الوليُّ المجدِّد

الانتخابات ركن النظام

الانتخابات ركن النظام

الانتخابات هي ركن النظام المهم في الجمهورية الإسلامية في إيران، أو نظام السِّيادة الشَّعبية، فلا وجود للنظام الإسلامي الحقيقي من دون انتخابات وما تعنيه من خيار الشَّعب. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "الانتخابات ليست حادثةً عابرة، بل هي حادثةٌ تترك بصمات تأثيرها، لهذا يجب أن نتأمّل فيها. فالانتخابات أوّلًا، هي ركن النظام المهم. فنظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية يعتمد على الانتخابات، وبدون الانتخابات لن يكون لنا مثل هذا النظام"(40).

يكتسب النظام حضوره ومناعته من الانتخابات، ولذا حثَّ عليها الإمام الخميني(قده) في كلّ المحطات منذ نجاح الثَّورة الإسلامية إلى رحيله، وكذا فعل الإمام الخامنئي(دام ظله) منذ تسلَّمَ زمام القيادة، ودعا إلى المشاركة الشَّعبية الواسعة في كلِّ الانتخابات وخاصة الانتخابات النيابية. "أيُّها الإخوة والأخوات الأعزاء، أيُّها الشَّعب الإيراني العزيز، الانتخاباتُ تصون البلاد. الشيء الذي يحفظ هيبة هذا الشَّعب ويبسط قدراته المعنوية بوجه الأعداء ويخيفهم ويصدّهم عن التطاول عليه هو التواجد والمشاركة الشَّعبية، ومن مظاهرها المشاركة في الانتخابات، والمشاركة في 22 بهمن(ذكرى إنتصار الثورة) الذي هو على الأعتاب أمامكم. كلّما تكثَّف الحضور وتنوَّع, كلّما قوي اعتبار البلد وقيمته الوطنية. وكذا الحال بالنسبة للانتخابات. كلّما كان الزحام على صناديق الاقتراع أشد ومشاركة الشَّعب أوسع, كلّما قويت الثقة بالبلاد وتضاعفت مناعته وحصانته"(41).

الاستكبار يرفض ديمقراطية إيران في كلّ محطات الانتخابات, ومنها انتخابات مجلس الشورى الثامن, لمنع الشَّعب الإيراني من خوض تجربته السليمة, ومن التَّقدُّم والازدهار تحت رعاية السِّيادة الشَّعبية الدِّينية. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ الذين يدَّعون الديمقراطية يُعلنون عداءهم بصراحة للديمقراطية والانتخابات في إيران, لأنهم يعلمون أنَّ سيادة الشَّعب في النظام الإسلامي تمهِّد لاقتدار وتقدُّم الشَّعب الإيراني. لكنَّ الشَّعب الإيراني الواعي والشجاع, وكما في باقي الأحداث المهمة بعد الثَّورة, سيشارك هذه المرة في الانتخابات بحماسٍ أكبر من الماضي, وسيبدِّد خطط المتغطرسين الدوليين لإضعاف النظام الإسلامي وفرض المزيد من الضغوط على إيران.
إنَّ العدالة الاجتماعية, ومكافحة الفساد, وسيادة الشَّعب الدِّينية, وعدم فرض الآراء الفردية والحزبية والحكومية وغيرها على الشَّعب, وحرية انتخاب الشَّعب في إطار المقررات الإسلامية, من جملة القِيَم ومبادئ الثَّورة, وإنَّ المجلس الثامن سيتبلور بعون الله وهمّة ودقة الشَّعب على أساسِ هذه القِيَم"(42).

الانتخابات تحقِّق سيادة الشَّعب الدِّينية عمليًّا، وتدفع البلاد إلى التطور والإبداع، لأنَّها تستثمر مشاركة أبناء الشَّعب في اختيار مسؤوليهم لإدارة حاضرهم والتأسيس لمستقبلهم، وهي ليست مكتسبات فردية للمسؤولين، بل مهماتٌ وواجبات ملقاة على عاتقهم تجاه الشَّعب.
أُجريت الانتخابات الرئاسية والنيابية والبلدية في مواعيدها المقررة, وقد حثَّ الإمام الخميني(قده) على كثافة المشاركة الشعبية فيها, وكذلك فعل الإمام الخامنئي(دام ظله), فكان الإقبال الشعبي عليها كبيرًا, وتمَّت في أجواء من الحماسة والشفافية في نتائجها. ولعلّ المؤشر الأبرز على حيوية المشاركة الشعبية هو انتخابات رئاسة الجمهورية التي انتظمت خلال عمر الجمهورية, ونتج عنها إحدى عشرة دورة رئاسية كالتالي:

