ما حدث أخيراً في اعتداء إسرائيل على الجيش اللبناني في الجنوب إنما عبَّر مجدداً عن النوايا العدوانية الاسرائيلية، وعن المحاولات المتكررة من أجل السيطرة على أرضنا وعلى حقوقنا، وقد كانت إسرائيل تستهدف من خلال عدوانها على الجيش اللبناني أن تحقق هدفين: الأول تعطيل دور الجيش في المواجهة، والثاني اختبار معادلة فرض الأمر الواقع لتدخل إلى الأرض ساعة تشاء وتقضم منها ما تريد، وتحقق أهدافها بشكل تدريجي من دون رادع، لكن إسرائيل فوجئت ببسالة وعطاءات الجيش اللبناني قيادة وضباطاً وعناصر، بطريقة تُثبت مجدداً أن الجيش في الموقع الوطني الأول للدفاع عن الأرض ولا يمكن أن يقبل أن تنتهك إسرائيل حدودنا ولو لقطع شجرة أو لبضع أمتار من الأرض، وهذه نقطة مضيئة وهي ليست جديدة على الجيش اللبناني، فهو الذي قدم التضحيات في معركة مليتا وجبل الرفيع في سنة 97، وهو الذي قدم التضحيات في عدوان تموز سنة 2006، وهذا المسار اليوم هو جزء من عقيدة الجيش الوطنية التي حسمت خيارها وأصبحنا أمام تكاتف حقيقي مع الدفاع عن الأرض وكرامة الانسان.
في السابق راهن الاسرائيليون والأمريكيون والغرب على إيجاد فتنة بين الجيش اللبناني والمقاومة، وحاولوا كثيراً، لكن اليوم هم أمام معضلة جديدة وهي أن الشرخ بين الجيش والمقاومة أصبح مستحيلاً، فما كان فكرة في يوم من الأيام لفتنة بين الجيش والمقاومة لم يعد موجوداً حتى كفكرة أو محاولة، لأن تدعيم الدم في عطاءات الجيش والمقاومة على أرض الجنوب وعلى أرض لبنان أقوى بكثير من كل فتنهم، وهذا ما سيؤدي إلى صمود حقيقي دائم بوجه إسرائيل. اليوم حسابات إسرائيل أصبحت أكثر تعقيداً من ذي قبل، بسبب معادلة القوة الثلاثية: الجيش والمقاومة والشعب، هذه المعادلة هي معادلة قوة وليست معادلة تجميع أعداد، وإنما معادلة مسار يأبى إلا السيادة الوطنية، وعمل يأبى إلا الدفاع بقوة السلاح من أجل تحرير الأرض. تحولت معادلة القوة الثلاثية: الجيش والشعب والمقاومة إلى منظومة قيام لبنان المعاصر الأبي والشجاع، والذي يقصده العالم، ويستطيع أن يقف بكل جرأة لمطالبه وقناعاته، لا أن يكون منفِّذاً لمطالبهم وقناعتهم، وأقول لكم بصراحة أن من يرفض المعادلة الثلاثية، معادلة القوة المؤلفة من الجيش والشعب والمقاومة هو خارج عن القرار السياسي للدولة اللبنانية، لأن البيان الوزاري أكد على هذه المعادلة، فمن يرفض هذه المعادلة هو ضد الدولة، والدولة يعبِّر عنها البيان الوزاري، سواء أعجبه البيان الوزاري عندما تمَّت صياغته أم لم يعجبه، وسواء دخل إلى الحكومة خشية أن يخسر مقعداً وهو يرى أن الإجماع الوطني خلاف وجهة نظره، ثم يحاول