هو عنوان لكتاب صدر حديثاً من تأليف سماحة الشيخ نعيم قاسم نائب الأمين العام لحزب الله، ونشره معهد المعارف الحكمية للدراسات، ويقع في 108 صفحات من الحجم الوسط، وهو كتاب مهم ومفيد للعارفين والمهتمين بالمقاومة والعقيدة والمجتمع لما يحمله من مضامين تفصح عن اهداف المقاومة ورؤيتها وأساليب عملها في أكثر من مجال.
حوى الكتاب خمس محاضرات توزعت على خمسة عناوين رئيسية، ولكل عنوان رئيسي عناوين فرعية، وهوامش خاصة به. ويتحدث العنوان الاول، وهو "كيف نبني مجتمع المقاومة" عن مشروع المقاومة التي قامت في لبنان كنتاج طبيعي لمقاومات سبقتها فأخذت منها وجددت في أدائها فأتقنت ما استلمته من عبر وأصّلت ما اكتشفته من تجربة بناءً على المنطلقات الثقافية والفكرية التي انطلقت منها هذه المقاومة: "بالنسبة إلينا هي رؤية مجتمعية بكل أبعادها فهي مقاومة عسكرية وثقافية وسياسية وإعلامية، هي مقاومة الشعب والمجاهدين ومقاومة الحاكم والامة، ومقاومة الضمير الحر في اي موقع كان، ولذلك كنا ندعو دائماً لبناء مجتمع المقاومة، ولم نقبل يوماً بمجموعة المقاومة لأن مجتمع المقاومة يحمل الاستمرارية، أما مجموعة المقاومة فأداؤها ظرفي".
العنوان الثاني في الكتاب هو: "المقاومة بين الإرادة الشعبية والقرارات الدولية"، ويتحدث فيه عن المقاومة كتجسيد للإرادة الشعبية في رفض الاحتلال والمعنى الواسع للإرادة الشعبية ومفهومها. ثم يتطرق إلى الأزمات التي تعانيها في ظل أداء بعض القوى والقيادات والثقافة السائدة، إضافة للضغوطات السياسية الخارجية. أما العنوان الرئيسي الثالث في الكتاب فهو: "دور المقاومة الإسلامية في تحرير جنوب لبنان وتأثير ذلك على الصحوة الإسلامية"، ويبدأ بالحديث عن الاجتياح الإسرائيلي عام 1982 ومشاركة مجموعات من المؤمنين في التصدي للاجتياح، وكيف أنه لم يكن لهؤلاء المؤمنين أية صيغة سياسية واضحة ومحددة، ليشرح لنا بداية المقاومة الإسلامية وانطلاقة حزب الله والمعاناة التي رافقت الإنطلاقة والأهداف الإيمانية المستندة للإسلام المحمدي الأصيل والبناء الجهادي على أسس وقواعد إسلامية تحت راية الجهاد والشهادة في مواجهة المشروع الصهيوني. حيث "إن وجود الكيان الصهيوني الغاصب في منطقتنا مصيبة حلت على العرب والمسلمين وليس على الفلسطينين وحسب، ويجب التعاطي معه بقدر خطورته الشاملة للحاضر والمستقبل، وعن اساليب المواجهة - اثناء الإحتلال لجنوب لبنان - فإنها كانت مبنية على الاهتمام بأن تكون العمليات ضد أفراد الجيش الإسرائيلي بشكل مباشر، والابتعاد عن الحركات الإستعراضية وعدم الظهور او التواجد العسكري بين الناس، مع بناء امتن العلاقات معهم ومساعدتهم، إضافة للحرص على الإبتعاد عن الفتن الداخلية والتعاون مع كافة الاطراف التي ترغب بالعمل المقاوم. وحصر استخدام الكاتيوشا بتوازن القوة للدفاع عن الناس وعدم إطلاق هذه الصواريخ إلا بقرار دفاعي وصولاً في سياق هذا العنوان للحديث عن الإنتصار والتحرير، فيقول: "التحرير في مواجهة "إسرائيل" لا يتم عبر القرارات الدولية المعطلة وإنما عن طريق المقاومة، والان نقول فليتحرك بالدبلوماسية من يرغب فالمقاومة والإنتفاضة في فلسطين هي الحل لاستعادة الارض، ونحن معها ونؤيدها ونعتبرها طريق الخلاص لتحرير فلسطين". وهكذا أصبح اداء وعطاء المقاومة وإنجازاتها نموذجاً يحتذى به ويستفاد من تجربتها وأثبتت حضوراً تخطى كل التعقيدات ليصبح عنوان التحرير بأبعاده الوطنية والعربية والإسلامية رغم محاولات التشويش او التشويه التي لم تؤثر على الدعوة للتعاون مع مختلف القوى حول المقاومة ودعمها في ظل وجود تباين لدى الحركات الإسلامية.
