مقالات

مقالة افتتاحية مجلة بقية الله- العدد212

"إن أدركت زمن المهدي(عج)"

باسمه تعالى

"إن أدركت زمن المهدي(عج)"

دعاء العمري

دعاء العمري(1) هو دعاءٌ الذي يستحب قراءته في غيبة الإمام القائم(عج). وقد سمي بهذا الاسم نسبة إلى الشيخ أبو عمرو سعيد العمري، السفير الأول للإمام المهدي(عج) خلال غيبته الصغرى، وقد رواه الشيخ الصدوق في كتابه "كمال الدين وتمام النعمة"، عن أبي علي بن همام، أنَّ الشيخ العمري(قده) أملاه عليه، وأمره أن يدعو به في غيبة القائم(عج).

وفي أحد الكتب الأربعة المعتبرة عند الشيعة وهو كتاب " الكافي " للشيخ الكليني، روى حواراً بين الإمام الصادق(ع) وأحد أصحابه المعروفين زرارة، جاء فيه سؤال زرارة للإمام الصادق(ع) عمَّا يفعل لو أدرك زمان إمامة المهدي(عج) قائلاً له: ما تأمرني لو أدركتُ ذلك الزمان؟

قال:ادع بهذا الدعاء:" اللهم عرِّفني نفسك، فإنَّك إن لم تعرِّفني نفسك لم أعرفك...الخ"(2)، وهذا من الإخبار بالغيب، لأنَّ الدعاء بكامله مروي عن الشيخ العمري، في زمن إمامة المهدي(عج).

إنَّ أدعية تعجيل الفرج بابٌ للفرج، فقد ورد عن الإمام المهدي(عج) فيما وقَّعه بخطه:"وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج، فإنَّ في ذلك فرجكم"(3). ومن هذه الأدعية دعاء العمري، نذكر مطلعه والقسم الأول منه، ثم نوضح أبرز معانيه:

"اللهم عرفني نفسك، فإنك إن لم تعرفني نفسك لم أعرف نبيك، اللهم عرفني نبيك فإنك إن لم تعرفني نبيك لم أعرف حجتك، اللهم عرفني حجتك فإنك إن لم تعرفني حجتك ضللت عن ديني، اللهم لا تمتني ميتة جاهلية، ولا تزغ قلبي بعد إذ هديتني، اللهم فكما هديتني بولاية من فرضت طاعته عليَّ من ولاة أمرك بعد رسولك صلوات الله عليه وآله، حتى واليت ولاة أمرك: أمير المؤمنين والحسن و الحسين وعلياً ومحمداً وجعفراً وموسى وعلياً ومحمداً وعلياً والحسن والحجة القائم المهدي صلوات الله عليهم أجمعين.

اللهم فثبتني على دينك واستعملني بطاعتك، ولين قلبي لولي أمرك، وعافني مما امتحنت به خلقك، وثبتني على طاعة ولي أمرك الذي سترته عن خلقك، فبإذنك غاب عن بريتك، وأمرَك ينتظر، وأنت العالم غير معلم بالوقت الذي فيه صلاح أمر وليك في الإذن له، بإظهار أمره وكشف ستره، فصبِّرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت، ولا أكشف عما سترته، ولا أبحث عما كتمته، ولا أنازعك في تدبيرك، ولا أقول:لم وكيف؟ وما بال ولي الأمر لا يظهر؟ وقد امتلأت الأرض من الجور؟. وأفوض أموري كلها إليك.

اللهم إني أسألك أن تريني ولي أمرك ظاهراً نافذاً لأمرك، مع علمي بأن لك السلطان والقدرة والبرهان والحجة والمشيئة والإرادة والحول والقوة، فافعل ذلك بي وبجميع المؤمنين حتى ننظر إلى وليك صلواتك عليه وآله ظاهر المقالة، واضح الدلالة، هادياً من الضلالة، شافياً من الجهالة، أبرز يا رب مشاهده، وثبِّت قواعده، واجعلنا ممن تقر عينه برؤيته، وأقمنا بخدمته، وتوفنا على ملته، واحشرنا في زمرته.

اللهم أعذه من شر جميع ما خلقت وبرأت وذرأت وأنشأت وصورت، واحفظه من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وعن شماله ومن فوقه ومن تحته بحفظك الذي لا يضيع من حفظته به، واحفظ فيه رسولك ووصي رسولك.

