الوليُّ المجدِّد

الاستفادة من الفنون

الاستفادة من الفنون

اهتمَّ الإمام الخامنئي(دام حفظه) بالفن، وشارك في لقاءات إنشادية وموسيقية وشعرية، واجتمع مع مسؤولي الإذاعة والتلفزيون والإعلام والممثلين... وكانت له آراؤه وملاحظاته التي تُظهر اهتمامه بالفنون المختلفة كوسائل للتبليغ والتربية, وأخذ الدروس والعِبَر منها، وهي التي تتميَّز بتماهيها مع مشاعر الإنسان وحالاته النفسية.
الفنّ وسيلةٌ ذات قيمة عالية، وهو أفضل وسيلة للرسالة الرحمانية أو التوجه الشيطاني. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "الذين لديهم رسالة يريدون تبليغها للناس, سواء أكانت هذه الرسالة رحمانية أو شيطانية، فإنَّ أفضل وسيلة يستخدمونها هي وسيلة الفن. الشيء المهم جدًّا هو أنَّ استخدام الفن يجب أن يكون كباقي الأدوات والوسائل الحاملة للفكر, ذات اتجاه دقيق وواضح وصحيح جدًّا، ولا يكون اتجاهه خاطئًا. لذلك يُستخدم الفن في العالم اليوم لتصوير أكثر الآراء باطلًا على أنَّها حقٌّ في أذهان جماعة كبيرة من الناس، وهذا غير ممكن من دون الفن، لكنَّهم يجعلونه ممكنًا بالفن وبالأدوات الفنية. خذوا مثلًا فن السينما والتلفزيون حيث يستخدمون أنواع الأساليب الفنية ليستطيعوا إيصال رسالة باطلة إلى أذهان الناس على أنَّها حق.

إذن الفن وسيلة, وهو وسيلة ذات قيمة عالية جدًّا. إنَّه أداة, لكنَّها أداةٌ لها وزنها, إلى درجة أنها تكتسب أحيانًا نفس أهمية المضمون والمحتوى, لأنَّها إن لم تكن, لن يمكن نقل المضمون إلى القلوب"(1).

وقال: "الوسائل الفنية هي - ولا شك - أبلغ الوسائل التبليغية وأكثرها فاعلية"(2).

الفن يؤثر في مشاعر المتلقي بانسياب. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "تأثيرُ الشعر والرسم وسائر صنوف الفن والأصوات الجميلة والألحان اللطيفة - وهذه كلّها فنون - يحصل في ذهن المتلقي من حيث لا يشعر. أي أنَّ الفن يؤثر من دون أن يشعر المتلقي بهذا التأثير. وهذا أفضل أنواع التأثير. اختار الله تعإلى أفصح البيان للتعبير عن أرقى المعارف أي القرآن. كان يمكن أن يقول الله تعإلى القرآن والمعارف الإسلامية بكلّام عادي وبيان دارج، ولكن لا، صبَّ الله هذه المعارف في أفصح وأجمل قوالب البيان الفني، والقرآن نفسه يقول: إنَّكم لا تستطيعون الإتيان بمثل لفظه وبنائه الفني، أمَّا المعنى فهو معلوم"(3).

القرآن هو ذروة الفن. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "استخدم رسول الإسلام (ص) الأدوات كافة، بما في ذلك أدوات الفن، لحمل هذه الأفكار, وذلك في أرقى الحلل وأفخرها أي القرآن. من أسرار موفقية القرآن هو فنّه. القرآن في ذروة الفن. إنَّه شيء خارق للعادة. الحق أنَّ للقرآن رصيدًا فنيًّا عجيبًا جدًّا لا يمكن للإنسان تصوره"(4).

لا حَظَّ لأية رسالة لم تُطرح في شكلّ فني. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "لقد قلتُ مرارًا أن لا حَظَّ لأية رسالة ودعوة وثورة وحضارة وثقافة من التأثير والانتشار والبقاء إذا لم يُطرح في شكلّ فني، ولا فرق في ذلك بين الدعوات المحقة والباطلة"(5).

