بحضور المعاون السياسي لرئيس مجلس النواب النائب علي حسن خليل والنواب علي عمار وأمين شري وحشد من العلماء والأهالي، ومما جاء فيها:
ما جرى يوم الأحد الأسود هو جريمة موصوفة بكل ما للكلمة من معنى، مقدِّماتها معروفة، وأطرافها محدودون، لم يكن هناك تعقيدات لمعرفة المسؤولين، بل ربما كان البعض مجهولاً، لكن البعض الآخر كان معلوماً تماماً ويُشار إليه بالإصبع، وفق شهادات الشهود ووفق الوقائع التي صوَّرتها الكاميرات. إذاً لسنا أمام قضية غامضة، نحن أمام قضية واضحة، وما طالبنا به من اللحظة الأولى كان واضحاً ومركَّزاً وليس فيه التباس، قلنا أننا نريد عدة أمور: أولاًَ، نعتبر الجيش مسؤولاً عن التحقيق لأنه الجهة التي كانت تمسك بالأرض، ولأنها الجهة الوحيدة التي كانت ظاهرة في مقابل المتظاهرين، ولأنها تملك الإمكانات الكافية من أجل التحقيق والإدانة وتحديد الفاعلين، أكانوا من الجيش اللبناني أو من غيرهم، نحن لا نريد أن نجتهد في النتائج، ولذا قلنا أن المسؤولية تقع على الجيش كجهة ضامنة مسؤولة تملك الإمكانية للوصول إلى النتيجة. ثانياً، أعلنا أننا نريد تحقيقاً جنائياً، يعني نريد تحديد الفاعلين ومعاقبتهم، ولا نريد تحقيقاً سياسياً، ولا نريد رميَ التهم على أحد، ولذا من أول يوم كنا نقول أننا ننتظر التحقيق، ولا نرمي التهم جزافاً هنا وهناك. ثالثاً، نريد معاقبة المرتكبين المجرمين كائناً من كانوا، ومهما كانت مواقعهم وأدوارهم، ومهما كانت انتماءاتهم، فكل واحدٍ ارتكب يتحمل مسؤولية فعله، ولا تزر وازرة وزر أخرى، نحن لا نحمِّل المسؤولية لمن لا يتحمَّلها، بل يتحمَّلها من هو مسؤول عنها. رابعاً، لا نريد ولا نقبل التسييس، ولا نقبل أن تمرَّ هذه الجريمة من دون عقاب، ومن دون كشف ملابساتها، فنحن جميعاً بحاجة لمعرفة هذه الملابسات، وبحاجة لمعرفة من هم وراء هذا العمل، سواء كانوا أفراد أو غير ذلك. خامساً، نحن نعلن بوضوح وصراحة، لم يكن لحزب الله وحركة أمل علاقة في بداية المشكلة أي في اعتراض الناس على انقطاع الكهرباء، لكن بعد ما حصل، وتطوَّرت الأمور إلى هذا الشكل، وتبيَّن أن النوايا تستهدف هذه المنطقة وهذه القوى وهذه الشريحة من الناس، عن قصد أو عن غير قصد، عن تخطيط مسبق أو آني، أنا لن أدخل في الخلفيات والنوايا، نحن أمام وقائع تقول بأن المسألة خطيرة وكبيرة، لذا قلنا نحن وأمل أننا معنيُّون بعد وقوع الحادثة ولا نتخلى عن أهلنا وأحبتنا، كما لا نتخلى عن وطننا، ولا نتخلى عن جيشنا، وبهذا العمل الذي نقوم به إنما نحفظ الجميع. سادساً، من مصلحة الجميع كشف المرتكبين والمحرِّضين، لأن هذا الأمر يؤسِّس لطمأنينة مستقبلية، بعد أن نعرف أولئك الذين تصرَّفوا بطريقة تسيء إلى المؤسسة العسكرية، وتسيء إلى الواقع الشعبي وتسيء إلى مستقبل لبنان، وهذا الكشف ليس إدانة إلا لأصحابه، هو ليس إدانة لمؤسسة أو جهة ، كائناً من كان هذا الفاعل لأن الأمر يمكن معرفته تماماً ومعرفة أبعاده. هنا، نحن نؤكد أننا لا نريد خيمة زرقاء فوق رأس