التركيز على الخيار الشَّعبي لا يعني استيراد المفهوم أو تقليد الديمقراطية الغربية في ذلك، فسيادة الشَّعب الدِّينية منطلقة من التكامل بين الدِّين وتبنِّيه من قبل النَّاس، قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ حاكميّة الشَّعب بالمفهوم الدِّيني ليست شيئين، بل هي شيء واحد، وهي لا تعني استيراد الديمقراطيّة من الغرب ثم لصقها بالدِّين للحصول على نسيجٍ واحد متكامل"(34).
وينبغي عدم تشبيه سيادة الشَّعب الدِّينية بالديمقراطية الغربية, ولو كان بينهما تشابه في بعض الأمور. قال سماحته(دام ظله): "ينبغي عدم تشبيه حاكميّة الشَّعب الدِّينية التي تبلورت اليوم في نظام الجمهوريّة الإسلامية بالديمقراطيّة الغربيّة الرائجة، وإنْ كانت فيها وجوهُ اشتراك، بَيْدَ أنَّ بينهما فوارق جذريّة وجوهريّة متعددة"(35).
فإذا كان التَّشابه في الاهتمام بصوت الشَّعب في السِّيادة الشَّعبية الدِّينية والديمقراطية الغربية، فإنَّ لهذا الصوت قيمته واحترامه الخاص في نظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية, وشدَّد القائد على أنَّ إطار العمل وأسلوبه في نظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية هو الانتخابات وصوت الشَّعب، فقال: "إنَّ أصل نظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية هو الدِّين الإسلامي الذي لا يجوز تجاوزه بأيِّ حالٍ من الأحوال. وأضاف: إنَّ نظام السِّيادة الشَّعبية الدِّينية يُراعي قيمة وکرامة أصوات الشَّعب, وإنَّ لهذا النظام أُطرًا مختلفة تمامًا مع أُطر الديمقراطية الغربية الظالمة"(36).
وتتجلى قيمة الصوت الشَّعبي في أثرها الانتخابي، وهذا ما رأيناه في الجمهورية الإسلامية الإيرانية حيث كانت نتائج الانتخابات مفاجئة للمراقبين في كثير من الأحيان، لأنَّها غير محكومة لحزبين محدَّدين، أو لسلطة المال والنفوذ، بل لخيارات النَّاس الذين يُدلون بأصواتهم وفق قناعاتهم الفردية، حيث تُدلي العائلة الواحدة بأصواتها لأفراد مختلفين من دون أن يضغط أحدٌ على الآخر في داخلها لتوحيد الصوت أو الرأي، وذلك احترامًا لحرية التصويت وإبداء الرأي. بينما نجد الانتخابات الغربية متأثرةً بالإعلان والإعلام والأموال والمنافع الشخصية, والدعاية التي يقودها أصحاب رؤوس الأموال والسلطة والنفوذ، ثم يُوضع النَّاس أمام خيارين متنافسين لأصحاب المال والسلطة. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "إنَّ سيادة الشَّعب الدِّينية هي الإطار الرئيسي لنظام الجمهورية الإسلامية الذي يضمن الكرامة الإنسانية بشكلّ حقيقي ويلبي كافة احتياجات الشَّعب... إنَّ النظام الإسلامي يرفض الديمقراطية المبنية على المعايير الخاطئة والفاشلة لليبرالية الديمقراطية الغربية, وذلك لأنَّ الجماهير لا تلعب أي دور في الأنظمة الاستبدادية والديكتاتورية التي تسود الغرب, بل إنَّ أصحاب المال هم اللاعبون الأساسيّون"(37).
تبرز أهمية ودور أصوات الشَّعب، من خلال 32 مشاركة انتخابية خلال 32 سنة في المواقع المختلفة في إيران, وإذا كانت الديمقراطية تعني أصوات الشَّعب, فهذا التصويت هو الديمقراطية الصحيحة. قال الإمام الخامنئي(دام ظله): "أعلن الإمام الخميني(قده) منذ اليوم الأول أنَّ الشَّعب يجب أن يُدلي برأيه, سواء في أصل اختيار الجمهورية الإسلامية، أم في تدوين الدستور، أم في قبول الدستور الذي تمَّت المصادقة عليه في مجلس الخبراء، أم في انتخاب رئيس الجمهورية، أم في انتخاب المجلس.. صمَدَ الإمام... مضت على الثَّورة 32 سنة، وإذا أحصينا عدد الانتخابات والإستفتاءات المُقامة، تكون النتيجة أنَّه لدينا 32 مشاركة انتخابية جماهيرية - أي بمعدل انتخابات واحدة كلّ عام - حيث توجَّهت الجماهير لصناديق الاقتراع وأدلت بأصواتها وانتخبت. انتخاب الشَّعب مهمّ جدًّا. كانت طهران في فترة الحرب المفروضة تحت القصف، لكنَّ الانتخابات لم تتعطل. وفي المدن التي كانت تحت القصف الصاروخي لنظام صدّام خلال فترة الحرب لم تتعطّل الانتخابات. وفي إحدى دورات مجلس الشورى ضغطوا لتأخير الانتخابات لأسباب سياسية تتعلَّق بهم، لكنَّهم لم ينجحوا.
لم يحصل تأخير حتى يوم واحد في انتخابات الجمهورية الإسلامية ومشاركة الجماهير لحدّ الآن. هذه هي الديمقراطية. قالها الإمام الخميني(قده) منذ اليوم الأول، وبقيت الجمهورية الإسلامية ثابتةً على هذه الديمقراطية. لم يوافق على تجاوز الديمقراطية"(38).
إذًا، الخيار الشَّعبي الذي يُعبَّرُ عنه بالديمقراطية هو من صلب الإسلام، وليس مضافًا إليه، إذ لا يحتاج الإسلام إلى مثل هذه الإضافة وهو القائم على مصلحة النَّاس وخياراتهم من ضمن الأصول والثوابت التي تحمي البشرية، وتضبط إيقاعها في إطار التعاليم التي تُعطيهم الحياة الأفضل في هذه الدنيا. وفي هذا الإطار وصف سماحة القائد سيادة الشَّعب الدِّينية بالقول: "إنَّ الشَّعب الإيراني وبسبب إيمانه بالله حدَّد إطاره الديمقراطي بالإسلام العزيز, ومن هذا المنطلق عرَضَ سيادة الشَّعب الدِّينية على العالم, ولهذا فإنَّ الشعوب الإسلامية تنظر إلى الشَّعب الإيراني نظرة إجلالٍ وتبجيل"(39).
34- 5 رمضان 1421 هـ.
35- 29 ذي الحجة 1422 هـ.
36- 8/3/2012.
37- 4/6/2007
38- خطاب الولي 2011, ص: 27.
39- 2/1/2008.