ولذا من الضروري الاستفادة من الأساليب الفنية بإتقان، وفي المجالات كافة. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "إنَّني أخاطب الأشخاص القادرين على إنجاز الأعمال الفنية المؤثرة الذين يجتهدون في تبليغ رسالتهم الفنية، أنَّ من الضروري أن يستفيدوا من الأساليب الفنية الجيدة والتقنية الصالحة والمؤثرة في كافة الفروع والمجالات الفنية والأدبية"(6).

ويجب العمل لتوفير الفن الإسلامي بالشكلّ والمضمون. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "الفن الإسلامي هو الذي يتوفر فيه عنصر بنّاء مأخوذ من الفكر الإسلامي... أي أن يتوفر في الشكلّ الفني وليس في المحتوى فقط شيءٌ مأخوذ من الإسلام ومفاهيمه, فابحثوا عن هذا الشيء لكي تستطيعوا العثور على منبع الفن الإسلامي"(7).

وعلى الفنانين التصدي للعروض الفنية المنحرفة. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "إنَّ الثقافة الأجنبية المهاجِمة تستطيع التأثير على الأذهان عن طريق العروض الفنّية والبرامج المسلّية أكثر من التأثير عن طريق الحوار، فلذا يجب التصدّي لهذا التأثير القهري بطريقة ذكيّة وعقلائية"(8).

يوجد تصور خاطئ بأنَّ الفنون مضادة للدين، لأنَّ من روّجوا لها كانوا من المعادين للدين. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "من الطبيعي أن يكون العلم المسرحي والفنون المماثلة التي دخلت في بلدنا في العقود الخمسة الأخيرة - أي في فترة غربة القيم الإسلامية ونبذها والهجوم الشامل عليها - قد أُقيمت على أُسس غير إسلامية، بل إنَّها نَمَتْ في اتجاه مغاير، بل وحتى مضاد للمفاهيم الإسلامية.
فالمغتربون هم روّاد هذه الفروع الفنية - بأساليبها الجديدة - وهم الذين عرضوها في بلدنا الإسلامي، وهؤلاء كانوا غرباء، بل ولعلَّهم معاندون للإسلام، ولذلك وُلِدَ تدريجيًّا في أذهـان الجميـع - ولا سيما الأجيال الفتيّة - تصور أنَّ للمسرح والسينما طبيعة غير دينية، بل مضادة للدين، ولا يمكن ولا ينبغي الانتفاع منها لعرض المفاهيم الإسلامية"(9).

استخدم الاستكبار الفنون لخدمة مصالحه والترويج لقناعاته. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "للأسف يستغل أعداء الإسلام وإيران وأعداء شرفنا وعزَّتنا الفن ولا زالوا يستغلّونه. يستغلّون الشعر والرسم والقصة والأفلام والمسرحيات وباقي الفروع الفنية كأدواتٍ لسحق الفضيلة, ومحق الحقائق والفضائل المعنوية والإسلامية, ودفع الناس نحو المادية واللهو واللعب المادي.
السينما فنّ جد متقدّم ومتطور, وتوجد اليوم أبرز وأقدر منظومة سينمائية في العالم في هوليوود. لاحظوا لخدمة أي شيء تعمل هوليوود اليوم، ومن الذي تخدمه، وما هي الأفكار والاتجاهات التي تخدمها هوليوود؟ إنها تخدم إشاعة الفحشاء والعبث وانعدام الهوية لدى الإنسان, وتخدم العنف, وإلهاء عامة الشعوب ببعضهم لكي تستطيع الطبقات الراقية الحياة بدون منغصات وهموم. هذه المؤسسة السينمائية العملاقة التي تجتمع فيها عشرات الشركات الكبرى لإنتاج الأفلام بما فيها من فنانين ومخرجين وممثلين وكتاب مسرحيات وسيناريوهات ومستثمرين، تعمل لخدمة هدف معين. والهدف هو في الحقيقة أهداف السياسة الاستكبارية للحكومة الأمريكية. هذا ليس بالشيء القليل"(10).