1- الانتخابات الرئاسية الأولى: فاز فيها "أبو الحسن بني صدر" في 4 شباط 1980, وأُقيل في 21 حزيران 1981.
2- الشهيد د.محمد علي رجائي الذي تولَّى منصبه في 2 آب 1981 واستشهد اغتيالًا في 30 آب 1981م.
3- السيد علي الخامنئي(دام حفظه) انتُخب كثالث رئيسٍ للجمهوريَّة الإسلامية في تشرين الأول 1981م لمدة أربع سنوات.
4- السيد علي الخامنئي(دام حفظه) لولايةٍ ثانية 1985 - 1989م.
5- الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني من 3 آب 1989 إلى 1993.
6- الشيخ علي أكبر هاشمي رفسنجاني لولايةٍ ثانية 1993 - 1997.
7- السيد محمد خاتمي 1997 - 2001.
8- السيد محمد خاتمي لولايةٍ ثانية 2001 - 2005.
9- د. محمود أحمدي نجاد 2005 - 2009.
10- الرئاسية العاشرة: د. محمود أحمدي نجاد لولايةٍ ثانية 2009 - 2013.
11- الشيخ حسن روحاني 2013.

تطرَّق الإمام الخامنئي(دام ظله) إلى موضوع الانتخابات الرئاسية العاشرة, فاعتبر الانتخابات: "بأنَّها إحدى أركان النظام الإسلامي. إنَّ سيادة الشَّعب الدِّينية ايضًا لا تتحقق بالأقوال بل هي بحاجة إلى مشاركة وحضور وعزم الشَّعب, والتواصل الفكري والمنطقي والعاطفي بين المواطنين, وتطورات البلاد, وهذا الأمر لن يتحقق إلَّا من خلال الانتخابات النزيهة والشاملة, والمشاركة الواسعة للمواطنين.
وتابع قائد الثَّورة الإسلامية: إنَّ الانتخابات هي بمثابة استثمار عظيم وإيداع للشعب, بغية إدارة البلاد بشكلّ صحيح, وصولًا إلى مستقبلٍ مشرق, وكلّ صوت يُدلى به مهمٌ جدًّا, ويزيد على هذه الوديعة الوطنية.

ولفَتَ آية الله الخامنئي أنظار المرشحين للانتخابات الرئاسية الحاليين والمقبلين إلى عدة أمور فقال: انتبهوا بأنَّ الانتخابات ليست وسيلة للوصول إلى السلطة فقط, بل هي وسيلة للنهوض بمستوى قدرات البلاد, والاقتدار الوطني, وكرامة الشَّعب, ولذلك عليكم الاهتمام بهذه الموضوعات في إعلامكم وسلوككم, لئلا يطمع العدوّ بكم من خلال أقوالكم وأفعالكم أثناء حملاتكم الانتخابية.

وأضاف: لا شك أنَّ كلًّا منكم لديه رؤيته وتوجهه الذي يتعارض مع الجانب الآخر, ولكن عليكم عدم الخروج عن جادة الإنصاف والتستر على الحقائق... إنَّ ساحة المشاركة في الانتخابات الرئاسية مفتوحة أمام الجميع, منوّهًا إلى أنَّ على المرشحين تقديم سيرتهم للنَّاس, لكي يتَّخذوا قرارهم بوعيٍ ويقظة.

وانتقد الذين يسعون منذ الآن إلى تشويه الانتخابات الرئاسية المقررة في 22 خرداد - 13 حزيران فقال: لقد جرَت حتى الآن انتخابات في البلاد للمرة الثلاثين, والمسؤولون أكَّدوا صحتها ونزاهتها, ولذلك فإنَّ الشَّعب لن يتأثر بالتصريحات التي تحاول المساس بالانتخابات الرئاسية وزعزعتها منذ الآن... أنا أيضًا أؤكد أنَّه على المسؤولين إجراء الانتخابات بكلّ نزاهة وأمانة, وأن تكون أيدي المرشحين مفتوحة, وأن يختار المواطنون من خلال مشاركتهم الملحمية مرشحهم بمنتهى الحرِّية.
وحول موقف القيادة ألمحَ قائد الثَّورة الإسلامية إلى أنَّ التكهنات والشائعات في هذا المجال كانت ولا زالت ساريةً وقال: لا أملك سوى صوتًا واحدًا أُدلي به, ولا أقول لأي أحد لمن يُدلي بصوته أو لا يفعل, لأنَّ تشخيصَ هذا الموضوع يقع على عاتق الشَّعب"(43).

