من كان يقول في فترة من الفترات أنه إذا حصلت حلول في المنطقة وأن تنسحب إسرائيل وأن تنتهي المشكلة الصهيونية، هذا يعني أن هذه الجهة(المقاومة) لا يعود لها وجود، هذا التفكير ساذج، لأن هذه الجهة ليست موجودة بفعل الظرف وإنما موجودة بفعل المبدأ، والمبدأ لا يتوقف ولا ينتهي حتى ولو تغيرت الظروف، نعم الحكمة أن نعرف كيف نتصرف في الظروف المختلفة بما يتلاءم مع إيماننا ومع قناعاتنا، وهذا ما فعلناه وهذا ما تمكنا منه بحمد الله تعالى.
اليوم نحن في لبنان عانينا كثيراً من الأوضاع المعقدة والصعبة التي كانت موجودة، ولكن الحمد لله قطعنا مسافات وظروف وتعقيدات واستطعنا أن نصل إلى مرحلة جديدة نعيشها، هذه المرحلة الجديدة هي نتيجة معاناة صعبة ومعقدة استمرت لخمس سنوات، ونستطيع أن نقول أن لبنان اليوم يعيش في أحسن حالاته بعد خمس سنوات من المعاناة والتعقيدات والظروف الصعبة، ونحن مرتاحون كحزب الله من النتائج التي وصلنا إليها في هذه المرحلة، ونعتبر أن الخيارات التي اتخذناها كانت خيارات ناجحة أثبتت جدواها بعد أن أثبتت صمودها أمام التحديات وأمام التعقيدات المختلفة.
من هنا المصالحات التي تجري سواء على مستوى حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي، أو على مستوى الحزب التقدمي الاشتراكي والتيار الوطني الحر، أو في أي موقع من المواقع هي مصالحات جيدة وإيجابية وضرورية، ونشجع عليها وعلى غيرها أيضاً، ونعتبر أن المشاركين فيها هم شجعان وهم الذين استطاعوا أن يتجاوزوا تعقيدات الماضي سواء أصابوا أو أخطأوا، فالمهم أننا في هذه المرحلة نطوي صفحة ماضية فيها الكثير من السلبيات، لنفتح صفحة مقبلة فيها الكثير من الإيجابيات. المشاركون في المصالحات يعملون لمصلحة لبنان، وهذا ينسجم مع خياراتنا التي أكدنا عليها دائماً، كنا دائماً ندعو إلى الوحدة الوطنية وإلى الوفاق وإلى الاهتمام بأن يكون لبنان حراً عن الوصاية الأجنبية والحمد الله النتيجة التي وصلنا إليها اليوم هي في هذا الاتجاه.
علينا الاستفادة من هذه المرحلة، علينا أقصى الاستفادة من هذه المرحلة، وأعتقد أن أصوات الفتنة اختنقت، ودعاة القلاقل فشلوا، وأصحاب المفرقعات السياسية قد ملَّت الناس منهم وأصبحت أصواتهم بلا جدوى، ولذا فإن الفرصة متاحة لأن نستفيد من هذا الجو لنعمل على أمور أربعة أساسية:
الأمر الأول: أن نوجد الحراك السياسي النافع في داخل البلد، الذي يعالج القضايا الأساسية، ويحدِّد موقع لبنان من التطورات المحيطة فيه، ويعالج دور لبنان السيادي والمستقل.
الأمر الثاني: العمل للنهوض الاقتصادي والاجتماعي، وحل مشاكل الناس المختلفة، والعمل من أجل إيجاد جو تكافل وتضامن يساعدنا في أن نخفف من أزمات الناس وقضاياهم.
الأمر الثالث: أن نلتف حول المقاومة تأييداً ودعماً وتقويةً من أجل أن يبقى لبنان قوياً، فقد اثبتت التجارب أن قوة لبنان تمكنه من حماية نفسه ومن المحافظة على استقلاله.
الأمر الرابع: أن نتابع المسار في تعزيز العلاقات اللبنانية السورية، لأنها تحصِّن لبنان وتدفع لعدم استخدامه كساحة كما يريدون الكثيرون.
إذا سرنا في هذا الاتجاه يعني أننا نتقدم خطوات إلى الأمام، وهنا المراجعة ضرورية على كل العاملين على الساحة، أن يراجعوا ما حصل خلال خمس سنوات، وبالتالي لن ينتفع أولئك الذين يصرون على النجاحات في مواقع الفشل الدامغ، بل عليهم أن يقتنعوا بأن المحاولة قد تنجح وقد تفشل، ونحن الآن في مرحلة جديدة علينا أن نتعامل بإيجابية معها.
لا بدَّ من توجيه تحية للرؤساء في لبنان الذين استقبلوا الوفد الأمريكي برئاسة ماكين بمطالب واضحة وصريحة، عندما طالبوا الأمريكيين بإلغاء قرارهم بتفتيش اللبنانيين بطريقة مهينة في المطارات، أو بقرارهم الذي يريدونه من أجل منع القنوات الفضائية اللبنانية وهذا اعتداء على حرية الرأي في لبنان، أو في المطالبة التي حصلت لمنع الخروقات الإسرائيلية المتكررة للقرار 1701، أخفيكم بأننا شعرنا بأن المسؤولين في لبنان في هذه المرة بالتحديد كانوا سياديين بكل ما للكلمة من معنى، بصرف النظر عن الجواب الذي أعطاه ماكين، كنا دائماً نلتقي المسؤوليين الغربيين والأمريكيين وكانوا يعطوننا النصائح، أمَّا اليوم سمعوا منّا كلبنان الدولة المستقلة ذات السيادة مرفوعة الرأس، التي لها مطالب قبل أن يكون للآخرين مطالب، ومطالبنا محقة، بينما مطالبهم مطالب سيطرة وعدوان، فتحية للرؤساء الذين قاموا بهذا الجهد، وبرَّزوا هذه المواقف التي أشعرت اللبنانيين بعز وموقع اقتدار.
إنَّ ما يحصل اليوم في غزة من اعتداءات على الفلسطينيين، من قتل لبعض العناصر والأفراد، وكذلك من الاعتداء على المقدسيين، سواء في هدم بيوتهم أو حرمانهم من أبسط حقوق الحياة، فإننا نرى هذه الاعتداءات محاولة بصرف النظر عن الإخفاقات الإسرائيلية في مسار العمل لمصلحة إقامة الدولة الفلسطينية، وبالتالي هذا إلهاء كي ينصرف الناس إلى الحديث عن الشهداء وعن الحوادث التي تجري في غزة بدل الحديث عن مسؤولية إسرائيل في تعطيل حياة الناس وفي التعقيدات التي تجريها في فلسطين المحتلة. لو كان مجلس الأمن أو الدول الكبرى لديهم ذرة من الأخلاق ولديهم ذرة من المقاومات الإنسانية التي يدَّعونها لقرروا شن حربٍ على إسرائيل من أجل إلزامها بإعادة الحقوق إلى أصحابها الفلسطينيين، ولكنهم متواطئون وبتواطئهم خسروا هذا الموقع، ولو أجروا استفتاءاً في كل العالم العربي والإسلامي بل والمستضعف فسيرون أن مكروهيتهم كبيرة، لأنهم لم يكونوا منصفين ولم يطبقوا العدالة ويستغلون قوتهم، إلاَّ أننا نعلم أن قوة الضعفاء مع الحق هي التي ستنتصر في نهاية المطاف.