ومما جاء فيها:
نحن دعاة الوحدة، نحن لا نخاف من الوحدة لأننا أصحاب المنطق وأصحاب الحق وأصحاب الدين، الذي يخاف من الوحدة هو الذي يعتقد أنها تأكله، وطبعاً الوحدة تأكل الباطل وتسقطه، الوحدة تمنع الانحراف، الوحدة تمنع التقاتل، الوحدة تجعلنا أقوياء ببعضنا البعض، ولذلك هذا الموضوع أساسي عند أمير المؤمنين علي(ع) ونحن نلتزم به.
اليوم ترون في الساحة اللبنانية ضوضاء بلا فائدة، تصريحات عنترية لا معنى لها إلاَّ في الصحراء، أي لا يسمعها أحد، شتائم وإثارة للمشاعر المذهبية والطائفية بطريقة مقيتة، ونحن نواجه هذه التحديات بالحكمة والموعظة الحسنة والعمل والصبر ومد اليد، لأننا في نهاية المطاف نريد أن نعمر بلدنا، ولو أراد البعض أن يخربه، ونريد أن نتعاون مع كل الأفرقاء الذين يعيشون على أرضٍ واحدة، ولو حاول البعض أن يستأثر بالأرض والمكتسبات، ونريد أن نحمي بلدنا من الأغيار ومن المحتلين ولو مدَّ البعض يده إلى إسرائيل وأمريكا ومن معهما، لن نتعب في الخط الوطني المقاوم المستقل والسيد الحر، مهما كانت الصعوبات ومهما كانت العقبات، إن حرضوا فسندعو إلى الألفة، وإن شتموا سنقول لهم: سلاما سلاما، وإن حاولوا إثارة المشاعر المذهبية فسنعمل للوحدة ليل نهار مع كل المخلصين الذين يعملون لها.
في الآونة الأخيرة دعا رئيس الجمهورية إلى طاولة الحوار، وسارعنا إلى الموافقة للمشاركة في طاولة الحوار، ولكن البعض بدأ يضع الشروط، ويريد تحقيق بعض الإنجازات كشرط للمشاركة في طاولة الحوار، ولكن هذا يعني أنهم لا يريدون الحوار ويريدون تفريغ أي حالة تفاعلية وتعاونية بين اللبنانيين من محتواها، لو كانت الحلول متحققة وموجودة لما كان الاختلاف عميقاً كما نراه، ولو كانت الآليات المعتمدة في البلد تساعد على معالجة شؤوننا بحيث نكون موحدين لما احتجنا إلى حوار ولا إلى طاولة حوار، إذاً طاولة الحوار هي حل، حل لنسمع بعضنا بعضا، وليتحدث كل منا عن هواجسه بهدوء في قاعة مغلقة، لنتصرف من دون ضجيج أو تحريض وبعيداً عن الاستعراض الإعلامي وإثارة غرائز الناس، هناك على الطاولة الحجة مقابل الحجة، وعلى الطاولة يقترب الناس من بعضهم فتتقرب القلوب ويصبح للكلمة معنى وللاتفاق إمكانية.
لا أخفيكم أني استغرب لماذا يخاف جماعة 14 آذار من الحوار؟ ولماذا يرتعبون من الحوار؟ ولماذا يرفضونه ليل نهار بحجج واهية؟ إذا كانت عندكم مطالب تعالوا إلى طاولة الحوار لنتحدث عن مطالبنا ومطالبكم ونتفق ونرى قواسم مشتركة إن شاء الله تعالى، بالحد الأدنى طاولة الحوار تقرب القلوب ولكن التراشق عبر الإعلام وعبر التحريض هذا لا ينفع شيئاً بل يؤدي بالبلد إلى المزيد من المشاكل.
وقد عرض سماحة الأمين العام السيد حسن نصر الله فكرة انعقاد مؤتمر وطني للحوار، أوسع من طاولة الحوار، ويختلف في شكله وصيغته عن طاولة الحوار، يعني المؤتمر الوطني ليس بديلاً عن طاولة الحوار، هذا شكل آخر من أشكال الحوار، وطرح الفكرة على قاعدة إن رغبتم وإن وافقتم وإن وجدتم أن هذا الأمر مناسب نجتمع ونطرح ما نريد، فجأة يرفضون مؤتمر الحوار شكلاً ومضموناً، ويناقشون برفض مضمونه مع أن سماحته لم يتكلم بأي مضمون، قالوا: لا، هذا المؤتمر فيه مثالثة ونحن نرفض المثالثة. من قال أن فيه مثالثة؟ قالوا هذا المؤتمر يريد أن يغلب فئة على فئة أخرى! من قال ذلك؟ أليست لكم أصوات تتكلمون من خلالها وآراء تعرضونها، ألا تثقون بأنفسكم أن تواجهوا الأطراف الأخرى بآرائكم وقناعاتكم؟ هم لا يريدون المؤتمر لأنه سيغير بنية النظام اللبناني، قولوا في المؤتمر إنكم تقبلون التغيير أو ترفضونه، أبدوا آراءكم، لم يحصل أن وضع برنامج عمل للمؤتمر، فقط فكرة المؤتمر رفضوها ووضعوا برنامج عملها، ورفضوا نقاط برنامج العمل الذي وضعوه، فقط لأنهم لا يريدون الحوار، كانوا في السابق يعتبون علينا أنه في إحدى الخطب في مكان ما في زاوية ما، مرت عند مسؤول من مسؤوليهم كلمة حوار، ولم تكن لا مسموعة ولا مفهومة، فكانوا يقولون: لماذا لا يقبل الطرف الآخر بالحوار! لكن عندما طرح رئيس الجمهورية الحوار وطاولة الحوار، ثم طرح سماحة الأمين العام فكرة المؤتمر الوطني الواسع للحوار، رفضوا لأن الحوار يحشرهم في الزاوية، ويضعهم أمام مسؤولية إقناع الطرف الآخر، وتقديم الأدلة والمشاركة والتعاون لإقامة لبنان بشكل مشترك.