المشاركة في الانتخابات تكلّيفٌ إلهي، وعدم مشاركة الشَّعب بكلّ أطيافه (العلماء والتجار والفلاحون والأساتذة وعامة المواطنين) قد يكون في بعض الظروف ذنبًا من أكبر الكبائر، هذا ما قاله الإمام الخميني(قده) في وصيته الخالدة: "وأوصي الشَّعب المجيد بأن يُسجل حضورًا فاعلًا في جميع الانتخابات، سواء انتخابات رئاسة الجمهورية, أو مجلس الشورى الإسلامي, أو انتخابات الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد، وعليهم أن يحرصوا على إتمام عملية الاقتراع وفق الضوابط المعتبرة. فمثلًا في انتخاب الخبراء لتعيين شورى القيادة أو القائد عليهم أن ينتبهوا جيدًا، فإذا تمَّ تجاوز الموازين الشرعية والقانون في انتخاب الخبراء، وحصل تساهل ما في ذلك, فمن الممكن حتمًا أن يتعرَّض الإسلام والبلاد إلى خسائر لا يُمكن جبرانها, وحينها سيكون الجميع مسؤولين أمام الله تعإلى.

على هذا الأساس، فإنَّ عدم مشاركة الشَّعب - بمراجعه وعلمائه العظام وتجاره وكسبته وفلاحيه وعماله وموظفيه - يحمِّل الجميع المسؤولية عن مصير البلاد والإسلام، سواء بالنسبة لهذا الجيل أم الأجيال القادمة, وقد يكون التساهل وعدم المشاركة في بعض الظروف ذنبًا من أكبر الكبائر. لذا وجب علاج المسألة قبل وقوعها, وإلَّا فلن يكون بوسع أحد أن يفعل شيئًا"(44).

المشاركة في هذه الانتخابات واجب عقلي وشرعي، هي الكلّمة التي أطلقها الإمام الخامنئي(دام ظله) بمناسبة الانتخابات الرئاسية العاشرة عام 2009، نظرًا للمحاولات الحثيثة لإفشال الانتخابات بتقليل مستوى الإقبال الشَّعبي والمشاركة فيها، وتشويه صورتها قبل أن تبدأ، واتهامها بالتزوير في النتائج قبل أن تحصل، وفي هذه الأمور ضربٌ لركن النظام الإسلامي وهو الانتخابات الشَّعبية الحرة والنزيهة، والتي قام عليها نظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية. أشار قائد الثَّورة الإسلامية إلى المساعي التي بذلتها وسائل الإعلام الأجنبية للتشكيك في الانتخابات الرئاسية الإيرانية, وقال: "إنَّ العدوّ يصف الانتخابات الإيرانية بأنَّها صورية من جهة, ويقول من جهة أخرى بأنَّ المنافسة بين المرشحين هي لعبة مخطّط لها مسبقًا في داخل الحكومة, وإنَّ الانتخابات ستواكبها عمليات تزوير لا محالة، والهدف من هذه المحاولات هو النيل من سيادة الشَّعب الدِّينية, والحيلولة دون المشاركة الواسعة للمواطنين في هذه الانتخابات. ووصف آية الله الخامنئي الشَّعب الإيراني بأنَّه شعبٌ عزيزٌ وذكيٌ ومتيقظٌ ومحنَّك. وأضاف: إنَّ العدوّ يسعى إلى حرمان النظام من رصيده المتمثل بأصوات الشَّعب عبر الإيحاء باليأس بين المواطنين، ومع الأسف الشديد فإن هناك أشخاصًا غافلون في الداخل يعيدون مزاعم العدوّ ويساعدونه في تحقيق أهدافه, وهذا أمرٌ مؤسف حقيقة. ورأى سماحته أنَّ اختيار مختلف مسؤولي النظام هو من افتخارات الشَّعب الإيراني, مؤكدًا أنَّ العدوّ بصدد سلب هذا الافتخار من الشَّعب الإيراني ورفعته, ومن هذا المنطلق نقول: المشاركةُ في هذه الانتخابات واجبٌ عقلي وشرعي لكلّ من يحب النظام والإسلام والشَّعب "(45).