اللهم ومدَّ في عمره، وزد في أجله، وأعنه على ما أوليته واسترعيته، وزد في كرامتك له فإنَّه الهادي والمهتدي والقائم المهدي، الطاهر التقي النقي الزكي والرضي المرضي، الصابر المجتهد الشكور.

اللهم ولا تسلبنا اليقين لطول الأمد في غيبته وانقطاع خبره عنا، ولا تنسنا ذكره وانتظاره، والإيمان وقوة اليقين في ظهوره، والدعاء له، والصلاة عليه حتى لا يقنطنا طول غيبته من ظهوره وقيامه، ويكون يقيننا في ذلك كيقيننا في قيام رسولك صلواتك عليه وآله، وما جاء به من وحيك وتنزيلك، وقو قلوبنا على الإيمان به، حتى تسلك بنا على يده منهاج الهدى والحجة العظمى، والطريقة الوسطى، وقونا على طاعته، وثبتنا على متابعته، واجعلنا في حزبه وأعوانه وأنصاره، والراضين بفعله، ولا تسلبنا ذلك في حياتنا، ولا عند وفاتنا، حتى تتوفانا ونحن على ذلك، غير شاكين ولا ناكثين ولا مرتابين ولا مكذبين".

1- يبدأ الدعاء:"اللهم عرفني نفسك"، لأنَّ المعرفة الصحيحة لا تكون إلاَّ من عند الله تعالى، فهو الذي "عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ "(4)، وهو الذي يهدي إلى الصراط المستقيم،" قُلْ إِنَّ هُدَى اللهِ هُوَ الْهُدَى"(5)، وهو الذي أرسل الأنبياء هداة للبشرية، وعرَّفنا عليهم، وتعرفنا من خلال هذا الطريق على حججه وأوليائه، فلا طريق للمعرفة الحقَّة إلاَّ الله جلَّ وعلا، وهي التي تُنقذ من الجاهلية، والمؤمن بحاجة دائمة للتواصل مع ربه ليعينه على الاستمرار في طريق الهدى، وعدم الوقوع في الزيغ. وعليه أن يدعو ربَّه لذلك، "رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ "(6).

2- وفي الدعاء تربية النفس كي لا تتعجل ما أخَّره الله تعالى لحكمة يعلمها ومصلحة يريدها، " فصبِّرني على ذلك حتى لا أحب تعجيل ما أخرت ولا تأخير ما عجلت"، وفي حديث للإمام الصادق(ع) مع أحد أصحابه واسمه "مهزم" :"يا مهزم، كذب الوقَّاتون، وهلك المستعجلون، ونجا المسلمون"(7)، وفي رواية أخرى عن الإمام الصادق(ع):" إنما هلك الناس من استعجالهم لهذا الأمر، إن الله لا يعجل لعجلة العباد، إن لهذا الأمر غاية ينتهي إليها، فلو قد بلغوها لم يستقدموا ساعة ولم يستأخروا"(8).

3-يتشوق المؤمن لرؤية صاحب الزمان(عج) وقد ظهر وبسط دولته، ففي هذا الفرج منتهى السعادة، حيث يكون المرء بخدمة وليه، وتحت إمرته، ومستعداً للشهادة بين يديه. يدعو المؤمن ربَّه أن يحفظ الإمام (عج) ويطيل عمره، ويهلك أعداءه، ليسود المنهج الحق، ولتعم العدالة على الأرض.

يعيش المؤمن حالة اليقين بعظمة خالقه، يعبده كأنَّه يراه، ففي تفسير اليقين عن رسول الله(ص) في جواب جبرائيل له:"المؤمن يعمل لله كأنَّه يراه، وإن لم يكن يرى الله فالله يراه"(9). وكذلك يعيش اليقين بظهور الحجة مهما طال الغياب، فدربُ المؤمن واضحة، لا شك فيها ولا ريب، ومن عاش هذا اليقين بالله ورسوله وحججه بَلَغَ المرتبة العليا التي يذوق معها حلاوة الإيمان. جعلنا الله جلَّ وعلا ممن يعيشون هذا اليقين، فلا يرهقهم الاستعجال، ولا يغير من حالهم تأجيل الفرج.

الهوامش:

1- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 512.

2- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص: 342.

3- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 293.

4- سورة العلق، الآية: 5.

5- سورة البقرة، من الآية: 120.

6- سورة آل عمران، الآية: 8.

7- الشيخ الكليني، الكافي، ج1، ص: 368.

8- المصدر نفسه، ج1، ص: 369.

9- الشيخ الصدوق، معاني الأخبار، ص: 260.