أحد ، أيًّا كان، صغيراً أم كبيراً في موقعه وفي دوره، لأن الحل في هذه الجريمة الموصوفة هو الإدانة والعقاب، وفق القواعد المعروفة للإدانة والعقاب. للأسف، منذ بداية الحادثة تحوَّل جماعة 14 شباط إلى محقِّقين وقضاة وأمنيين وبدأوا بالروايات البوليسية على شاشات التلفزة وبالتصاريح، وأوردوا تحليلات ما أنزل الله بها من سلطان، بل إنَّ بياناً صدر عن جماعة 14 شباط بعد ساعتين أو ثلاث تقريباً، والأحداث في أوجها، وأصارحكم نحن في حزب الله أصدرنا البيان الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لأننا كنا نريد أن نفهم ما الذي يحصل قبل أن نصدر البيان، وقبل أن نتَّهم أحداً، أو أن نشير بالإصبع إلى أحد، فإذا كنا نحن أهل المنطقة بقينا من الساعة الرابعة إلى الساعة الواحدة، أي حوالي ثماني ساعات حتى فهمنا بعض المعطيات التي تيسِّر لنا إصدار بيان، فكيف استطاعوا أن يصدروا بياناً خلال ساعتين، والبيان خلط الأمور ببعضها، حاولوا أن يجمعوا كل الأحداث التي جرت قبل 48 ساعة قبل هذه الحادثة، ربطوا بين اجتماع الجامعة العربية وانتخابات الرئاسة وقرار المعارضة والمواجهة بين الموالاة والمعارضة وأزمة الحكومة والموقف الدولي، وأصدروا بياناً مركَّباً من مجموع هذه العناوين بأحرفٍ تربط فيما بينها، من دون فهم ومن دون وعي ومن دون إدراك، إذا لم أقل أن البيان كان مقصوداً، لأهداف ورؤىً عندهم ، ولكن بصراحة واعذروني إذا قلت هذا، أنا لا أظن أن الذين اجتمعوا عرفوا ما كتبوا، هي إملاءات أُعطيَت لهم، فهم أقلّ مستوى من أن يدركوا ما الذي يحصل لأنهم أدوات، على الأقل انتظروا حتى تروا ما الذي حصل، من أجل أن تقولوا الواقع. على كل حال، انكشف وسقط كل من كان يريد إستثمار هذه الجريمة وكل من دخل على الخط لاستثمارها، أصبحت الوجوه من دون أقنعة، والسبب الرئيس في ذلك هو أنتم أيها الناس الشرفاء، الذين صبرتم ولم تقبلوا أن تنجرُّوا إلى ما يريد البعض، وكذلك الموقف القيادي لحركة أمل وحزب الله، وكل أولئك الذين وقفوا في الميدان في هذه اللحظات العسيرة والتطورات الخطيرة.
نحن اليوم أمام فضيحة سياسية أبطالها جماعة 14 شباط، لأنهم حاولوا أن يأخذوا الأمور إلى المحل الخطأ، بل كان يريد بعضهم أن يجرَّنا إلى مجموعة نتائج سياسية، والحمد لله أن كل النتائج السياسية التي أرادها من افتعل المشكلة أو أرادها من ركب الموجة كلها كانت فاشلة وضدّ كل أولئك الذين أرادوا ذلك. أرادوا من خلال البيان تحويل الأمر إلى مشكلة سياسية بين الموالاة والمعارضة، فصوَّبنا المسار وقلنا أننا أمام جريمة لا علاقة لها بالخلاف السياسي بين الموالاة والمعارضة، ونريد تحقيقاً، والحمد لله يوجد الآن مسار للتحقيق نأمل أن ينتهي إلى خواتيمه، وسنتابع هذا الأمر بكل فعالية. ثانياً، روَّجوا للفتنة بين الجيش والناس، وهم يريدون بذلك أن يصبح الجيش معادياً للمقاومة وأهلها، وكذلك يريدون للناس أن ينفوا من الجيش ويبتعدوا عنه، ليكن معلوماً كنا كمقاومة نحن والجيش اللبناني