باسمه تعالى
أجوبة الإمام(عج) لشيعته
كانت مواكبةُ صاحب الزمان(عج) لأصحابه وشيعته في شؤونهم المختلفة، وإجاباته عن أسئلتهم، في موضوعاتٍ شتى، بعضها فقهي، وبعضها الآخر توجيهي، وثالثها مواكب لحياة الناس في شؤونهم الخاصة، وهكذا... بحيث يبرز من التواقيع الكثيرة بخط يده في إجاباته بأنَّه كان حاضراً كقائدٍ مسؤول، على الرغم من غيابه عن رؤيتهم إياه.
وكما ذكرنا في مقالة سابقة، بأن التوقيع بخطه الشريف على الرسائل الواردة، شكلٌ من أشكال التواصل مع شيعته، وقد أعتمد هذا الأسلوب بشكل مكثف، ففي التوقيع مصداقية للمضمون وللسفير الناقل.
1- في إجاباته عن بعض المسائل الفقهية، عن محمد بن عبد الله بن جعفر الحميري، أنَّه سأل أسئلة عديدة، فورد التوقيع بالإجابات:
"سأله: عن المرأة يموت زوجها, هل يجوز لها أن تخرج في جنازته أم لا ؟
التوقيع: تخرج في جنازته.
سأله: وهل يجوز لها وهي في عدتها أن تزور قبر زوجها أم لا ؟
التوقيع: تزور قبر زوجها, ولا تبيت عن بيتها.
سأله: وهل يجوز لها أن تخرج في قضاء حق يلزمها, أم لا تخرج من بيتها وهي في عدتها ؟
التوقيع : إذا كان حقٌ خرجت فيه وقضته, وإن كان لها حاجة ولم يكن لها من ينظر فيها خرجت لها حتى تقضيها, ولا تبيت إلا في منزلها"(1).
2- وفي اهتمامه بقضايا ومطالب شيعته، ورد أن والد الشيخ الصدوق، أرسل إلى الإمام المهدي(عج) يطلب منه أن يدعو له بإنجاب ولد صالح، فدعا له الإمام، وأرسل يبلغه بذلك. وقد بلغ الشيخ الصدوق(قده)، المولود بدعاء صاحب العصر والزمان(عج)، مرتبةً عظيمة، حيث وصلت مؤلفاته إلى الثلاثمائة كتاب، وهو صاحب كتاب "من لا يحضره الفقيه"، أحد الكتب الأربعة المعتمدة عند الشيعة. تحدث السيد محمد مهدي بحر العلوم الطباطبائي عن الشيخ الصدوق(قده)، فقال: "محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي، أبو جعفر شيخ مشايخ الشيعة، وركن من أركان الشريعة, رئيس المحدثين, والصدوق فيما يرويه عن الأئمة الصادقين عليهم السلام, ولد بدعاء صاحب الأمر والعصر(عج), ونال بذلك عظيم الفضل والفخر، ووصفه الإمام(عج) في التوقيع الخارج من الناحية المقدسة بأنه:"فقيهٌ, خيرٌ, مباركٌ, ينفع الله به" . فعمَّت بركته الأنام, وانتفع به الخاص والعام, وبقيت آثاره ومصنفاته مدى الأيام، وعمَّ الانتفاع بفقهه وحديثه فقهاء الأصحاب, ومن لا يحضره الفقيه من العوام"(2) .
3- عندما اقتربت وفاة السفير الرابع للإمام المهدي(عج): الشيخ أبو الحسن علي بن محمد السمري (قده)، وبما أنَّه لن يكون بعده أي سفير للإمام، ومن أجل إعلام شيعته بهذا الأمر كي لا يدَّعي أحدٌ السفارة، وكي يعلموا أن البلاغ من صاحب الزمان(عج)، كتب الإمام توقيعاً يذكر فيه هذا الأمر، وأعطاه لسفيره الرابع، وفي التوقيع تأكيد على أنَّ من ادعى بأنَّه يشاهد الإمام باستمرار، وهو مكلف بالنقل عنه كالسفراء الأربعة، فهو كذابٌ مقترٍ، لأنَّه لن يكون للإمام سفيرٌ خلال الغيبة الكبرى، أي إلى ظهوره(عجَّل الله تعالى فرجه).
أخرج أبو الحسن علي بن محمد السمري(قده) إلى الناس قبل وفاته بستة أيام، توقيعاً نسخته: " بسم الله الرحمن الرحيم. يا علي بن محمد السمري, أعظم الله أجر إخوانك فيك، فإنك ميت ما بينك وبين ستة أيام، فاجمع أمرك, ولا توص إلى أحدٍ فيقوم مقامك بعد وفاتك، فقد وقعت الغيبة التامة، فلا ظهور إلا بعد إذن الله تعالى ذكره، وذلك بعد طول الأمد، وقسوة القلوب، وامتلاء الأرض جورا. وسيأتي شيعتي من يدَّعي المشاهدة، (ألا فمن ادعى المشاهدة) قبل خروج السفياني والصيحة فهو كذاب مفتر، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم" . قال أبو محمد الحسن بن أحمد المكتب : فنسخنا هذا التوقيع, وخرجنا من عنده، فلما كان اليوم السادس, عدنا إليه وهو يجود بنفسه. فقيل له: من وصيك من بعدك؟ فقال: لله أمرٌ هو بالغُهُ وقضى . فهذا آخر كلام سُمع منه رضي الله عنه وأرضاه"(3).
4- سافر أحد أنصار الإمام(عج) من أجل معاشه، ولكنَّه احتار حيرة شديدة، ولم يعلم إذا كان في سفره خيرٌ لآخرته أم لا؟ فقد شك أن يكون اهتمامه بالدنيا وولعه بها قد شغله عن طاعة ربه والقيام بواجباته، فكتب على يد سفير الإمام أبي القاسم بن روح(رض) إلى صاحب الزمان(عج)، يشكو تعلق قلبه بالدنيا، واشتغاله بالفحص والطلب والسعي لمعاشه. ويسأل عن الجواب كي تسكن نفسه وترتاح، فجاءه الجواب الذي يأمره بالعودة إلى وطنه، حيث ورد التوقيع: "من بحث فقد طلب، ومن طلب فقد ذل, ومن ذلَّ فقد أشاط, ومن أشاط فقد أشرك .
قال: فكففت عن الطلب, وسكَنَت نفسي، وعدت إلى وطني مسروراً والحمد لله"(4).
الهوامش:
1- الشيخ الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج22، ص: 245.
2- الشيخ الصدوق، الخصال، مقدمة الكتاب، ص: 8.
3- الشيخ الطوسي، الغيبة، ص: 395.
4- المصدر نفسه، ص: 323.