والحقيقة أنَّ الفن موهبةٌ إلهية، لا تتوفّر لأيٍّ كان، فهي نعمةٌ يجب استثمارها إلى المرتبة السامية. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "الواقع أنَّ الفن موهبةٌ إلهية وحقيقة جدّ فاخرة. ومن الطبيعي أن يشعر الشخص الذي مُنح هذه الموهبة من قبل الله - ككلّ الثروات والكنوز الأخری - بأعباء المسؤولية، أي أن العطايا الإلهية مصحوبة بأداء التكاليف. ليس الفن من الثروات التي تُستحصل كلّها بكدّ اليمين وعرق الجبين. فما لم تتوفر فيكم القريحة والموهبة الفنية ستبقون تراوحون في الخطوة الأولی مهما بذلتم من جهد. تلك القريحة ليست إنجازكم ولا هي من فعلكم، بل منحوها لكم. يمنح الله الإنسان جميع النعم حتی لو كانت قنواتها المجتمع والأب والأم والبيئة والأمور الأخری. لقد بذلتم جهدًا لكن الفرصة والهمّة لبذل الجهد أيضًا مما منحه الله لكم حتی تستطيعوا رفع الفن لمرتبة سامية في أنفسكم"(11).

الموسيقى ليست محرمة إلَّا إذا داخَلَها شيء محرّم. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "أما فيما يتعلق بالموسيقى والغناء، فعليّ أن أعترف بأنَّنا لم نقدّم إلى الآن جوابًا واضحًا وكاملًا بشأن هذه المسألة. في السابق كنا نعتقد - ولا زلت على هذا الرأي - بأنَّ الموسيقى المخصصة والمختصة بمجالس اللهو محرّمة، وكنا آنذاك نتصور أنَّ الموسيقى الغنائية مختصة بمجالس اللهو، ولكن ما هو حكم الأدوات الحماسية أو طريقة "أبي عطا" أو "همايون" وأمثالهما؟
إنَّ جميع الحناجر الإنشادية يُخرجون أنغامًا تنطبق مع هذه الأجهزة (الإيقاعات) الاثني عشر. إذًا، فهذه ليست محرّمة, والموسيقى ليست سوى هذه الأنغام والإيقاعات والأطوار. بناءً عليه، فهي ليست محرّمة إلَّا إذا داخَلَها شيء محرّم.
أبدى القائد إعجابه بأداء إحدى الفرق الإنشادية التي حضر مجلسها، وعلَّق على تأثير عازف "الناي" الهادئ، ما يدلُّ على باعه الواسع في معرفة الأطوار الموسيقية، وما يؤثر منها بشكل إيجابي. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "يجب شكر السيد "توكلّي" على جهوده, حيث أعدّ نتاجًا قَيّمًا للغاية للثورة، فكلّ واحد من هذه الأناشيد التي أُنشدت هو نتاجٌ قَيّم للثورة، وكلّ جزء من أجزاء هذا النشيد هو عملٌ فنيٌّ إبداعي حقًّا, من الشعر والموسيقى وتشكيل مجموعة الإنشاد وإنشاده بهذا الاختيار الجيد. لذا يجدر بنا شكر هذا الرجل الكادح الصابر - حيث لا يمكن إنجاز مثل هذه الأعمال دون الصبر وتحمّل المشاقّ - ويجدر أن نقدّم التبريكات لهم على نجاحهم في إنجاز هذا العمل الفني بصورة جيدة والحمد لله.
كما أنَّ جميع أفراد فرقة الإنشاد الأعزّاء قد أجادوا أداء مهامهم، وقد دقّقت النظر في التلفزيون عند بثّ هذه الأناشيد, فوجدتُ عمل وأداء هؤلاء الفتية المكرّمين يدل حقًّا على النضوج والتمرس, ما يدل على جهود مدربيهم, كما أنَّ أصواتهم متناسبة بصورة جيدة للغاية, حيث إنَّ عدم تناسب الأصوات في الإنشاد الجماعي يؤدي إلى تخريب العمل...
كما أشكر هذا السيد العازف على "الناي" المنفرد على أدائه الهادئ والمؤثر، وهكذا يجب أن يكون العزف، لأنَّ للعزف والأنغام في أداء النشيد ككلّ حكم الملح للطعام, فيجب عدم الإكثار منه, فالتأثير الأساسي هو لأنفاس المنشدين فهي الموصلة للمضمون إلى أذهان الجميع"(13).

