الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في الاحتفال التكريمي الذي أقامته مدارس المصطفى (ص) لطلابها المتفوقين في الشهادات الرسمية في مطعم الساحة في 10/8/2010

لقد قدم سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حفظه الله أمس رواية تفصيلية تتعلق باتهام إسرائيل بإمكانية أن تكون وراء اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، هذا الاتهام مبنيٌّ على قاعدتين، قاعدة سياسية وقاعدة عملية

لقد قدم سماحة الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله حفظه الله أمس رواية تفصيلية تتعلق باتهام إسرائيل بإمكانية أن تكون وراء اغتيال الرئيس الشهيد الحريري، هذا الاتهام مبنيٌّ على قاعدتين، قاعدة سياسية وقاعدة عملية، أما القاعدة السياسية فلأن لإسرائيل المصلحة في أن تُحدث فتنة وشرخاً فتختار شخصية مؤثرة في الساحة، يمكن من خلالها أن تُخرب هذه الساحة وأن تدخل إليها لتستثمرها ضمن مشروعها الذي تريد أن تحققه في هذه المنطقة، وبالتالي رأينا فيما عُرض كيف أن إسرائيل ترصد قيادات سياسية مختلفة ومتنوعة، لأنها تعلم أن هذه القيادات يمكن أن تؤثر عندما يتم اغتيالها في تخريب البلد وإحداث الفوضى. أما على المستوى العملي فلا نحتاج إلى دليل حول أعمال إسرائيل العدوانية التي ملأت ساحة لبنان، سواء بالاغتيالات أو التجسس أو الطيران الذي يحوم في الأجواء في كل يوم، أو بالتآمر الدولي أو بالطرق المختلفة التي تعتمدها للقتل والتخريب والإجرام، كما هي في فسلطين وفي كل مكان، وبالتالي على المستوى العملي سجل إسرائيل حافل بالاغتيالات في لبنان وفي المنطقة وفي العالم، وما تمَّ تقديمه من أدلة يُلقي تهمة لا بدَّ من متابعتها وملاحقتها، من أجل أن يصل المعنيون في المحكمة إلى النتيجة النهائية، لكن نستطيع القول أنه بعد أن قدم سماحته هذا العرض التفصيلي، أصبحنا الآن واثقين بشكل كامل بأن إسرائيل في دائرة الاتهام الحقيقي، وتستحق أن يصدر بحقها القرار الظني، وعلى المسؤولين أن يتابعوا هذا الأمر.

نعم سينزعج البعض كثيراً، وستسمعونهم خلال الأيام القادمة من توجُّه التهمة لإسرائيل، هم لا يريدون أن تكون إسرائيل متهمة، فهم اعتقدوا أن الفرصة سانحة في أن يُتهم حزب الله بعد أن فشلت المخططات لضربه، سواء بالفتنة السنية الشيعية، أو بمحاولة الفتنة بين المقاومة والجيش، أو بعدوان تموز سنة 2006، أو بالتفجيرات والقلاقل والإغتيالات المختلفة، فرأوا أن بصيص الأمل الوحيد الباقي لمواجهة حزب الله هو هذا القرار الظني، ظنًّا منهم أن ركاب حزب الله ستخسع، وأنه سيخاف من هذه التهمة وسيكفئ إلى الخلف، لكن خسئوا، وأقول لهم بكل وضوح: حزب الله ليس متهماً باغتيال الحريري، لا الآن ولا قبل الآن ولا في المستقبل، فليُقلعوا عن هذا الأمر، وإسرائيل متهمة الآن وقبل الآن وفي المستقبل، وليتابعوا هذا الخيط إلى نهاية المطاف، وأقول لأولئك الحالمين بمحاولة الضغط على حزب الله فنحن نقدِّر أنكم مضغوطون، لأن من سرتم معهم من أمريكا وإسرائيل وغيرهم فشلوا في مخططاتهم وفي مواقعهم المختلفة، وأنتم تبحثون عن دور لتطويق حزب الله، فلا تستطيعون ذلك. أقول لكم: لا تتعبوا أنفسكم، وتوبوا إلى الله قبل فوات الأوان.