في خندق واحد ضدّ العدو الاسرائيلي، وسنبقى والجيش اللبناني في خندق واحد ضد العدو الاسرائيلي، نحن لا نُدين المؤسسة، ولا نعتبر أن المطلوب الإشارة إليها بالإساءة أبداً، نحن ندين المجرمين حتى لو كانوا داخل المؤسسة، لننقِّيها حتى تتمكن من متابعة مسارها الذي عوَّدتنا عليه، فنحن من الذين يريدون تثبيت عقيدة الجيش ولسنا من الذين أرادوا تغيير عقيدة الجيش أو استغلاله في المشاكل الداخلية، نحن نريد أن نُخرج الجيش من هذه الورطة الذي أرادوه فيها، وليعلموا أن الفتنة بيننا وبين الجيش، هؤلاء أولادنا وأحبَّتنا ونريد أن نكون معاً، إنما نريد أن نُخرج أولئك الذين يحاولون أن يلعبوا بالجيش أو بالوطن أو بالناس من أجل مصالحهم، ومن أجل مصالح أمريكا وإسرائيل التي تأتيهم من هنا وهناك. ثالثاً، رأينا أن أمراً مباشراً قد طفا إلى السطح، العودة إلى أحداث سنة 1975 بين الشرقية والغربية ، لأن المشكلة أمام كنيسة مار مخايل، لماذا؟ فقد حصل حرق دواليب مرات عديدة في تلك المنطقة، ومرّت الأمور على خير بسبب حسن المعالجة، ما الذي جعل من هذا الموضوع اليوم أمراً إستثنائياً، لولا أنكم تريدون أن تُسعِّروا الخلاف بين المسلمين والمسيحيين. أطمئن الجميع أنه لا يوجد مشكلة إسلامية مسيحية، وما حصل هو أمر محدود بأهدافه وأبعاده، ولا توجد خلفيات سياسية وإذا كان هناك مريدون للفتنة، فبالتأكيد لن يكون هؤلاء، لا من حركة أمل ولا من حزب الله، فنحن الذين عملنا ليل نهار في هذه الحادثة وفي غيرها قبل ذلك، من أجل منع الفتنة، لذلك إذا كان البعض يحلم بفتنة طائفية تعيدنا إلى سنة 1975 إنطلاقاً من مواقفنا فهو واهم، الفتنة ليست موجودة في قاموسنا بل هي موجودة في رغباتهم وإن شاء الله ستبقى ملعونة، وسنقضي عليها في مهدها بالطرق المناسبة. رابعاً، برز على السطح الحديث عن سقوط التفاهم بين التيار الوطني وحزب الله، فما علاقة هذه التفاهم بالأحداث التي جرت؟ هم في الواقع يتحدَّثون عن رغباتهم، فتبيَّن بعد الحادث أن العلاقة بين الحزب والتيار الوطني الحر وحركة أمل وبين المنطقة الشرقية والغربية وبين الشياح وعين الرمانة هي أصلب وأقوى، وقد رأيتم الإجتماعات المتتالية بين رؤساء البلديات وبين الناس، والقداس الذي سيجري عن أرواح الشهداء، وهذا التفاعل الإسلامي المسيحي الكبير، وهذا من نتائج التفاهم بين التيار الوطني الحر، إذاً نقول للآخرين موتوا بغيظكم، فهذا التفاهم قائم والعلاقة ثابتة إن شاء الله تعالى.
في النتيجة هناك عنوان واحد لما جرى منذ أحداث الأحد الأسود وحتى الآن، هو ما نريده ولا نريد غيره من العناوين في هذه المرحلة، نحن نعتبر أن نتائج التحقيق هي الأساس والأولوية في هذه المرحلة بالنسبة إلينا، وليس لدينا شيء آخر نتحدث عنه أو نطالب به، نحن نريد الإدانة التي تقفل هذا الملف بطريقة صحيحة وتعيد الأمور إلى مجاريها، بعد ذلك مع الذين يعنيهم الأمر، نصل في لبنان إلى حل أو لا نصل ، هذه الأمور تصبح مسألة أخرى تتابع حيث يجب أن تُتابع.
