالى. ونحن نقول لهم أننا معكم ولو وقف كل العالم ضدَّكم، نحن مع حقكم أيها الشرفاء الفلسطينيون الذين رفعتم رأس العالم في العزة والكرامة، نحن مع فلسطين، كامل فلسطين، نحن مع المقاومة الفلسطينية المسلحة لتُسقط المشروع الإسرائيلي وما وراء المشروع الإسرائيلي لتسعيد الأرض لمص