العنوان الرابع جاء تحت عنوان: "موقعية المرأة في جهاد المقاومة"، وهو يشيد بالمرأة من خلال تفاعلها مع الشهادة والافتخار بها ومشاركة المرأة الفاعلة بالمقاومة وفي اكثر من مستوى عملي، ووفق ما تتطلبه الحاجة وما تتسم به الضوابط الشرعية وعن دورها في التعبئة وكيف أثر دور المرأة على الاصعدة السياسية والجهادية والإجتماعية وأخرجها من دائرة التقوقع والانعزال والانحصار المنزلي الى دائرة التأثير في البنية المجتمعية النهوضية للمقاومة، حيث يؤكد على مسؤوليتها ودورها استناداً الى القدوة الحسنة والتربية والأداء في مسيرة آل البيت "ع". ثم يتحدث عن دورها في تعزيز التكافل الإجتماعي وتحصين المجتمع الذي يشكل خلفية داعمة للعمل الجهادي المقاوم، وكيف أبقت المقاومة العنوان النسائي المستخدم في المعركة قوياً ودور المرأة الإعلامي والثقافي والتربوي والتعبوي ما يساعد على تحقيق الأهداف وتكامل الأدوار في المجتمع.
العنوان الرئيسي الخامس والأخير في الكتاب كان "المرتكزات السلوكية للمقاصد التربوية عند حزب الله". ويقول فيه "إن اول الطريق حسم الاتجاه، فهو الأساس الذي تبنى عليه القواعد والتفاصيل، وقد انطلق حزب الله باختيار الإسلام عقيدة وشريعة والالتزام به كمشروع متكامل في الحياة وعلى اساس الفهم والالتزام بنى حزب الله مرتكزاته السلوكية وسبق أداؤه تنظيره. وقد اعتمدت هذه المرتكزات على التربية الجهادية الصادقة المستندة الى الايمان والقناعة بأن تحرير الارض لن يتم إلا بالمقاومة ووجوب قتال، "اسرائيل" شرعاً وفق إعلان ولي أمر المسلمين، ويحدد في الكتاب ست خطوات أقرها حزب الله لتحقيق هذا الاتجاه، وكيف انعكس الالتزام بولاية الفقيه على أداء الحزب، وكيف يشكل حب الرسول "ص" وآل البيت "ع" دافعاً للعمل، وكيف تحول هذا الحب إلى ارتباط ومسار وليس مجرد علاقة عاطفية عابرة، لأن الحزب عمل على تأجيج هذه العلاقة العاطفية من خلال إحياء كافة المناسبات الرئيسية كذكرى المبعث النبوي الشريف وشهر رمضان بمضمونه ومناسباته، وعيد الغدير وعاشوراء ويوم ولادة الإمام المهدي "عج" بخصوصيته المستقبلية. ويأتي هذا الاهتمام متصلاً بالاهتمامات الفكرية والثقافية وإقامة الأنشطة الاستقطابية كون حزب الله هو حزب الناس جميعاً. ويشرح في مجال الأنشطة الإستقطابية صيغ العمل التي تندرج في إطار تفعيل وتحصين مجتمع المقاومة وتنوع الأنشطة، فهناك الأنشطة القرآنية والتثقيفية والتربوية لتكون المحصلة زيادة القدرة على مواجهة التحديات "وقد اختار الحزب ان يزرع الأمل ويشحن الهمم ويهئ أسباب القوة ويبحث عن العوامل الإيجابية المساعدة". ثم ينتقل بنا للحديث عن الخطاب السياسي للحزب الذي يمتاز بدقة وضوحه وآلياته التنظيمية. حيث يعتمد الحزب في خطابه السياسي على عدة أمور، ولكن ابرزها يكمن في الوضوح والصراحة ومراعاة المصالح والأولويات، ويؤكد ان المقاصد التربوية تبقى مجرد أهداف نظرية إذا لم تترجم بخطط وبرامج عملية تربوية تتحول إلى مرتكزات سلوكية تطبع أداء المنتمين إلى حزب الله. ثم يتطرق إلى المقاومة كحالة تربوية متجذرة عند المقاومين ومجتمع المقاومة من الاعتقاد والسلوك المستند ايضاً الى التأسيس والتأصيل لأن "المقاومة ليست ردة فعل سطحي وعفوي، بل هي ردة فعل تأسيسي وتأصيلي"، والمقاومة لها قوة متراكمة تنمو مع التصميم والعزيمة. ويختم سماحة الشيخ قاسم كتابه الذي يحتوي على الكثير من المعاني والدلالات والشروحات الهامة عن المقاومة والمجتمع المقاوم والبنية الداخلية والعقائدية بالدعوة الى الوحدة "فهي التزام لا عودة عنه ورفض التبعية ومحاربتها لا يخضع للتقية واستقلال موقف الحزب وحرية قراره دونهما كل التضحيات، وسيبقى الحزب صادق الوعد معها كلفة ذلك، وسيبقى قوياً صامداً امام الأعاصير.