هذه المقاومة حررت لبنان سنة 2000، تحريراً لم تشهده المنطقة منذ احتلال اسرائيل، وكان عنواناً عظيماً من عناوين النصر، ثم استطاعت المقاومة أن تُسقط مقولة قوة الردع الاسرائيلية في سنة 2006، فتمنعه على أسوار مارون الراس وبنت جبيل والخيام والجنوب الصامد، وهذا الشعب الطيب الأبي، في مواجهة أسطورية استطاعت أن تُثبت للعالم بأن لبنان الضعيف قوي بمقاومته وجيشه وشعبه، وهو بذلك يستغني عن كل تلك المنظومة الدولية التي تحاول أن تكون إلى جانب إسرائيل وتخدِّرنا لتأخذ ما تبقى من أرضنا.
هذه المقاومة التي رأيناها لم تعد فكرة أو تجربة للنقاش، بل أصبحت واقعاً ملموساً أثبت جدواه، لو كنا نطرح المقاومة كفكرة كان يمكن أن نسمع نظريات تتحدث عن إمكانية تحقيق إنجازات معينة بالمقاومة أو إمكانية عدم تحقيق الإنجازات، لكن نحن أمام مقاومة أنجزت تحريراً وأنجزت نصراً. على هذا الأساس، إذا قارناَّ نتائج القوة اللبنانية في مقابل الضعف اللبناني في مواجهة المشروع الإسرائيلي لوجدنا أن الخيرات الكثيرة التي حصلنا عليها بقوة لبنان لا يمكن أن تقاس بما كناَّ عليه في حالة الضعف، على الأقل العالم كله اليوم يأتي إلينا محترماً مطالب لبنان ولو غصباً عن البعض، لأنه يعلم أن شعب لبنان لا يطأطئ رأسه، وأن مقاومته قادرة إن شاء الله على حماية هذه الإنجازات.
أعجب من موزِّعي الأوسمة الذين يشكروننا على مقاومتنا قبل سنة 2000، ويقولون بأن وظيفتكم قد انتهت، بالله عليكم من هم هؤلاء موزعو الأوسمة؟ من عيَّنهم ليعطوا شهادات حسن السلوك أو سوء السلوك؟ ما هو تاريخهم الذي يشفع لهم ليكونوا في موقع تقدير المصلحة وقد ذهب لبنان بتقديراتهم الخاطئة؟ لبنان لا زال بحاجة للمقاومة، ولو لم تكن المقاومة موجودة لوجب على اللبنانيين أن يوجدوا هذه المقاومة، فكيف وهي موجودة؟ ومع وجودها وأمام غطرسة العالم وأمام التعقيدات، يجب أن تكون قوية إلى أبعد مدى تستطيع القوة أن تصل إليه، وعلينا أن نعمل ليل نهار لتكون المقاومة عصيَّة على إسرائيل ومن وراء إسرائيل، بهذا نحافظ على استقلال لبنان، وبهذا تبقى كرامتنا موجودة. بكل صراحة، نحن لا نعوِّل على الدبلوماسية فهي طريق الأقوياء لاستجلاب تنازل الضعفاء بتوقيع قهري عند كاتب لا عدل عنده، وهذا يعني أننا بالدبلوماسية سنخطوا خطوات يريدونها لنا، وبما أنهم لا يريدون لنا الخير فلا خير في الدبلوماسية، أما بالمقاومة فهي خطوات نريدها لأنفسنا ولكرامتنا، وهم لا يعرفونها، لذا بإمكاننا أن نتخطى الصعوبات، وفي النهاية نصل دون أن يدروا، فتكون المقاومة قد أعزَّتنا وهم يبحثون في كواليس الدبلوماسية، من دون أن يطوِّقونا بهاماتهم لأن هامات المقاومين وشعب المقاومة أعلى بكثير بإذن الله تعالى. وهنا لمن أراد أن يسمع: لن تهزَّنا اعتراضات البعض على المقاومة لأننا نمثِّل أكثرية موصوفة في الشعب اللبناني، وقد رأينا في الفترة الأخيرة من كل القوى السياسية موالاةً ومعارضة كيف اجتمعوا مجدداً حول المقاومة، وكذلك على المستوى الرسمي، وهذه حصانة مهمة تُضاف إلى حصانات المقاومة الذاتية، ولذا فالمقاومة مطلب وستستمر إن شاء الله تعالى. ما نستطيع أن نعد به في إطار المقاومة لمن يريد أن