نحن اليوم نواجه تحديات سياسية كبيرة، وخضنا في مجالات صعبة ومعقدة، والحمد لله فقد صبرنا ونجحنا، لقد صبرنا على الفتنة الداخلية وضبطناها، صبرنا على عدوان إسرائيل ونجحنا في هزيمته وتحقيق المعنويات الكبرى في ساحتنا، صبرنا على أولئك الذين يستدرجون الوصاية الأمريكية إلى لبنان وتحملنا الكثير الكثير، والحمد لله قطعنا الطريق أمام هذه الوصاية الأمريكية، صبرنا على محاولات إيجاد القلاقل والفتن بين المقاومة والجيش، فتحول الصبر إلى تعاون وثيق بين الجيش والمقاومة، ما جعل الآخرين يُحبطون ويحارون كيف يفعلون مع تماسك الجيش والشعب والمقاومة، بطريقة نموذجية لم يشهدها لبنان في تاريخه المعاصر، وبالتالي الصبر يوصل إلى النتيجة. واليوم أيضاً نمر في محاولات كثيرة لإيذاء الخط المقاوم، لضرب الوحدة الوطنية، لإحداث الفتنة في الداخل، ليُطلَّ البعض برأسه مجدداً في العنوان الإسرائيلي ولو كان الغطاء كبيراً بالنسبة إليه، كل هذا يحتاج إلى صبر، ولكن في نهاية المطاف الصابرون رابحون وفائزون بإذن الله تعالى.
لقد قدم سماحة الأمين العام لحزب الله حفظه الله قرائن ومعطيات تبيِّن أن إسرائيل وراء اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، وأن إسرائيل التي استبعدت لخمس سنوات عن مجرد احتمال أن تكون مشبوهة، أصبحت بهذه القرائن متلبِّسة بالشبهة، ويمكن أن يسلك المعنيون هذا الطريق وستنفتح أمامهم مسائل كثيرة تبيِّن الدور الإسرائيلي في عملية الاغتيال، هذه القرائن والمعطيات تضع إسرائيل موضع الاتهام على خط القرار الظني، وليس صحيحاً ما يحاول البعض أن يفعله من ذرِّ الرماد في العيون، فيريد أن ترى المحكمة الدولية: هل هذه القرائن تستحق أن ننظر إليها أم لا، أعتقد أن هذا نوع من تضييع الوقت والحقيقة في الوقت نفسه، هذه القرائن تستدعي المتابعة، والمتابعة تعني بداية التحقيق، وبداية التحقيق تشير إلى متهمين، وعلى المتهمين أن يقدموا أدلتهم من أجل أن يكونوا خارج دائرة الاتهام، وبالتالي هذه القرائن ليست لنقاش إمكانية اتهام إسرائيل أم لا، هي قرائن اتهامية، لكن الإدانة هي التي تحتاج إلى متابعة بطريقة أو بأخرى. نحن ندعو للبدء الجدي باستدعاء المتهمين والمشغلين للعملاء والعملاء ، لأنهم يشكلون حلقة واحدة تفتح الآفاق نحو الكثير من الجرائم وعلى رأسها جريمة اغتيال الرئيس الحريري، وبالتالي لا يمكن أن تبقى الأمور في دائرة الكلام العام، أو في دائرة المواعظ السياسية حول آلية الحكم وكيفية الاتهام، هناك قرائن لا بد أن تتابع من أجل التحقيق الجدي للاستفادة منها. هنا يفاجئني أنه يوجد في لبنان بعض من يخشى أن يبتعد القرار الظني عن أفراد من حزب الله، ومن الذي نصَّبكم لتكونوا حماة لإسرائيل بالطريقة التي تروِّجون لها، وبالنقاشات التي تجرونها حول قواعد المحكمة، وكيفية التحقيق ومدى جدية القرائن وكيف توصل إلى النتائج، إذا كنتم تريدون الإطمئنان فأنا أطمئنكم من الآن: حزب الله لم يكن متهماً في يوم من الأيام، ولن يكون متهماً في أي يوم من الأيام، وبالتالي إبحثوا عن إسرائيل لتصلوا إلى النتيجة، إما بالمباشر وإما أن تكون هي الوسيط الذي يوصلكم للقتلة الحقيقيين، وبغير هذا الطريق لا يمكن الوصول للحقيقة. أقول لهؤلاء: ما هي المصلحة الوطنية في الدفاع عن إسرائيل، وتبرئتها في محاولة وضع العراقيل كي لا تكون مدانة بشكل أو بآخر، أنظروا اليوم في داخل الكيان الإسرائيلي، هناك إرباك من رأس الهرم إلى كل القاعدة الإسرائيلية لمجرد النقاش ببعض القرائن التي عُرضت، لقد أحدثت هذه القرائن هزة وأسئلة ونقاشات كثيرة في داخل الكيان الإسرائيلي، وهناك طلب بمحاسبة بعض الجنرالات وبعض المسؤولين في الحكومة على ما مرَّ من قضية أنصارية وغيرها، ثم نسمع عندنا هنا من يُناقش إذا كانت القرائن مناسبة أو غير مناسبة، نعم القرائن مناسبة وأكثر من مناسبة عندما يكون هناك مسار قانوني حقيقي.
