الموقف السياسي

الكلمة التي ألقاها في اللقاء التضامني مع المسجد الأقصى الذي دعا إليه تجمع العلماء المسلمين في 6/10/2009

المقاومة كانت الحل الذي حفظ فلسطين حتى الآن، وهي الحل الذي سيحرر فلسطين

الكلمة التي ألقاها نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في اللقاء التضامني مع المسجد الأقصى الذي دعى إليه تجمع العلماء المسلمين بحضور حشد من الفعاليات الدينية والحزبية، حيث كانت كلمة لنائب رئيس المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى ألقاها المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، وكلمة تجمع العلماء المسلمين ألقاها رئيس مجلس الأمناء في التجمع سماحة الشيخ أحمد الزين، وكلمة الفصائل الفلسطينية ألقاها ممثل حركة الجهاد الاسلامي في لبنان أبو عماد الرفاعي، كما تُليَ البيان الختامي.

ومما جاء فيها:

القدس تعبير عن مركز الوحي الإلهي على الأرض، والقدس هداية الانسانية في أعلى تجلياتها، وعندما نقف مناصرين للقدس فإننا لا نقف من أجل حبات تراب موجودة في الأرض المقدسة، وإنما من أجل كرامة الانسان وحضوره ومعنوياته على هذه الأرض، ولذا القدس تعني كل مسلم ومسيحي ويهودي وإنسان وحر على وجه الأرض، سواء أعاد إلى الرسالات السماوية أو خلقه البشري،وبالتالي تعتبر القدس بالنسبة إلينا مقدسة بوجودها جميعاً، أكانت أرضاً أو إنساناً أو مقدسات، ومن واجبنا أن نقف معها، لأن من لم يقف مع القدس لن يقف مع إنسانيته ولن يقف مع الحق والعدل، ومن ظلم القدس هو الظالم حقًّا على مستوى المعمورة، وبالتالي لا أمل للظالمين بالقدس وكل الأمل بالمجاهدين والأحرار وعلى رأسهم أهل القدس والفلسطينيون الشرفاء الذين قدموا لهذه البقعة الشريفة الطاهرة.