الأمر الثاني يرتبط بقانون الانتخابات، الحمد لله هناك حركة من بعض وزراء الحكومة بالتعاون مع رئيس الحكومة ورئيس الجمهورية لتفعيل العمل الحكومي ولتجاوز العقبات ولتقدم هذه الحكومة بعض الإنجازات التي طال إنتظارها، وإن شاء الله يتمكنون من تحقيق بعض الإنجازات لتستمر هذه الحكومة في عملها، وتسقط مراهنات الآخرين الذين يريدون إدخال البلد في المجهول، أعتقد أن أهم موضوع تتحمل الحكومة مسؤوليته في أقرب وقت أن تضع على جدول أعمالها قانون الانتخابات، لتناقش هذا القانون، والواضح أن الاتجاه العام لممثلي هذه الحكومة هو اتجاه قانون النسبية، إذاً ما المانع أن تجتمع الحكومة وتقرر قانون النسبية، ثم ينتقل بعد ذلك إلى المجلس النيابي وليأخذ المجلس النيابي قراره كما أخذت الحكومة قرارها. لماذا ندعو إلى النسبية؟ لأنها تنصف الجميع، لماذا يخافون من النسبية؟ لأنها توقف المحادل، ولأنها تعطي لكل ذي حقٍ حقه، وهم لا يريدون ذلك، النسبية تعني أنه أي مجموعة تستطيع أن تختار نائباً بقدرها ويأتي هذا النائب إلى المجلس النيابي ويمثلها، ففي منطقة فيها ثمانية نواب، وصوت 55% إلى طرف و45% إلى الطرف الآخر، يعني جماعة الـ 55% لهم 5 نواب، وجماعة الـ 45% لهم 3 نواب، فعندها الجميع يكونون ممثلين، أما في النظام الأكثري فلو حصلت جهة على 50.01% والجماعة الثانية حصلت على 49.99%، كل الأصوات التي هي أقل من 50% لا قيمة لها ولا تمثيل لها ولا حضور لها، هذا النظام لا يعطي الناس حقوقهم. نحن ندعو إلى الانتخابات على قاعدة النسبية، بحيث يمكن أن تمثل الأطراف في داخل الحكومة بنسبة تمثيلها في داخل المجلس النيابي، عندها ننسجم أكثر مع الديمقراطية التوافقية التي تعترف بجميع الطوائف وجميع المكونات وجميع الأحزاب وجميعهم يشاركون في الحكم. هذه فكرة تجمع ولا تفرق، إذاً لماذا لا نسير فيها؟
أما النقطة الأخيرة، فلها علاقة بما يجري في طرابلس وفي الشمال عموماً، ما جرى في الآونة الأخيرة من إحراق بعض المتاجر التي لأصحابها عنوان مذهبي معين هو أمرٌ خطير جداً، وخطوة على طريق تسعير الفتنة الطائفية من قبل خفافيش الليل الجبناء، الذين يحرقون ويقتلون ثم يختفون، ولا يتجرأون أن يظهروا إلى العلن، هؤلاء القتلة يخدمون إسرائيل، ونحن نطالب الدولة اللبنانية أن تحقق وأن تتعرف عليهم وأن تعاقبهم أشد العقوبات، لأن من حق طرابلس والشمال عموماً أن يكون آمناً وأن يعيش الناس مع بعضهم كما كانوا، وأن لا تكون هناك لا إثارة مذهبية ولا طائفية، ولا محاولة فرض أفرقاء على أفرقاء آخرين أي موقف سياسي أو أي موقف عملي. نعم هنا يجب أن ننتبه، يتحمل السياسيون مسؤولية كبيرة في هذا الشأن، لأننا يجب أن لا ننظر إلى النتائج، علينا أن ننظر إلى من أوصل إلى هذه النتائج، اعلموا أن التحريض الطائفي والمذهبي سيجعل العابثين يخوضون في لعبة إسقاط الوطن ووحدته، واعلموا أن الخطاب التحريضي يؤدي إلى نتائج سيئة على الجميع، علينا أن نلتفت، نحن بحاجة إلى خطاب وحدوي، وبحاجة إلى أن نطمئن بعضنا بعضاً، وأن نرفع التحريض المذهبي والطائفي من الساحة، لمصلحة أن نجتمع لما فيه مصلحة هذا البلد، فأمامنا تحديات كبرى إقليمية ودولية تحيط بنا من كل جانب فضلاً عن التحدي الذي تمثله إسرائيل التي تتربص بنا الدوائر والتي خربت المنطقة بأسرها بسبب مشروعها التوسعي والعدواني.