يعرف مستقبلها، فنحن سنجعلها أقوى وأقوى وأقوى حتى تعجز إسرائيل عن التفكير بالاعتداء على لبنان، وليس مجرد التفكير بموازين الربح والخسارة، فإذا كان البعض يخاف من قوة المقاومة فنحن حاضرون لطمأنته ولشرح التفاصيل له، أما إذا كان الموقف موقفاً عصبياً لا يقبل النقاش فنقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، ولكننا لن نتنازل عن هذا الخط وعن هذا الاتجاه، وأنا أتحدى هؤلاء جميعاً أن يدلُّوني على إنجازٍ واحد للمقاومة لم يكن لمصلحة لبنان، كل إنجازات المقاومة لمصلحة لبنان، البعض يقول بأننا نقاتل نيابة عن الدول العربية، هذا غير صحيح فنحن لا نقاتل نيابة عن أحد، نحن نقاتل نيابة عن أنفسنا، والكل فيهم خير إن شاء الله، فالفلسطينيون يقاتلون عن أنفسهم، والعرب فيهم خير ويقاتلون عن أنفسهم، لكن طبعاً عندما ننجح في قتالنا ودفاعنا ونحرر أرضنا ستنعكس هذه الخيرات التي حصلنا عليها على الآخرين، فهنيئاً لهم بخيرات المقاومة كما استفدنا منها، وليمت أولئك الآخرون بغيظهم لأنهم خسروا بسبب هذه المقاومة. وهنا أؤكد بأن مصلحة لبنان أن يكون قوياً بمقاومته وشعبه وجيشه، هكذا ينجح وهكذا يجب أن يكون.
لقد سمعتم في الآونة الأخيرة عن الفضيحة الاسرائيلية الكبرى التي حصلت باغتيال الشهيد المبحوح في دبي، اليوم هناك خمس دول عليها أن تُجيب عن تساؤلات كبيرة جداً ومعقدة: دبي، بريطانيا، إيرلندا، فرنسا وألمانيا، ماذا ستفعل هذه الدول على المستوى العالمي مع إسرائيل المدانة بالاغتيال بالصوت والصورة والدليل القطعي، هل ستمرُّ هذه الحادثة من دون موقف دولي؟ سننتظر لنرى ماذا ستفعل الدول الأوروبية، ولكن أصبح علينا في لبنان والمنطقة أن نلتفت بأن حاملي الجوازات الأوروبية قد يشكِّلون خطراً على لبنان، وهذا يتطلب إجراءات خاصة لحماية الشعب اللبناني، كما هي مسؤولية باقي الدول في أن تحمي شعوبها، طالما أن الإسرائيليين يتسلَّلون إلى هذه الجوازات من دون أن يتحملوا أي مسؤولية، ولذا بحسب ما ستتصرف هذه الدول ستكون النتيجة التي سنتعامل معها.
الحمد لله أننا وصلنا إلى هذا الموقع المهم، ومع ذلك نحن حاضرون أن نناقش الاستراتيجية الدفاعية في جلسات الحوار، وإذا كان البعض يريد أن يُناقش الاستراتيجية الدفاعية عبر وسائل الإعلام، نقول له أننا سنسمع صراخك ولكن لن نردَّ عليك، لأن استراتيجية دفاعية موزونة تتطلَّب جلسات هادئة لا تصريحات إعلامية بهلوانية. إضافة إلى ذلك سنُعطي الأولوية لقضايا الناس، لأن علينا أن نُعالج شؤونهم، نحن دعمنا حكومة الوحدة الوطنية ودعونا إليها، وسنعمل بكل جهد لإنجاحها، من مصلحتنا أن يأخذ الناس حقوقهم وأن يكون لبنان مرتاحاً، وأن يعالج بعض قضاياه، وبالتالي علينا أن نكون واقعيين وموضوعيين، حصلت تطورات كثيرة خلال السنوات الخمس الماضية، وقد تبيَّن أن ما اخترناه كان صحيحاً بالدليل والبرهان، وعلى الآخرين أن يُعيدوا النظر لمصلحة هذا الشعب، وستبقى المقاومة إن شاء الله تعالى لتحقيق هدفين كبيرين: الأول تحرير ما تبقى من أرض محتلة، والثاني حماية لبنان من الخطر الإسرائيلي الداهم، وبالتالي هذه الرؤية هي رؤية منطلقة من إيماننا بقوة لبنان بجيشه وشعبه ومقاومته.