الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في الليلة الخامسة من ليالي عاشوراء 1429 في مدرسة المحسنية في الشام 13/1/2

ثبت بالدليل القطعي أننا إذا صبرنا وكنا في الخط المستقيم لا بدَّ أن نصل في يوم من الأيام إلى تحقيق الإنجازات الكبرى، من كان يعتقد أن إسرائيل تُهزم من مجموعة مقاومة في لبنان، من كان يعتقد أن المشروع الأمريكي-الإسرائيلي يتوقف عن بوابة المجاهدين في لبنان

(...)، ثبت بالدليل القطعي أننا إذا صبرنا وكنا في الخط المستقيم لا بدَّ أن نصل في يوم من الأيام إلى تحقيق الإنجازات الكبرى، من كان يعتقد أن إسرائيل تُهزم من مجموعة مقاومة في لبنان، من كان يعتقد أن المشروع الأمريكي-الإسرائيلي يتوقف عن بوابة المجاهدين في لبنان، من كان يتوقع أن العالم يحشد كل قواه السياسية والثقافية والإعلامية والدعم العسكري لإسرائيل ومع ذلك يهرب الجيش الإسرائيلي من المعركة وينتصر المجاهدون باسم الله وفي سبيل الله.

لم يكن الانتصار ضمن معادلة قوة في مقابل قوة، إنما كان الانتصار ضمن معادلة الإيمان مع القوة في مقابل القوة بلا إيمان ، فتبين أن القوة مع الإيمان تتضاعف وأن القوة بلا إيمان تتراجع، وعندها يصبح التوازن قائماً فيأتي دعم الله تعالى لينتصر الإيمان على الكفر.

يجب أن تكون معنوياتنا عالية، ومن حقنا أن نفتخر بالانتصار ، ومن حقنا أن نُنسب الانتصار إلى الله تعالى ، فالإنسان إذا لم يكن معبأً ومعتقداً بأنه منتصر بإذن الله تعالى ومتوكل على قوة كبرى سينهزم في المعركة، ولكن عندما يثق بأن هذه القوة الكبرى هي الله تعالى، وأن هذا الإيمان يعطيه عزيمة قوية، عندها يبدأ منتصراً ثم يُترجم الانتصار ميدانياً، أمَّا العدو فيبدأ منهزماً لخوفه ممن يواجه ثم تترجم الهزيمة عملياً وهذا ما حصل في مواجهة إسرائيل.

اليوم مع كل ما تتدَّعيه أمريكا وإسرائيل والعالم، ومهما حاولوا ومهما فعلوا، فهذه التجربة التي حصلت في لبنان تدل بشكل واضح أن المقاومين المؤمنين المجاهدين لا يتركون الميدان ويتوكلون دائماً على الله تعالى، ويعتقدون بالنصر وقد رأوه بأم العين ، وبالتالي أي محاولة تفكير بالاعتداء على هؤلاء بأي صيغة من الصيَّغ سيكون مصيرها الفشل، وإذا سألتموني ما هذه الثقة الكبيرة؟ أقول لكم: من تعرف على الثقة بالله تعالى في لحظة الشدة يسهل عليه أن يتعرف على ثقة الله في لحظة الرخاء.

اليوم، نحن نواجه دولة كبرى اسمها أمريكا تريد أن تتسلط على العالم، وحجتها الوحيدة أنها تملك القوة وتريد أن تفرض سياساتها وأفكارها وقناعاتها على العالم لتضع يدها على خيرات الناس من أجل خدمة المواطن الأمريكي، ولاحظوا العبارات التي يستخدمها الأمريكيون دائماً: أن هذه المعركة خدمة للأمن القومي الأمريكي، احتلال العراق خدمة للأمن القومي الأمريكي، دعم إسرائيل خدمة لدافع الضرائب الأمريكي السيطرة على دول المنطقة سياسياً خدمة للاقتصاد الأمريكي، كل التفكير تفكير سيطرة وتفكير سلب لحقوق هذه الشعوب، نحن لا نقبل أن تُسلب حقوقنا.