ولفَتَ إلى ضرورة تصحيح اللغة الشعرية لفرقة إنشادية أخرى، لتحصيل الأثر الأفضل من الإنشاد المتكامل والناجح. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "يمكن دائمًا العثور على أشعار مربّية ومفيدة للغاية في باب حياة الأئمة (عم)، وفي الأخلاق والمعارف, وتلاوتها في المجالس، ويستطيع مدّاحو أهل البيت(عم) - وفي ظلّ أسلوبهم في إنشاد المدائح - القيام بأكبر دور في تعميق الثقافة والمعارف الإسلامية في أذهان الشعب, وبالطبع فهم بحاجة إلى جمعيات يحضر فيها مع قراء المدائح الذين لديهم تجارب في هذا الفن، ليتم في محافل هذه الجمعيات نقد الأشعار وإصلاحها. فمثلًا الإخوة الذين أنشدوا أشعار المدائح هنا أجادوا في الإنشاد كثيرًا، ولكن قُرئت كلّمة "به تو" (إليك) بصورة "برتو" (عليك) فأدَّى ذلك إلى تدمير معنى الشعر، وما أحسن أن تُراعى هذه الأمور الدقيقة من الزاوية الأدبية بصورة كاملة"(14).

الإذاعة والتلفزيون أساس مركز الهداية. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "وأنتم أصدقائي الأعزاء الذين تتولّون أحد أكثر القطاعات في الإذاعة والتلفزيون حساسية، لديكم دورٌ مهم جدًّا في حاضر ومستقبل بلدكم. إنَّنا نعتبر التلفزيون والإذاعة أساس مركز الهداية الفكرية. وما قاله الإمام بأنَّها الجامعة الكبرى للبلد لم يكن من موقع المجاملة, فهذا الأمر هو هكذا في الحقيقة, إنَّها جامعة كبرى"(15).

إنَّ ميادين الثورة ساحةُ عرضٍ مسرحيٍ عظيم، يمكن للكتّاب والمخرجين الاستفادة من أحداثها لتقديمها إلى الجماهير للمعرفة والتسلية والعِبَر. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "حقًّا فإنَّ ميادين الثورة نفسها هي ساحةُ عرضٍ مسرحيٍ عظيم... وهذه الحركة العظيمة التي قام بها شعبنا حملت - حقًّا - ظاهرة جديدة للعالم، ومَعْلمُ هذا الاندفاع المقدَّس والروح التضحوية وهذه الحركة العظيمة والمعنويات السامية هو إمامنا الخميني العظيم(قده), وهو حقًّا رائد هذه القافلة"(16).

وقد أشاد القائد بمسلسل النبي يوسف(ع)، الذي عرَضَ التفاصيل الحسَّاسة بأسلوبٍ لائق ومربٍ. قال الإمام الخامنئي(دام حفظه): "أنظروا إلى مسلسل كمسلسل النبي يوسف(ع). وهو مسلسلٌ أُنتج وتمّت مراعاة جميع الجهات الشرعية وغيرها فيه. فإنَّه يبيّن سيرة أحد الأنبياء, وأساس العمل فيه مبنيّ على العفاف، وليس على الأساس الرائج في الأفلام العالمية من العشق والشهوة وأمثالهما. وفيما بعد يتم الإقبال عليه بهذا الشكلّ في أنحاء العالم الإسلامي, ولعله في بعض مناطق غير العالم الإسلامي"(17).


1- موقع دار الولاية للثقافة والإعلام, 25/4/2010.
2- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الأول(1).
3- موقع دار الولاية للثقافة والإعلام, 25/4/2010.
4- موقع دار الولاية للثقافة والإعلام 25/4/2010.
5- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الأول(2).
6- الفن والأدب في التصور الإسلامي. الفصل الأول(27).
7- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الأول(17).
8- سلسلة في رحاب الولي الخامنئي, الإعلام, ص: 23.
9- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الأول(13).
10- موقع دار الولاية للثقافة والإعلام, 25/4/2010.
11 -۲۰۰۹/۱۱/۳۰.
12- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الثاني(1).
13- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الثاني(6).
14- الفن والأدب في التصور الإسلامي, الفصل الثاني(8).
15- خطاب الولي2010, ص: 232.
16- الفن والأدب في التصور الإسلامي. الفصل الرابع(13).
17- خطاب الولي 2010, ص: 233.