إنَّ مشاركة 40 مليون ناخب هو انتفاضة شعبية حقيقية, وتحّدٍ لكلّ أعداء الجمهورية الإسلامية، ومن يشكّك فيها أو يحتكم إلى الشارع بالتظاهر والاعتراض بدل العودة إلى المؤسسات إنَّما يخدم الأعداء ويواجه السِّيادة الشَّعبية بأصلها ودورها. اعتبر سماحة الإمام الخامنئي(دام ظله): "أنَّ مشاركة 40 مليون ناخب في الانتخابات الرئاسية الأخيرة بأنَّه انتفاضة شعبية عامة للتعبير عن الولاء للإمام والثَّورة والشهداء. وأضاف: بهذه الانتفاضة العظيمة استعاد النظام الإسلامي أنفاسه ليواصل مسيرة التَّقدُّم والرفعة, وجسَّدَ المعنى الحقيقي لسيادة الشَّعب الدِّينية أمام أنظار المعادين للنظام.

وأشار القائد الخامنئي إلى أنَّ الاحتكام إلى الشارع عقب الانتخابات يُعدّ في الحقيقة تحديًّا لأصل الانتخابات والسِّيادة الشَّعبية. مؤكدًا: إنَّني أريد من الجميع إنهاء هذه الأساليب الخاطئة, وإذا لم يُنهوا هذه الأعمال فإنَّ المسؤولية الناجمة عنها ستقع على عاتقهم"(46).

نجاح الانتخابات بهذه المشاركة الكبيرة، ولا يهم عندها من نجح ومن فشل، وكيف توزعت الأصوات، إذ العبرة في حجم المشاركة الذي سيعطي صورة دقيقة عن خيار النَّاس الحق. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ تصور وقوف 24 مليون ناخب في جانب و 14 مليون آخرين في جانب آخر هو خطأٌ فادح, لأنَّ النَّاخبين الذين أدلوا بأصواتهم لصالح الرئيس المنتخب, وکذلك الذين أدلوا بأصواتهم لصالح المرشحين الآخرين, إنَّما هم عبّروا عن تمسکهم وإيمانهم بالنظام الإسلامي على حدٍّ سواء"(47).
الاستكبار يرفض نتائج الانتخابات الرئاسية العاشرة لأنَّه يرفض الجمهورية الإسلامية، كما رفض كلّ نتائج الانتخابات السابقة, وهو لا يريد أن ينظر إلى الحقائق، فقد شكك بالانتخابات قبل حصولها، وافترض التزوير فيها، وعدم تمثيلها للشعب، ولأنَّه عاجز عن الحصول على النتائج التي يريدها. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "قبيل إجراء الانتخابات, ركَّزت بعض وسائل الإعلام الغربية والحكومات الغربية محاولاتها على إثارة الشكوك حول الانتخابات, والتمهيد لمشاركة شعبية ضئيلة فيها, لكنَّ الحضور الملحمي والواسع لـ 40 مليونًا من الشَّعب الإيراني لدى صناديق الاقتراع، صَدَمَ وسائل الإعلام الغربية ومسؤوليها, وكشف لهم عن حقيقةٍ مفادها: أنَّه لا مجال أمامهم سوى الركوع أمام ملحمٍة جديدة جرى تسطيرها في القضايا المرتبطة بالجمهورية الإسلامية الإيرانية"(48).

نجحت الانتخابات فنجحت الثَّورة مجددًا، وهي التي تكتسب حيويتها من استمرار الشَّعب في الميدان، وهذا ما دعا إليه الولي الفقيه في كلّ الانتخابات، قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "الشكرُ الذي ينبغي تقديمه علی حركة الشَّعب الإيراني الهائلة العظيمة في الثاني والعشرين من خرداد، ومشاركة نحو أربعين مليونًا من أبناء الشَّعب عند صناديق الاقتراع، يتمثّل في حفظ الوحدة، والتعاطف، والنظرة المشفقة، والحيوية، واستمرار الحركة الثورية بين الجماهير والنخبة، وعدم الخلط بين الصديق والعدوّ"(49).


40- خطاب الولي 2012, ص: 116.
41- خطاب الولي 2012, ص: 61.
42- 12/3/2008.
43- 21/3/2009.
44- النداء الأخير, وصيَّة الإمام الخميني(قده), ص: 34.
45- 4/6/2009.
46- 20/6/2009.
47- ممثلو اللجان الانتخابية للمرشحين الاربعة للانتخابات الرئاسية العاشرة 16/6/2009.
48- صلاة الجمعة 20/6/2009.
49- 11/7/2009.