نحن أمام مسألتين: أمام أمريكا المتسلطة على العالم، والمسألة الثانية أمام إسرائيل التي اعتمدتها أمريكا كمحطة في منطقة الشرق الأوسط لتقاتل من خلالها وتحقق مشروعهما المشترك، لن نقبل أن تكون إسرائيل مفروضة ونسلّم لها، ولن نقبل أن تذهب أراضينا وبيوتنا لمصلحة إسرائيل، وبالتالي ما دام فينا نبض حياة سنستمر في هذه المقاومة التي تبيَّن أنها الوحيدة التي تعيد لنا أرضنا السليبة، ويمكن أن ترجعنا إلى ما تبقى من أرض، وأن كل التجارب السياسية الأخرى التي تُسمى مفاوضات أو التي تسمى مجلس الأمن، أو التي تُسمى إرادة دولية، لا يمكن أن تكون لمصلحتنا في يوم من الأيام، فقط إرادتنا بالمقاومة ، واستمرارنا لعملية المواجهة، ورفض أن تسيطر علينا إسرائيل هو الذي يأتي بنتيجة وأكبر دليل ما حصل في عدوان تموز 2006، حيث كان الانتصار في لبنان انتصاراً على إسرائيل وعلى أمريكا وعلى كل من دعم إسرائيل في العالم سياسياً ومالياً وثقافياً واقتصادية وإعلامياً ، هذا الانتصار لم يكن انتصاراً لمنع احتلال أرضٍ ببضعة أمتار أو كيلومترات منها ، بل كان انتصاراً على رؤية خبيثة تريد أن تسلبنا حريتنا وكرامتنا وقرارنا ، هو انتصار بكل أبعاده السياسية والثقافية والجغرافية والأرضية، وهذا الانتصار أسَّس إن شاء الله لانتصارات قادمة ولتحريك الأمة في هذا الاتجاه، ولا أعتقد أن الهزيمة يمكن أن تأتي في يوم من الأيام مع أمة تريد المقاومة وتعمل من خلال المقاومة في سبيل الله تعالى.

هم اعتقدوا أن إرادة الممانعة يمكن القضاء عليها، ولكن كيف يمكن القضاء على إرادة الممانعة لأناس تربوا في مدرسة الإمام الحسين(ع)، لأنهم لن يفهموا ما يعني هذا، لأن ما نقوله وما تربينا عليه دخل إلى القلوب والأعماق والجوارح وأصبحت موجودة عند الطفل عندما يعيشها، كأنها آيات كُتبت في جوارحه وفي داخل قلبه وهو يعيش اعتقاداً لا يمكن ترجمته عند الآخرين، ولذلك هم لن يفهموا علينا، والحمد لله أنهم أغبياء لا يفهمون.

