قراءة في كتاب "عاشوراء مدد وحياة"
صدر حديثاً عن دار الهادي للطباعة والنشر كتاب من تأليف سماحة الشيخ نعيم قاسم، نائب أمين عام حزب الله، بعنوان "عاشوراء مدد وحياة". وكان الكتاب قد صدر بطبعته الأولى عام 2002.. وتصدر الطبعة الثالثة المزيدة والمنقحة في عام 2008. يقع الكتاب في 264 صفحة، ويتألف من إهداء ومقدمة وأربعة فصول.
مقدمة: إن كتاب "عاشوراء مدد وحياة" يدخل في صلب حياتنا الروحية والدنيوية بأبعادها المتصلة بالحياة الثقافية والتربوية والاجتماعية والسياسية، فهو يلقي الضوء بشكل مكثف على كربلاء الإمام الحسين عليه السلام بما هي تاريخ حيّ يتجدد ويتألق دوماً، وباعتبارها مدرسة تربي الأجيال على الحق والإيمان والشجاعة في مواجهة الظلم والعدوان، اقتداءً بشخصية الإمام الحسين الملهمة للأحرار، وما أنجزته النهضة الحسينية التي أنارت الطريق وكشفت الزيف والانحراف، وجعلتنا مدينين لعاشوراء بالتعبئة والنصر والشهادة والاستقامة والحيوية والنموذج.. والحاجة اليها مستمرة كي نوسع مداركنا ونرسم طريق عزتنا، لأن الحياة الإسلامية الأصيلة لا تكتمل إلا بنهج عاشوراء.
ومن هذه القناعة الإيمانية يعرض سماحة الشيخ نعيم قاسم الأفكار المستفادة من عاشوراء، مع عرض موجز عن سيرة الإمام الحسين عليه السلام بالتواريخ والوقائع، بعيداً عن الإطناب والحشو والاستطراد، ليستطيع القارئ أن يتعرف الى الحسين عليه السلام وأهدافه والدور العظيم الذي قام به لإحياء الدين.
وتتميز الطبعة الثالثة من كتاب "عاشوراء مدد وحياة" عن الطبعتين الأولى والثانية، بإضافة الفصل الأول له وهو بعنوان: "سيرة الإمام الحسين عليه السلام من الولادة إلى رفض البيعة". وفي هذا الفصل حديث عن الإمام الحسين عليه السلام من ولادته إلى علاقته مع جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، وأمه الزهراء عليه السلام، وأبيه أمير المؤمنين عليه السلام، وهي علاقات تتجاوز حدود العاطفة إلى الاقتداء والاستمرارية بالإسلام المحمدي الأصيل. كما يتضمن هذا الفصل وصية الأمير عليه السلام للحسين عليه السلام، ووصيته الأخيرة ليلة شهادته للإمامين الحسن والحسين عليهما السلام، ومكانة الإمام الحسين وعبادته وأخلاقه، وكلمات مضيئة للإمام الحسين عليه السلام تصلح قواعد للحياة، لإيجازها وبلاغتها ومدى تأثيرها في شخصية المؤمن روحياً وعلمياً. وأيضاً يتحدث عن علاقة الحسين عليه السلام مع أخيه الحسن عليه السلام، وكيف كان نموذجاً راقياً بالعمل تحت راية أخيه ومتصرفاً معه باحترام وتقدير، وسبب الإقدام على إنهاء الباطل بداية بكشف الظلم وضرورة التغيير. وهنا يختم الفصل الأول بالحديث عن مرحلة الإمام الحسين عليه السلام خلال حكم معاوية.
وفي الفصل الثاني من الكتاب نتعرف الى مسيرة الإمام الحسين عليه السلام إلى كربلاء، ابتداءً من طلب البيعة والرد الحاسم للإمام عليه السلام ـ مثلي لا يبايع مثله ـ والاستعداد للخروج من المدينة ورؤيته جده رسول الله قبل مغادرته إلى مكة، وقوله للإمام الحسين عليه السلام: كأني أراك عن قريب مرملاً بدمائك، مذبوحاً بأرض كرب وبلاء. وبعد حزن دخل آل بيت رسول الله، عزم الإمام الحسين عليه السلام على الخروج من مكة وكتب وصيته على طريق الحق قائلاً: إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، إنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي صلى الله عليه وآله وسلم. وذلك استناداً إلى فهم الواقع ومعرفة الطريق الصحيح.
وبعد دخول مكة وكتب أهل الكوفة والخروج من مكة على درب الشهادة ونصائح العودة أثناء الطريق وإصرار الإمام الحسين على لقاء الله محقاً، ثم وصوله إلى كربلاء وما حدث قبلهما مع الإمام الحسين عليه السلام إلى يوم عاشوراء.