اليوم تمر القضية الفلسطينية بمرحلة خطيرة جداً، لأنها تخضع لخطة أمريكية إسرائيلية ثلاثية الأبعاد: أولاً تطرح أمريكا مقترحات صورية لحل المشكلة الفلسطينية تتمثل بعناوين برَّاقة لا مضمون لها ولا أثر لها، فحل الدولتين أغنية تُطلق في ساح المجتمع الدولي، ولا تعبير عمليَّ لها، واللقاء الثلاثي مسرحية مدروسة لإطلاق مفاوضات وهمية لا وجود لها لا على الورق ولا في الواقع الميداني، والحديث عن أولوية القضية الفلسطينية حديث لذرِّ الرماد في العيون، والحوار الذي تحدث عنه أوباما هو حوار الطرشان، من أجل أن يزيد العرب ومن معهم طرشاً، فيمرِّر ما يريد دون أن يسمعوا ودون أن يرَوا ودون أن يعترضوا، ولذا لا توجد مقترحات حقيقية على المستوى الدولي للقضية الفلسطينية وإنما تمرير وقت. ثانياً، إن المسَّ بالقدس وترك المجال أمام إسرائيل للتوسع في المستوطنات هي محاولة لصرف الأنظار إلى قدس الأقداس حتى يترك الفلسطينيون ومن معهم كل شيء، فتصبح القضية حفريات في القدس ومسألة البيت، وتنتهي قضية فلسطين على قاعدة أن القضية هنا في الحفريات، هذا أسلوب من أساليب الضرب على المقدس حتى إذا تقدم خطوات استطاع الاسرائيلي أن يُنهي القضية الفلسطينية طالما وُضعت التفاصيل الأخرى على الرفِّ. ثالثاً، عملت أمريكا على تهميش القضية الفلسطينية بإبراز قضايا أخرى أعطتها أولوية في المنطقة كقضية النووي الإيراني، وقضية أفغانستان وقضية العراق وقضايا البيئة، على قاعدة أن تصبح القضية الفلسطينية في آخر السلَّم، لتقول أمريكا بأن قضايا العالم الكبرى كثيرة ولها أولوية، وهذا يعني محاولة من محاولات إلغاء هذه القضية والمؤثرة والأولى في الشرق الأوسط والعالم. نحن متنبِّهون تماماً، والمسلمون والمجاهدون والواعون وأصحاب الحركات الوطنية في فلسطين وخارجها يعلمون تماماً هذا المخطَّط، وأقول بالفم الملآن: لا يوجد تسوية في المنطقة وإنما إملاءات، ولا يوجد مفاوض فلسطيني وإنما تنفيذ أوامر ومخططات، ولا معنى لحل الدولتين لأنه حلٌّ لشرعنة إسرائيل، والحل الوحيد الذي نعرفه هو الدولة الفلسطينية من البحر إلى النهر غير منقوصة أبداً وعلى رأسها القدس الشريف، وبالتالي عندما نطرح رؤيتنا نعلم أن هناك تآمر دولي لرؤية مخالفة، ولكننا نحمل الأمر ونعلم بعدم توازن القوى بين المقاومين والمجتمع الدولي المتآمر مع كل من معه، لكن أمامنا تجربة ماثلة أمامنا، وهي مرور واحد وستين سنة على الاحتلال الرسمي الاسرائيلي سنة 1948، ولم تستطع إسرائيل مع كل الحشد الدولي سياسياً وعسكرياً وثقافياً وظلماً وإرهاباً واعتداءً أن تتشرعن هذه الدولة الاسرائيلية الغاصبة وهذه الغدة السرطانية المفتعلة، وهذا يعني أن من أوقف المشروع الاسرائيلي واحد وستون سنة يستطيع أن يستمر بإيقافه تمهيداً لتسديد ضربات قاضية له إن شاء الله، ذلك أن منطق التاريخ وسنن الله تعالى على الأرض أن لا يستمر الظلم، ومع وجود أبطال شرفاء شجعان من أبطال المقاومة في فلسطين ولبنان وفي مناطق العالم، فإن أملنا كبير في أن يحصل إنجازات كثيرة، كما هربت إسرائيل من لبنان سنة 2000 وكما انتصرنا عليها سنة 2006 وكما صمدت غزة في سنة 2008، هذا يعني أن بإمكاننا أن نراكم هذه الانتصارات مع حقوقنا المشروعة ومع تسديد الله تعالى، "أُذن للذين يقاتلون بأنهم ظُلموا وأن الله على نصرهم لقدير"، هذا الأمر يحدونا أن نستمر في الميدان، وأن نثقَ بأن النصر لنا إن شاء الله تعالى ولو بعد حين، لكن علينا أن نبقى وأن نصبر ونستمر بإذن الله تعالى.

