أنتم ترون الوضع الدولي المرتبك، وأمريكا تنتقل من فشلٍ إلى فشل، ومهما حاولت أن تغطي على فشلها فهي عاجزة. في أفغانستان اعتبروا أنهم اتخذوا قراراً جديداً بعد بوش بزيادة عديد القوات الأمريكية، وإذ بهم اليوم يقولون أنهم بحاجة إلى المزيد وإلاَّ خسروا وهم خاسرون إن شاء الله زادوا أم لم يزيدوا لأنهم محتلون، وراهنوا على فشل الدولة الإسلامية في إيران بسبب الانتخابات الرئاسية، فخرجت إيران أقوى وأصلب وأشد صموداً، وهي الآن تتحدى العالم بتماسكها وتعاون قياداتها تحت جناح القائد المسدد الإمام الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه)، وفي القضية الفلسطينية فرض نتنياهو شروطه وأبرز الحضور العنصري والعدواني لإسرائيل التي لا تأبه بالعالم ولا تستمع إلى أحد، وأنها بهذا التأييد الدولي إنما تزداد غطرسة وعناداً وإجراماً وعنصرية.
اليوم سمعنا عن إنجازً أمريكي يتمثل باللقاء الثلاثي بين "أبو مازن ونتنياهو وأوباما"، تحولت القضية الفلسطينية إلى صورة ثلاثية من أجل إطلاق مفاوضات غير متوازنة، ومن أجل إطلاف مفاوضات فيها كل الضغط للتنازل الفلسطيني والعربي، وفيها كل التأييد للمشروع الإسرائيلي مع امتداداته في الاستيطان وفي التوسع، بكل وضوح "أوباما" يعمل على نحر القضية الفلسطينية وهو مبتسم، يعطينا من طرف اللسان حلاوة، ويعطي إسرائيل الصواريخ والطائرات والالتزامات الأمنية والقتل والتدمير، ثم يطالب العرب على بتقصيرهم في الانبطاح والاستسلام، فهو يريد المزيد من التطبيع والتخلي عن الحقوق وطرد الفلسطينيين من أرضهم، وجل المخيم الكبير الفلسطيني تحت رحمة إسرائيل والدول الكبرى العنصرية التي لا تعطي الناس حقوقهم.
لقد ثبت بما لا يقبل الشك، أن المقاومة المسلحة هي الحل الوحيد، لتبقى معنوياتنا عالية، ولتبقى أراضينا المحررة ولنحرر الأراضي المحتلة، ولا خيار أمامنا لمواجهة المشروع الصهيوني الأمريكي إلاَّ بالبقاء على سلاحنا في كل موقعٍ مقاومٍ، على قاعدة منع هذا الاستكبار ونتيجته إسرائيل من أن يزيد من احتلال أو أن يتوسع في مشروعه، والحمد لله هذه المقاومة قادرة بإذن الله تعالى، نصرها الله تعالى في لبنان، ووفقها لتصمد في غزة الأبية، وهو قادرٌ دائماً على أن ينصر المقاومين.
أمَّا في تشكيل الحكومة اللبنانية، علينا أن نستفيد من الظروف الدولية الإقليمية المرتبكة التي لا تستطيع شيئاً في لبنان، والتي لا تتمكن من فرض الشروط، والتي وصلت إلى اليأس من مواجهة متطلبات هذا الشعب اللبناني الصامد الأبي. لقد حاولوا كثيراً في السنوات الأربع الماضية أن يأخذوا لبنان مطية لمشاريعهم الإقليمية والدولية وفشلوا بسبب صمود اللبنانيين أمام مشاريع الوصاية. اليوم كل من يُسلم رقبته للخارج، وكل من يكون طيِّعاً للمهزومين يكون من البائعين للكرامة بأبخس الأثمان من غير فائدة ومن غير نتيجة.
لبنان اليوم يستطيع أن ينهض بأبنائه، ويستطيع اتخاذ القرار الحر الجريء ليختار ما يريد بمعزلٍ عن الإملاءات الخارجية، كفانا استماعاً لهذه الجهة أو تلك، وأوامر من تلك الجهة والجهة الأخرى، بإمكاننا نحن أن نصنع بلدنا إذا تعاونا مع بعضنا وتشابكت الأيدي فيما بيننا.
نحن دعونا دائماً إلى حكومة الوحدة الوطنية، لا من أجل الحصص والمواقع بل من أجل أن نحصن لبنان بأن تشتبك أيدينا معاً، إذ لا يستطيع أي فريق مهما علا شأنه أن يحكم البلد وحده، ولا يستطيع أي فريق أن يعالج كل هذه المساوئ والعقبات والابتلاءات إلاَّ إذا كان مع كل الأفرقاء الآخرين، من هنا نحن نشجع على الحوار البنَّاء بعيداً عن وسائل الإعلام، وبعيداً عن التوتير السياسي ومظاهر المشاهد الإعلامية غير الموفقة للبعض، ونشجع على أن يكون الهدف إنجاز حكومة وحدة وطنية مهما تطلبت من تضحيات ولقاءات وصبر ووقت، على قاعدة أن إنجازها هو الهدف ولا يوجد هدف آخر، كما ننصح باعتماد الصيغة التي تمَّ الاتفاق عليها : 15-10-5 مع كل مترتباتها، لأنها الصيغة التي تطلبت وقتاً وجرأة وتنازلات متبادلة وحقَّقت إجماعاً وطنياً، هذا يساعد على أن نبدأ من هنا لإنجازٍ وطني كبير بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية، وليعلم الجميع أنه عندما تتشكل الحكومة بالتوافق وكيفما كان توزيع الأدوار فيها وكيفما كان توزيع الحقائب سيكون الجميع رابحاً، الرئيس المكلف سيربح، الموالاة ستربح، والمعارضة ستربح، الجميع سيربحون عندما تتشكل حكومة الوحدة الوطنية، لأن الناس ستنسى التنازلات والتطمين والمعادلات المختلفة وسيبقى أمامها حكومة الوحدة الوطنية، هذه الحكومة تستطيع أن تنطلق إلى الاستقرار السياسي والأمني والعمل الاجتماعي وخدمة الناس ومعالجة القضايا المختلفة، عندها لا يهوَّل علينا من هنا ومن هناك تارة بحرب وأخرى بفوضى، وثالثة بتوتر، عندها نستطيع أن نضع حداً لكل هذه البلبلات التي تأتي من المستكبرين والصهاينة، وتأتي من ضعاف النفوس الذين ينعقون مع كل ناعق.
فلتكن المفاخرة بيننا بمن يُقبِل أكثر للتأليف من أجل إنجاز الحكومة لا بالتباري السياسي والإعلامي لأن الناس تريد العمل ولا تريد الأقوال التي لا تسمن ولا تغني من جوع.