يمكننا اليوم أن نقول أن الفتنة أصبحت أبعد، وكلما سلكنا في طريق اتهام إسرائيل وتوفير المقومات اللازمة لهذا الاتهام، فهذا يعني أننا نُبعد الفتنة أكثر فأكثر، إلى درجة خنقها بإذن الله تعالى، نعم سيكون هناك متضررون ومنزعجون لأنهم لا يعيشون إلا على الفتنة، نحن مضطرون أن نعمل للمصلحة الوطنية لأننا مؤمنون بها، وبالتالي لن نراعي أولئك الذين لا يريدون لهذه المصلحة أن تكون، وهنا نطالب الدولة اللبنانية وبشكل رسمي أن تعمل بكل جد من أجل أن تقبض على العميل غسان الجد، لأنه عميل أساسي، وهذا الادعاء الذي يقال بين الحين والآخر بأنه غير موجود هو ادعاء لا يكفي، لأنه يمكن للدولة اللبنانية عبر أجهزتها أن تطلب من الانتربول الدولي التحقيق عن وجود هذا العميل في أي بلد من العالم، ويسدعونه من أجل التحقيق معه، وعلى الدول التي تدعي أنها تريد الحقيقة وتساعد لبنان أن تتفضل وتساعد في القبض على هذا العميل المتهم، وبالتالي هذا ينطبق أيضاً على شهود الزور وعلى كل المتهمين الذين يجب أن يمثلوا أمام القضاء، ولذا أجدد المطالبة أن يكون هناك محاكمة لشهود الزور، والدولة اللبنانية تتحمل المسؤولية الكاملة، لأن المشكلة ليست بشهود الزور فقط، بل المشكلة بمن شغَّلهم ودفع الأموال لهم ووجههم، لماذا زوَّروا الحقيقة وأخذوا الأمور بالاتجاه الخاطئ؟ لماذا جرى الاتهام لخمس سنوات لسوريا وللضباط الأربعة ولآخرين ثم تحول الآن إلى أفراد من حزب الله؟ كل هذا المسار هو مسار المزورين الذي يشرفون على هذه العملية، والذين يوجهون شهود الزور، ونحن نطالب بالقبض على شهود الزور للتحقيق معهم ومعرفة من الذي وجَّههم، ما الذي أراده هؤلاء المشغِّلون؟ لماذا أرادوا إبعاد الحقيقة؟ من هم الذين يريدون تغطيتهم؟ ما علاقتهم بإسرائيل وأمريكا ودول الاستكبار التي تعيث في الأرض فساداً؟ هذه المسؤولية تقع على الدولة اللبنانية.
لمن أراد معرفة الحقيقة هناك ثلاثة مفاتيح: أولاً التحقيق مع شهود الزور والذين خلفهم ومشغِّليهم لتوضيح الأهداف المشبوهة التي انطلقوا منها. ثانياً فتح التحقيق مع المسؤولين الإسرائيليين ومع الضباط والمشغِّلين من الموساد، لأن هؤلاء يعرفون قسماً كبيراً من الحقيقة، وبالتالي لا معنى لتحقيق لا يجري مع هؤلاء، لا نريد أن نسمع لاحقاً أن إسرائيل رفضت التعامل ولا نستطيع أن نتهمها، أو أن يقول لنا أحد في التحقيق الدولي أن هذه القرائن لا تؤهلنا للدخول في اتهام إسرائيل، فهذا يعني تضييع الحقيقة. ثالثاً يجب تشغيل الانتربول الدولي من أجل اعتقال المشبوهين والعملاء والصهاينة الذين يُتهمون بهذه الارتكابات المختلفة.