أن يرمي السهام على معادلة الجيش والشعب والمقاومة هو في الحقيقة ضد مسار الدولة وضد الخيار السياسي للدولة، حتى لو تبجَّح أنه مع قيام الدولة فكيف يكون كذلك وهو يرفض بيانها الوزاري وما اتفق عليه اللبنانيون. وأكثر من ذلك، فالتصويب على المقاومة اليوم هو خدمة مكشوفة لإسرائيل، قصد ذلك أم لم يقصد، حيَّد نفسه عن العلاقة معها أم جاهر بالعلاقة معها، لأن المقاومة جزء من ثلاثي القوة وجزء من عزة لبنان، كيف يمكن لمواطن لبناني شريف أن يقف بوجه قوة لبنان وأن يطلب ضعف لبنان في وجه إسرائيل، وأن يهز بنيان القوة الثلاثية التي تواجه العدو الإسرائيلي. المقاومة اليوم إحدى دعائم قوة لبنان ومن هز هذه الدعامة فهو يهز قوة لبنان ودعامات لبنان، وهو يقف بوجه مكانة لبنان وسيادته واستقلاله وعزته وكرامته، هذا هو الواقع، وهل كانت إسرائيل لتخرج لولا المواجهة معها ومع عملائها؟ هل كانت إسرائيل لتندحر لولا المقاومة والجيش والشعب والتكاتف فيما بينهم؟ هل كانت إسرائيل لترتدع لولا هذه القوة الموجودة في هذه المعادلة الثلاثية؟ إذاً كيف يطلب البعض أن نضعف وأن نتنازل عن مصدر قوتنا؟ بل أقول أن من يبحث اليوم عن الاستراتيجية الدفاعية عليه أن يفهم جيداً بأننا نعمل من ضمن استراتيجية سياسية وعملية موجودة الآن في لبنان، لا يوجد فراغ سياسي، ونحن نعمل من ضمن استراتيجية دفاعية قررتها الحكومة سياسياً بالمعادلة الثلاثية، وقررها الجيش والشعب والمقاومة بالالتحام بين الجيش والمقاومة في عمليات المواجهة ونصرة الشعب لهذه العمليات، إذاً لدينا اليوم استراتيجية دفاعية مؤلفة اليوم من بيان الحكومة الذي يحدد المسار، وعمل المقاومة والجيش اللبناني، نعم عندما نناقش في هيئة الحوار إنما نناقش إذا كنا نريد كلبنانيين أن نثبِّت الاستراتيجية الدفاعية العملية الحالية أو أن نطور ونعدل فيها بما يؤدي لمصلحة لبنان، لا يوجد فراغ الآن في الاستراتيجية الدفاعية. أما من يُناقش خارج دائرة طائرة الحوار إنما يشوِّش على قوة لبنان ويحاول أن يُعيق تقدم لبنان في مواجهة المشروع الاسرائيلي، ويضر بالسيادة الوطنية خاصة أن لنا استراتيجية دفاعية عملية وسياسية، ونبحث عن تعديها أو تطويرها في هيئة الحوار، وبالتالي لا يوجد فراغ سياسي ليتصدى البعض ويحاول أن يشوِّش على المقاومة أو على الدولة في أدائها وعملها، وأي موقف أشرف من أن تكون المقاومة في خدمة الجيش عندما يحتاجها، وأن يكون الجيش مؤازراً للمقاومة عند تصديها، ليكون التكامل ميدانياً في ساحات الجهاد والمواجهة، بدل كثرة التنظير بأن نكون معاً على الأوراق أو في أدبيات لا تُصرف في كثير من الحالات.