من هنا، هذه المسيرة هي مسيرة مؤيدة ومسددة إن شاء الله تعالى، ومشروع بوش للعالم لن يمر عبر لبنان وعبر هذه المنطقة، وسيعاني من المقاومة الإسلامية ومن المقاومة الفلسطينية، ومن إرادة الصمود عند سوريا، ومن إرادة الصمود عند إيران، من كل الشعب العربي والمسلم الذي لا يقبل أن يكون ذليلاً، والحمد لله الخير كثير وموجود في هذه المنطقة مهما حاولوا أن يفعلوا. اليوم جاء بوش إلى المنطقة، ليس من أجل أن يُعالج القضية الفلسطينية، بل من أجل ذر الرماد في العيون فزار فلسطين أولاً، ليقول أنه مهتم بالقضية الفلسطينية حتى يأخذ الثمن من العرب بأنه يهتم بالقضية التي تزعجهم، فساعدوا من أجل أن أقضي على حركة المقاومة في المنطقة التي تمثلت بإيران أو سوريا، أو تمثلت بحزب الله وحماس والجهاد أو كل الذين يواجهون المشروع الأمريكي الإسرائيلي، فهو يحاول أن يزجّ المنطقة في قضية ليست لها ، لأن إيران ليست عدواً للعرب، وسوريا جزء من هذا الصمود لمصلحة الاستقلال، والمقاومة لا تتطلب أكثر من أن تكون أراضيها متحررة ومستقلة، فإذاً هذا مشروع بوش المكشوف، وقد وضَّحه مرات عدة بأنه يريد أن يحمي العرب من خطر إيران، بينما المطلوب أن نحمي العرب من خطر أمريكا وإسرائيل، لأنَّ إيران ليست خطراً، إيران ليست دولة توسعية، إيران لم تأخذ شيئاً من حقوق هؤلاء، إيران تربطها صلات وثقافية وجغرافية واجتماعية تتطلب أن تكون متعاونة مع كل هذا المحيط وقد قامت بمحاولات كثيرة، لكن هو يريد أن يأخذ البوصلة إلى مكان آخر، واسمعوا ما قاله في فلسطين المحتلة، فهناك مسألتان تكفيان لأن يقوم العرب عن بكرة أبيهم بقياداتهم وشعوبهم لمواجهة بوش ومشروعه: الأولى أنه أعلن تأييده لدولة يهودية: يعني طرد مليون مائتين وخمسين ألف مسلم ومسيحي عربي موجودين في أراضي 48(القدس وجوارها)، والمسألة الثانية: إعطاء تعويضات للَّاجئين يعني إلغاء حق العودة ، وهما مسألتان خطيرتان ، لأن إنشاء الدولة اليهودية الإسرائيلية سيكون ثمنه باهظاً جداً على كل الدول العربية والإسلامية ، فإذا كنا الآن نعاني في المنطقة من كيانٍ لم يأخذ حدوده بعد ولم يشرَّع وجوده بعد، ولا زالت هناك خلافات بينه وبين المنطقة ومع ذلك تُدفع هذه الأثمان الكبرى، فكيف إذا أصبحت دولة يهودية مستقرة يدعمها العالم، فغداً ستمد يدها إلى السعودية والكويت وسوريا والسودان والمنطقة بأسرها، تحت عنوان الأمن الإسرائيلي للدولة اليهودية، وهذا يتطلب أن يكون الحكام هناك بإرادتها، يعني ذلك أننا سنأتي بأمريكا المستكبرة بشكل مصغَّر تعيثُ فساداً في منطقتنا وبدعم أمريكا ودعم العالم. إذا كنا مع الخلاف الموجود الآن ندفع الأثمان الكبرى ويدفع العرب هذه الأثمان الكبرى، كيف إذا كانت هذه الدولة اليهودية دولة مستقرة!

والأمر الثاني: هؤلاء اللاجئون الذين لهم حق في بيوتهم أين يصبحون؟ هل يبقون في البيوت التي هم فيها! وهناك عقدة كبيرة في التوطين سواء في لبنان أو غيره، وهل يطرد هؤلاء من أرض الآباء والأجداد! لمصلحة من؟ لمصلحة مشروع يؤسس لإنهاك الدول العربية والإسلامية والسيطرة عليها، مشروع الدولة اليهودية هو مشروع استعماري واستكباري خطير في منطقتنا، وعلينا أن نواجهه بكل ما أوتينا من قوة وبالأساليب المختلفة بكل ما أوتينا من قوة وبحسب تكليفه الذي ينسجم مع ظروفه، ولكن يجب أن نرفض وأن نقول: لا.