وخطب الإمام الحسين عليه السلام وشهادته في عاشوراء التي هي المأساة والشهادة والصبر والمعاناة والتحمل. وهي بالفعل الإيماني مدرسة الماضي والحاضر، لكونها ليست قصة من التاريخ فقط، بل هي حياة وتربية، وهي مدرسة تخرج المؤمنين والمجاهدين في قتال أعداء الله.. وهكذا فعل شباب المقاومة الإسلامية الذين تخرجوا من هذه المدرسة الحسينية الخالدة.
وفي الفصل الثالث الذي جاء بعنوان "إضاءات على السيرة"، يتحدث بشرح وافٍ عن أسباب الثورة الحسينية، طارحاً قبل ذلك أربعة عشر سؤالاً عن البيعة وحتمية المواجهة وإقدام الإمام الحسين عليه السلام على مسيرته مع علمه المسبق بنتائج كربلاء، وأسباب اصطحابه النساء والأطفال، وتراجع أهل الكوفة وتفسير قطع الرؤوس والتمثيل بالجثث، وعلاقة العبادة بالمعركة.. وأيضاً لماذا يستمر إحياء المجالس العاشورائية والتركيز على البكاء؟ وهل يسبب إحياء عاشوراء نعرات مذهبية بين المسلمين؟ ويقدم سماحته في هذا الفصل أجوبة موثقة بالأدلة وتحليلا يوضح المواقف المتخذة. مركزاً على دور القيادة في مسيرة الحياة، والإيمان بالولاية والثقة بالنصر الإلهي، ومسؤولية الأمة في إعداد العدة والاستقامة، والمسؤولية في مدرسة عاشوراء وتعبئة الأمة على أقصى روحية في العطاء. وهذه الروحية نشرتها كربلاء في الأمة وعبأت باتجاه الإيمان بالبذل إلى أقصى درجات العطاء.
من هنا فإن الإمكانات المادية لم تكن السبب في انتصار المقاومة الاسلامية في لبنان، فمن المعلوم أن امكانات العدو الاسرائيلي أكثر بكثير، ولكن الإخافة بالقتل لم تنفع مع محبي الشهادة الذين يسعون للفوز بإحدى الحسنيين.. وعاشوراء لهم مدد دائم لا ينضب، وحيوية مستمرة تعبئ النفوس، ومدرسة تخرج الأبطال والشهداء، برغم استبدال السيف الذي يقطع الرأس والأعضاء بالصواريخ كما يفعل اليوم الاستكبار العالمي وربيبته "اسرائيل".
وأما الفصل الرابع في الكتاب فقد تضمن إحدى عشرة محاضرة عاشورائية عن الاستقامة ومسؤوليتنا تجاه عاشوراء، وشرحا لمعاني ومفهوم التكليف الشرعي، والعاطفة التي ترتبط بالأفكار والمشاعر، والتفاعل مع الإمام الحسين عليه السلام، النموذج الحي المتجدد، والعزة والذلة ودور المرأة في كربلاء ـ السيدة زينب عليها السلام نموذجاً ـ التي قدمت المساهمة الكبرى في إيضاح أهداف الإمام عليه السلام، وكشف انحراف الحكم، بسبب سعة علمها وقوة منطقها وتبنيها لهذا المنهج. وأيضاً محاضرة بعنوان "لكي نكون في معسكر الإمام الحسين عليه السلام" ولا ننحرف عن طريق الإسلام من خلال الإيمان والالتزام والموالاة والاستعداد للشهادة. أما المحاضرة العاشرة فكانت بعنوان "كيف نهيىء لوراثة الأرض؟ وعامل القيادة والقوة والإخلاص لله تعالى".
والمحاضرة الأخيرة في الكتاب هي عن الحزن والبكاء في عاشوراء، وقول الرسول صلى الله وآله: ان لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً.. والإمام الحسين عليه السلام هو نموذج وقائد للإنسانية لا يخص طائفة أو جهة، إنه المصلح الذي انتفض على مجتمعه لمصلحة الاستقامة، إنه الخط الإلهي الممتد عبر التاريخ وعبر الأنبياء، إنه الخط الصحيح الذي يعالج شؤونا وقضايا، إنه العنوان الإنساني في كل مفرداته وتفاصيله.. فالتجربة الإنسانية لكل الناس، وهي تتجاوز كل الاعتبارات، وتبقى عاشوراء مددا وحياة ومجالس للتعرف الى الإسلام العظيم بتجربته الرائدة. ومن هنا نعرّف الكتاب بأنه كتاب معرفة للمسلمين، وهو أيضاً لفائدة الإنسان بمضامينه الروحية والإنسانية.