لفتني أن بعض جماعة 14 آذار بدؤوا بنقاش مضمون المؤتمر الصحفي الذي سيعقده سماحة الأمين العام لحزب الله حفظه الله يوم الإثنين في 9 آب عن اتهام إسرائيل، بطرح أسئلة واستفسارات وإثارات وانتقادات وهو لم يتكلم أي شيء بعد حتى الآن، أنا أفهم أن النقاش يحصل بعد عرض ما لدى سماحة الأمين العام، ولكن افتراض ما يمكن أن يقوله والجواب على الافتراض ومحاولة تفنيد الآراء والوصول إلى استنتاجات وهو لم يتكلم بعد، إنما يبيِّن كم أن هؤلاء خائفون من مضمون المؤتمر الصحفي، ليس لدي تفسير إلا أنهم يخافون أن تُتَّهم إسرائيل، يخافون أن تكون الأدلة لديه دامغة إلى درجة أن يُصبح الاتهام محصوراً بإسرائيل، وإلا فسروا لنا لماذا لا تنتظرون؟ يقولون لدينا سؤالاً مشروعاً: لماذا تأخرتم؟ إنتظروا المؤتمر الصحفي واسألوا هناك، وقد يأتيكم الجواب على سؤالكم قبل أن تسألوا، وبالتالي تُحلُّ المشكلة عندما ينعقد المؤتمر، غداً بعد المؤتمر خاصة عندما يجدون أن المؤتمر يشكل علامة دامغة وقوية ومؤثرة يقولون لنا إنما كانت نوعاً من النقاش السياسي والحوار السياسي، فكلما عجزوا يخرجون بتهمة سياسية واستباق سياسي ونقاش سياسي. إذا كان البعض يحاول أن يطرح أسئلة إتهامية ومشككة قبل المؤتمر الصحفي الذي سيتهم إسرائيل بالمباشر، فهذا يعني أنه خائف من مضمون المؤتمر، وخائف أن تُتَّهم إسرائيل، ويريد أن يُحيط المؤتمر بنوع من الإحباط أو بنوع من توهين المؤتمر، لكن كما تعلمون ما اعتلى سماحة الأمين العام منبراً إلا وكانت كلمته الأعلى إن شاء الله في مقابل كل الكلمات الأخرى.
ليكن معلوماً أن حزب الله ليس متهماً باغتيال الرئيس الحريري، لا عناصر من حزب الله ولا حزب الله كحزب، إسرائيل هي المتهمة بحكومتها وموسادها وكل المتوطئين معها، وعلى كل حال سجل إسرائيل في الاغتيالات النوعية موجودة في العالم، فهي التي اغتالت الدكتور فتحي الشقاقي رئيس حركة الجهاد الاسلامي، وهي التي اغتالت المبحوح، وهي التي اغتالت الشهيد القائد الحاج عماد مغنية، إذاً إسرائيل لها سجل حافل باغتيالات نوعية لشخصيات كبيرة، لأنها تعتقد أنها تُحدث تغييراً في المعادلة.
العملاء لا دين لهم ولا طائفة ولا حزب ولا جماعة، العملاء هم بذاتهم أشخاص فاسدون ارتبطوا بإسرائيل، ويجب إعدام من تثبت عمالته من دون شفقة ولا رحمة، ليتعلم الآخرون خاصة أن التساهل في الأحكام القضائية سابقاً شجعت العملاء ليستمروا في عمالتهم، نحن ندعو إلى تصفية كل العملاء الموجودين في ساحتنا لضرب قوة من قوى إسرائيل تعتمد عليها في الاعتداء على اللبنانيين.
أخيراً أجرى معهد أمريكي استطلاعاً للرأي في ست بلدان عربية: السعودية ولبنان ومصر والمغرب والإمارات والأردن، وهناك أسئلة متعددة، ومن بين الأسئلة سؤال يقول: ما هو أخطر شيء على هذه الدول العربية والإسلامية، 88 بالمئة قالوا بأن إسرائيل تشكل التهديد الأكبر، و77 بالمئة قالوا أن أمريكا تشكل التهديد الأكبر، هذا يدل على وجود وعي شعبي عربي إسلامي، يؤشر إلى العدو الحقيقي، وبالتالي يبيِّن أن أمريكا وإسرائيل لا ينفصلان في العداوة لأنهما باتجاه واحد، وأقول لمن يروِّج للعلاقة مع أمريكا، انتبهوا فهناك فرق كبير بين علاقة تُنشئها الدولة مع أمريكا كدولة من الدول بشروط واضحة ومكشوفة، تأخذ بعين الاعتبار مصالح لبنان، وبين أولئك الذين ينغمسون على قاعدة أن أمريكا دولة، لأن العمالة لأمريكا عمالة لإسرائيل، بينما يشرِّفنا أن نكون على علاقة واضحة مع إيران وسوريا لأنهما يدعمان المقاومة وسيادة لبنان وحقنا في الكرامة والحرية، أما أمريكا التي تعمل لتبث الفرقة، فالعلاقة معها عامل شبهة ويتطلب علامة استفهام، ولعلنا في وقت من الأوقات سنتمنى على الأجهزة الأمنية أن تلاحق عملاء أمريكا لأنهم في الوقت نفسه سيكونون عملاء لإسرائيل.