"السِّيادة الشَّعبية الدِّينية" (بالفارسية: مردم سالارى دينى) مصطلحٌ جديد طرحه الإمام الخامنئي(دام ظله)، يستهدف تقديم النظرية الإسلامية في الحُكم، بالاستفادة من تجربة نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية على نهج ولاية الفقيه، ويفتح الباب واسعًا أمام نقاش هذه النظرية في الحُكم الإسلامي بالمقارنة مع النظريات الإسلامية الأخرى في الحُكم، وكذلك النظريات غير الإسلامية.
لقد تمَّ تقديم نماذج عدة في التاريخ الإسلامي حول الحُكم الإسلامي من الناحية التطبيقية، لم تحاكي أو تُشابه ما جاء به رسول الله(ص) بالكامل، واختلفت انحرافات التطبيق من حاكمٍ لآخر، كما نشأتْ خلافةٌ بِمُلْكٍ عضود مبنية على الوراثة مع الدولة الأموية ثم العباسية، وانتهاءً بالدولة العثمانية، وهي مخالفة تمامًا لمبدإٍ أساس من مبادئ الإسلام في اختيار الحاكم الكفؤ والورِع والعادل, الذي يحكم بما أنزل الله تعإلى.
وما ثورة سيّد الشهداء الإمام الحسين(ع) عام 61هـ, إلَّا صرخةٌ مدوية لما آل إليه الحُكم الأموي بتوريث يزيد الفاسق الفاجر على رأس الخلافة الإسلامية، وقد بيَّن الإمام الحسين(ع) في وصيته لأخيه محمد ابن الحنفية هدف نهضته: "وإنِّي لم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا مفسدًا ولا ظالـمًا, وإنَّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي (ص)، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب(ع)، فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق، ومن ردَّ عليَّ هذا، أصبرُ حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين"(25).
عندما انهزمت الدولة العثمانية في مطلع القرن العشرين، كانت الهزيمةُ شاملةً للنظرية الإسلامية في الحُكم، لأنَّها كانت تحكم باسم الإسلام، وحلَّت محلها الأنظمة الرأسمالية المتعددة الأشكال، في مواءمة بين النظام السائد عالميًّا على مستوى الحُكم، ومتطلبات السيطرة والاستبداد لبعض العوائل والمصالح الأجنبية والمحلية، وكذلك حاولت الشيوعية أن تأخذ مكانها في منطقتنا على صعيد الحُكم فأثَّرت بشكلّ محدود، وبقيتْ محاصرةً في المعسكر الاشتراكي حول الاتحاد السوفياتي, الذي لم يتجاوز نظام حُكمها سبعين سنة, ليتلاشى ويترك الساحة للرأسمالية كنظامِ حُكم في قواعده الأساسية على مستوى العالم، وبأشكالٍ تجميلية عُمدتُها الديمقراطية والعلمنة والحقوق المدنية.
نجحت ثورة الشَّعب الإيراني بقيادة الإمام الخميني(قده) من خارج السياق السائد، وبرزتْ فكرةُ ولاية الفقيه أو الحكومة الإسلامية كمشروعٍ انقلابي نهضوي في مواجهة النظامين العالميين الرأسمالي والشيوعي من جهة، وأنظمة الاستبداد والتخلف في منطقتنا من جهة أجرى. ولم يقتصر نجاحُ الإمام الخميني(قده) على تحرير إيران واستقلالها عن سلطة الأجنبي فقط، بل قدَّمَ الرؤية الإسلامية في الحُكم كمشروعٍ مُعاصر في مقابلِ نظريات الحُكم الرأسمالية والشيوعية والمستبدَّة.
نجحت الثَّورة الإسلامية في الوقت الذي ظنَّ فيه الكثيرون بأنَّ الرؤية الإسلامية في الحُكم قد انتهت مع انتهاء إحدى تطبيقاتها الأخيرة بانتهاء الخلافة العثمانية, وأنَّ ما طرحته الحركات الإسلامية بعد الحرب العالمية الأولى من ضرورة عودة الحُكم الإسلامي, ما هو إلَّا نقاشٌ فكري نظري وتعبوي لا قابلية له للحياة، ترافَقَ ذلك مع استعمار المستكبرين لمنطقتنا, واستخدامهم للقوتين النَّاعمة والصلبة لمنع عودة الإسلام إلى الحُكم، وما بثّوه من أفكارٍ شوَّهت تعاليم الإسلام من جهة، ومع تنصيب الحكام المستبدين في المنطقة والذين لعبوا دور الشرطي الذي واجه ومنع نمو اتجاه عودة الدولة الإسلامية إلى الحُكم من جهة أخرى.
نجح الإمام الخميني(قده) في إعادة حكم الدولة الإسلامية إلى الحياة، بحُلَّةٍ جديدة وجذَّابة، تعتمد على:
1- قيادة الولي الفقيه بمواصفاته النموذجية في العلم بالدِّين والزمان, والتَّقوى, والعدالة، والالتزام بالإسلام المحمدي الأصيل, وتأمين مصالح النَّاس.
2- شكل الحُكم الجمهوري القائم على الانتخابات الشَّعبية وفصل السلطات، وبناء هيكلّ الدولة التنظيمي في إطار توزيع الأدوار والصلاحيات، في إطار منظومة المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات.
3- محاكاة الآليات التنفيذية المعاصرة في إقرار دستور الجمهورية الإسلامية في إيران، والاستفتاء الشَّعبي للقبول به كركيزة لنظام الحُكم الإسلامي.
أصبحت الجمهورية الإسلامية الإيرانية حقيقةً وواقعًا، وشكلّت إعلانًا صريحًا بعودة نظام الحُكم الإسلامي إلى الحياة، في مقابل الأنظمة الأخرى المطروحة والقائمة في العالم اليوم، ولم تعُد مرحلةً تاريخية سابقة، أو فكرة قديمة بَطَلَ مفعولها، فالجمهورية الإسلامية مشروعٌ إسلامي جِدّي ينافس المشاريع الأخرى، ويقدِّم الحلول الإسلامية للدولة وشؤونها، كما هو مستمرٌ في تقديمها على المستوى الفردي والحياة الاجتماعية.