نحن اليوم أمام تقرير دولي، يتحدث عن جرائم إبادة بحق الانسانية وعن جرائم حرب ارتكبتها اسرائيل في غزة، وهذا التقرير بمضمونه ليس استثناءً لأن إسرائيل ترتكب جرائم الحرب منذ 61 سنة وحتى الآن، وترتكب الإبادة يومياً، لكن قيمة هذا التقرير أنه اعتراف دولي، وهذا الاعتراف الدولي لم يكن ليحصل مع كل هذا التآمر الدولي إلا لأن الأمور وصلت إلى درجة لم يعدْ يتحمَّلها حتى المناصرون لإسرائيل، لقد وصلت إلى عمق الوجدان البشري إلى درجة أن يصدر مثل هذا الكلام. إن تأجيل التقرير تضييع للحق الفلسطيني، ولا مبرر له لا سياسياً ولا دينياً ولا أخلاقياً ولا فلسطينياً مهما كانت المبررات، وبالتالي يجب أن يبقى الصوت مرتفعاً لنُشير إلى جرائم إسرائيل، هل تعلمون أن واحدة من مشاكلنا: أننا نستمع إلى تصريحات أمريكا وإسرائيل، ويضعون لنا مفردات، فنتلهى بمصطلحاتهم ومفرداتهم، رموا لنا مفردة حلِّ الدولتين، فبدأ العالم كله يُناقش إذا كان هذا مناسب أو غير مناسب، فنسينا القضية الفلسطينية، علينا أن نطرح فكرتنا وأن نُبقيها حاضرة في كل يوم وفي كل محضر وكل نقاش، أقترح على هذا اللقاء الكريم أن نبدأ حملة دولية، ترفع شعاراً واحداً أساسياً يُستخدم دائما في كل مفرداتنا، مهما كانت خطبنا ومهما كان موقفنا وعناويننا، بأن إسرائيل المجرمة الدولية المنتهكة لحقوق الانسان، والمرتكبة لجرائم الحرب، هي العدو الأول في فلسطين وفي داخل بلداننا وعلى مستوى العالم، وعلى العالم أن يفضح إسرائيل وأن يذكر جرائمها، أن يذكِّر الناس دائماً بما فعلته في قانا وفي غزة وفي الخليل وفي القدس وجنين وفي كل موقع من المواقع، ليسمع الناس ليل نهار بأن إسرائيل غاصبة ومعتدية، صدقوني أنه عندما يضجُّ العالم بهذه الكلمات وهذه المواقف فإن ريح إسقاط إسرائيل تبدأ بالكلمة وتنتهي بضربة المقاومة إن شاء الله تعالى، ولكنها لن تبقى حرة تفعل ما تشاء.

نحن اليوم أمام مسؤولية كبرى ترتبط بالمصير والمستقبل، إسرائيل زُرعت في منطقتنا ليس من أجل فلسطين، وإنما من أجل العرب والإسلام، ومن أجل كل خيرات المنطقة، إسرائيل زُرعت لتكون فزاعة يستخدمها الغرب عندما يريد من أجل أن يقهرنا، وأن يمنعنا من التفكير وأن يستثمر طاقاتنا وقدراتنا وإمكاناتنا. أيها العرب، إسرائيل تريد كل شيء ولا تريد فلسطين فقط، أوقفوها عند بوابة فلسطين تحموا بلدانكم وتحرروا فلسطين، ولكن إن تركتموها وتواطأتم معها وسكتُّم عليها ولم تنطقوا، فاعلموا أن عروشكم مهددة، لن يبقى واحد منكم على عرشه، لأن إسرائيل عدوانية وتوسعية، من أراد أن يحمي البلاد العربية والاسلامية عليه أن يحمي فلسطين، ومن أراد أن يكون صاحب موقف وكلمة، وصاحب شرف وكرامة وأرض، ويريد أن يجعل الأجيال تعيش بكرامتها عليه أن يقف مع فلسطين ومع الفلسطينيين. أيها العرب، أعطوا فلسطين الكلمة والموقف ولا نريد منكم لا المال ولا السلاح، أعطوها الموقف الإيجابي فقط، ولا تتآمروا عليها، وهي مسؤولية الجميع. وهنا نحن نعتبر أن الخلاف الفلسطيني الفلسطيني مؤامرة إسرائيلية لا مبرر لاستمرارها، ومن يسعى لعدم حلِّ الخلاف هو إسرائيلي مهما كان لباسه، ومن يعمل لحل الخلاف يسير على الطريق الصحيح من أجل أن نكون موحدين.

ليكن واضحاً أنه في قناعتنا لا بديل عن المقاومة، استعداداً وعملاً واستمراراً، فهي كانت الحل الذي حفظ فلسطين حتى الآن، وهي الحل الذي سيحرر فلسطين إن شاء الله تعالى. ولا ننسى في هذا المقام أن نوجه التحية الكبيرة للشعب الفلسطيني المجاهد المعطاء، وللمجاهدات المحررات، وللذين قدموا لهذه القضية الكبيرة، واعلموا أننا معكم إن شاء الله، وأن من كان مع الله تعالى لا يُبالي، وإن شاء الله يكون النصر قريباً، "إن تنصروا الله ينصركم ويثبِّت أقدامكم".