هل يعقل أن يستقبل العرب بوش وهو يقول لهم بأنه يريد أن ينهي حضورهم ووجودهم من خلال إقامة الدولة اليهودية، ألم يسمعوا ويعرفوا. بكل صراحة نتأمل بإرادة الممانعة والمقاومة الموجودة في هذه المنطقة، فمن كان يعتمد على مجلس الأمن نقول له اعتمادك على متحيِّز، ومن كان يعتمد على أمريكا الوسيط نقول له حاميها حراميها، ومن كان يعتمد على كثرة التسلح في المنطقة العربية نقول له أن هذا التسلح هو خزان احتياطي لما تريده أمريكا، الاعتماد الوحيد بعد الله تعالى على المقاومة وإرادة التغيير والجهاد، وبإمكاننا أن نحقق الكثير ، فكما هُزمت إسرائيل في تموز 2006 يمكن أن تهزم مراراً وتكراراً ، ولدينا من القوة الشعبية والمادية والتعبوية والروحية والثقافية ما يمكننا أن نفعل المعجزات في المنطقة شرط أن تتوفر الإرادة عند الجميع لمواجهة هذا الأخطبوط الصهيوني المدعوم أمريكياً .

على كل حال أطمئنكم نحن إن شاء الله بخير، وإمكاناتنا جيدة، وصبرنا كبير، وهذه الحرتقات التي تحصل في لبنان بين الموالاة والمعارضة ليست اختلافاً على وزير إضافي أو وزير بالناقص، هذا اختلاف بين مشروعين ورؤيتين، رؤية تريد أن تجعل لبنان منصة للوصاية الأمريكية، ورؤية تريد أن تجعل لبنان دولة مستقلة عزيزة بكرامتها، رؤية تريد أن تفرّط بمسؤوليتها عن طوائفها وأحزابها لمصلحة بعض المكاسب التي تجنيها على المستوى الخاص أمريكياً أو عربياً، ورؤية أخرى هي رؤية المقاومة والمعارضة تريد أن تريد أن تغِّلب مصلحة الوطن ومصلحة الإنسان في مقابل المصالح الأخرى. على كلٍ لقد فعلوا في لبنان أكثر ما يمكن أن يفعلوا، جاءت إسرائيل بجيوشها الجرارة لتقتلع المقاومة والمعارضة ولم تستطع، هل سيستطيعون بالضغوطات السياسية والإعلامية أن يؤثروا ، لا لن يؤثروا ، بل سيكتشف الناس الذين يسيرون معهم أن قادتهم ضللوهم ودفَّعوهم أثماناً باهظاً كان يمكن أن لا يدفعوها لو أنهم ساروا بطريقة صحيحة في التعاون مع الآخرين.

نحن في لبنان عندما نطلب المشاركة في الحكومة، لا لأننا نريد بعض الطرقات أو بعض المكاسب أو بعض التوظيفات، بل لأننا نريد أن نحمي هذه الحكومة من تأثير الوصاية الأمريكية، ونريد أن نكون شركاء في صنع القرار السياسي كي لا يأخذوا البلد إلى اتفاقات ومعاهدات تؤدي إلى خطر كبير تضرّ بلبنان وتؤثر بالتالي على المنطقة. هذه هي رؤيتنا، وهذا هو أداؤنا ، وسنصبر صبراً جميلاً .

كنا نقول دائماً هم يريدون الإستئثار والحكم، وإلى الآن جربوا سنة وشهر منذ المقاطعة للوزراء الشيعة ومعهم الوزير يعقوب الصراف ولم يتمكنوا من الحكم، وكان المطلوب من المعارضة أن تصمد وتمنع هذا المشروع، والحمد لله صمدت ومنعت هذا المشروع، ولو استمروا أكثر من ذلك لن يحكموا وستصمد المعارضة إن شاء الله تعالى لتمنعهم من أخذ لبنان إلى الهاوية، لبنان المقاومة لن يصبح لبنان الأمريكي، ولبنان الصمود بأهله وبأحبته لن يصبح تبعاً للمشروع الإسرائيلي، ولبنان الذي قدَّم من خيرة شبابه ومن العائلات المختلفة من النساء والأطفال لمصلحة العزة والكرامة لن يعود ملحقاً بأحدٍ من الدول الاستكبارية أمريكا كانت أو غير أمريكا، وليجربوا حظهم، فمهما طال الزمن النصر للمؤمنين إن شاء الله تعالى.