أما بالنسبة لتقرير فينوغراد الذي صدر عن لجنة القضاة الإسرائيليين، فهذا التقرير لم يكن بمضمونه جديداً علينا، لكن أهميته أنه ذكَّر الإسرائيليين والعالم بهزيمة الجيش الإسرائيلي، وأكّد أن الهزيمة لم تنتهِ بعد ، وأن الهزيمة لها تداعيات مستمرة والتي سيتذكرها الإسرائيليون يوماً بعد يوم، وستبقى ماثلة أمامهم في كل نشاطاتهم وفي كل حياتهم، وهذه الهزيمة هي ليست هزيمة عادية، إذ لم يكن قتالاً بين مقاومة وكيان غاصب محتل، إنما كان تثبيتاً لمنهجية في المنطقة، بعد خسارة إسرائيل في لبنان، نحن أمام هزيمة إسرائيلية تاريخية واستراتيجية وغير مسبوقة وستترك آثارها إلى زمن طويل يمتدُّ إلى عقود، وستترك آثارها على أجيالنا وعلى إخوتنا وأحبتنا. طبعاً كان المتوقع أن يقول بعض المسؤولين في مواقع مختلفة في لبنان والعالم العربي كلمة حول تقرير فينوغراد، لكن لم نسمع إلا النادر والقليل لأن الهزيمة في الواقع هي لإسرائيل ولمن كان يرغب أن تحقق إسرائيل إنجازاً، فلا يمكن أن تطلب من المهزوم أن يستأنس بهذا التقرير. الأمر الثاني في هذا التقرير: ليس مهماً بالنسبة إلينا أن يبقى أولمرت رئيساً للحكومة أو لا يبقى، فبالنسبة إلينا إسرائيل هُزمت من رأسها إلى أخمص قدميها، هُزمت بسياسيِّيها وبجيشها وبشعبها وبمشروعها، وهذا هو المهم بقيَ أولمرت أو لم يبقَ. الأمر الثالث، لا تستهينوا بهذا النصر الإلهي الكبير الذي قضى على حلم الشرق الأوسط الجديد، الأمريكي الإسرائيلي من بوابة لبنان، تذكروا ما قالته رايس في اليوم التاسع عندما تحدثت عن آلام مخاض ولادة شرق أوسط جديد، ونحن نقول لرايس أن هذا المولود الذي كنت تتوقَّعينه مات قبل اكتمال نموِّه، وعندنا في لبنان لا إمكانية لنموّ مولود جديد إسمه الشرق الأوسط من بوابة لبنان، ولم بقيتم كذلك متآمرين على لبنان سنوات وسنوات، فالمعارضة ثابتة وصامدة وصابرة، وإن شاء الله تُثبت التجارب أن الوصايا الأمريكية لن تستطيع أن تمرّ بلبنان. رابعاً، أعلن تقرير فينوغراد سقوط تطبيق القرار الدولي 1559، في لبنان هناك جماعة حملوا القرار 1559 على ظهورهم، وقلنا لهم أن هذا قرار دولية متآمر ومنحاز وهو ضد لبنان، وحاولوا أن يُقنعونا به، بأن هذا القرار هو نفس الطائف، وأخذوا يأتون بعبارات منه ويُقيموا مقارنة، ويدعوننا للقبول به، مع أنه تعطيل لقدرة لبنان وإلغاء للمقاومة، وتمكين لإسرائيل أن تفعل ما تريد في لبنان متى تشاء، لكن الحمد لله حتى التدخل العسكري الإسرائيلي والاعتداء الكبير، سقط الـ 1559 مرة أخرى، لأنه كان قد سقط في البداية عندما رفضناه، وقلنا أنه مشروع فتنة وتآمر على لبنان. هؤلاء الذين يفكرون بضعف لبنان، ما هي المكاسب التي سيحصل عليها لبنان من ضعفه؟ هل تعتقدون أن إسرائيل ملتزمة بتنفيذ القرار 1701، وهي لا تعتدي على لبنان، تأكدوا أن الطيران الإسرائيلي الذي يجول في الأجواء، كان ليقوم بعمليات عسكرية يومية لولا أنه يحسب حساباً لقوة المقاومة وشعب المقاومة، فالذي يحمي لبنان ليس القرار 1701 وإن كنا نفَّذناه وطبَّقناه وتمسَّكنا به، لكن الذي يحمي لبنان هي قوة المقاومة وقوة أبنائه، من هذا تخاف إسرائيل ولا تخاف من أي شيء آخر. خامساً، لاحظنا أن كل الحركة السياسية التي جرت بعد عدوان تموز 2006، هي حركة أمريكية تستهدف عدواناً سياسياً منَّظماً للتعويض عن خسائر العدوان العسكري الذي حصل عن طريق إسرائيل، وللأسف هناك جماعة في لبنان، شركاء في هذا العدوان السياسي، لا شراكة الند للندّ، بل هم أدوات تحرِّكها أمريكا، وإلا لماذا هذا التعقيد أمام الحلول التي تُطرح في لبنان، لسنا نحن الذين نعقِّد الحلول، بل هم الذين يعقِّدونها، هم الذين لا يريدون الشراكة والوحدة الوطنية، ولا يريدون الإعتراف بالآخر، ويريدون أن يأخذوا البلد إلى ضعفه وهوانه، وهذه أمور مرفوضة عندنا. إعلموا أن المقاومة التي رفعت رأسها، والشعب الذي رفع رأسه بمواجهة عسكرية لم يكن لها مثيل، وبنصر إلهي كبير لم يكن له مثيل في منطقتنا، لا يمكن أن تخضع للضغوطات السياسية ولو طال الزمن، لأننا نريد أن نحمي لبناننا فبهذ الطريقة نحميه، فلا نحميه بالوصاية الأمريكية ولا بالخضوع للابتزاز الدولي، وكل ذلك على حساب لبنان.