الآن توجد معطيات، وهذه المعطيات عن تهمة إسرائيل هي برسم المعنيين في لبنان وبرسم المحكمة، وهنا تتحمل الحكومة اللبنانية مسؤولية تلقُّف هذه المعطيات الاتهامية ضد إسرائيل، لتحويلها إلى إجراءات عملية وفق الجهات المختصة من أجل المتابعة لاكتشاف الحقيقة، وسننظر وتنظرون وسنرى وترَون: هل ستستدعي المحكمة الموساد الإسرائيلي والحكومة الإسرائيلية؟ لأن لا شيء يحصل من عمليات اغتيال إلا بقرار من الحكومة الاسرائيلية وبتنفيذ الموساد الاسرائيلي، هل سيتم استدعاؤهم للتحقيق أم لا؟ سننتظر، هل ستوجه التهمة إلى إسرائيل أم لا؟ هل سيتم التوسع في المعطيات المقدمة أم لا؟ لأن هذه المعطيات مهمة جداً، وبالتالي نحن لسنا محكمة حتى نتمكن من التوسع كما تتمكن المحكمة التي عملت لخمس سنوات، وبإمكانها أن تعمل لبعض الوقت كي تكتشف الحقيقة، وكي تصل إلى النتيجة المطلوبة. الحكومة اللبنانية تتحمل مسؤولية تحويل المعطيات الاتهامية لإسرائيل إلى مسار وإجراءات، ونحن ننتظر ذلك وسنرى ما هي الآليات التي ستتَّبع.

لقد أصبح واضحاً أمامنا جميعاً في كل ما نعانيه في لبنان والمنطقة يجب أن نفتش عن إسرائيل أولاً، فتشوا عن إسرائيل إذا أطلت الفتنة برأسها، وفتشوا عن إسرائيل إذا حصلت عمليات اغتيال كما حصل سابقاً، وفتشوا عن إسرائيل إذا حصل تحريض بالمباشر أو بالواسطة من خلال وكلاء إسرائيل، وفتشوا عن إسرائيل إذا تمَّ تسليط الضوء على المقاومة من أجل التوجه لإضعافها أو ضربها أو إيذائها ووضع العراقيل في طريقها، والرد بالنسبة إلينا بثلاثية المقاومة والجيش والشعب، والرد يكون بتقوية وتسليح الجيش اللبناني، ونحن ندعو إلى تسليح الجيش اللبناني وصرف الموازنات اللازمة، وإلى دفع مليار دولار وأكثر أيضاً، لأن قوة الجيش هي قوة للبنان وقوة لمقاومته وشعبه، من يظنُّ أن قوة الجيش موجهة ضد المقاومة فهو مخطئ، لأن عقيدة الجيش هي مواجهة العدوان على لبنان وحماية وتحرير الأرض، وليست موجهة لتنفيذ أوامر أمريكا وإسرائيل، أو للقتال الداخلي أو للتنافس خدمة لمصالح الآخرين، نحن مع تقوية الجيش ومع كشف إسرائيل ومخططاتها ومن وراءها، هذا هو الرد الذي ندعو إليه ويجب أن نعمل له بكل قوة، وقد لاحظ العالم أن مستوى التنسيق بين الجيش والمقاومة كبير جداً، وقد هالهم أن لا تكون فرقة بينهما، وهالهم أن يكون الجيش داعماً للمقاومة وأن تكون المقاومة داعمة للجيش، لا على قاعدة التساوي بينهما، بل على قاعدة قيام كل منهما بدوره وواجبه بحسب طبيعة موقعه وموقفه ودوره في لبنان، نحن نعتبر أن المقاومة والجيش يتكاملان ولا يتنافسان، ونعتبر أن من يريد الفصل بينهما إنما يريد إضعاف لبنان، لأنه يعلم أنه في هذه المرحلة على الأقل، لا قدرة لأن يكون أحدهما في الموقع الأساس، ولا قدرة للجيش اللبناني أن يقوم بكل الدور المطلوب، ومن الطبيعي أن يكون الشعب حاضناً لجيشه، والمقاومة من هذا الشعب، وبالتالي هذه الحضانة هي مسؤولية وليست أمراً زائداً أو إضافياً لنرفضها، نحن نؤكد على التلاحم بين المقاومة والجيش والشعب في مواجهة الاستحقاقات المختلفة.

نحن اليوم أمام تحديات كثيرة، لكن أطمئنكم أن هذه التحديات بسيطة أمام ما مررنا به من تحديات قديمة، على الأقل هناك متغيرات في موازين القوى في لبنان على المستوى السياسي، وانتقلت جهات من طرف إلى طرف آخر، وتحطمت أسطورة الوصاية والهيمنة الأمريكية، وأُقفلت بوابة الشرق الأوسط الجديد من لبنان، وفُتحت بوابة المقاومة القوية والجيش العزيز المنيع والشعب الصامد، وبالتالي هذه الثلاثية هي الآن محط الأنظار وهي التي تكوِّن مستقبل لبنان العزيز الكريم .