مقالات

المهدي(عج) خلاصة الهداة

ركَّزت الرسالات السماوية الثلاثة: اليهودية، والنصرانية، والإسلام، على وجود المخلِّص والمنقذ، الذي يظهر في آخر الزمان واقتراب الحياة البشرية من نهايتها، ليعمم العدل ويقود البشر، مستنداً إلى المؤمنين به، ليمد سلطته على المعمورة كافة. وقد اختلفت التفاصيل التي تُبشِّر به، فاليهودية تعتبره المسيح الذي سيظهر، وهو غير النبي عيسى(ع)، والنصرانية تنتظر قيامة المسيح وظهوره مجدداً بعد "موته" بحسب اعتقادهم، والمسلمون يجمعون على تسمية المهدي(عج) ولكنهم يختلفون في تحديد هويته.

ركَّزت الرسالات السماوية الثلاثة: اليهودية، والنصرانية، والإسلام، على وجود المخلِّص والمنقذ، الذي يظهر في آخر الزمان واقتراب الحياة البشرية من نهايتها، ليعمم العدل ويقود البشر، مستنداً إلى المؤمنين به، ليمد سلطته على المعمورة كافة. وقد اختلفت التفاصيل التي تُبشِّر به، فاليهودية تعتبره المسيح الذي سيظهر، وهو غير النبي عيسى(ع)، والنصرانية تنتظر قيامة المسيح وظهوره مجدداً بعد "موته" بحسب اعتقادهم، والمسلمون يجمعون على تسمية المهدي(عج) ولكنهم يختلفون في تحديد هويته.

الملفت أننا نجد فكرة المخلِّص منتشرة عند الوثنيين والأقوام الذين لم يلتزموا بالرسالات السماوية، فهم متعلقون بشخص يشكل خشبة خلاصهم، سيظهر في يوم من الأيام، وتتصوره كل جهة في حياتها بصور مختلفة، كأن يتراءى للبعض بكرامات تحصل، أو يعيش أحاسيساً بتأثيره عليه، أو يرد بعض الظواهر السلبية والإيجابية إلى غضبه أو رضاه، ولعلَّهم استفادوا من هذه الفكرة من آثار دعوة الأنبياء(عم) عبر التاريخ، ومما توصَّل إليه أحبارهم أو قادتهم الروحانيون من ربط للقوم بالمستقبل بطريقة إيجابية تؤملهم بخلاصهم، وهي حاجة نفسية وحياتية مؤثرة عند أي جماعة بشرية.

سيعالج بحثنا مسألة المخلِّص من وجهة نظر الإسلام ، حيث أنَّها تشكل النظرة الأشمل والأكمل والأكثر دقة وواقعية، أي أننا سنتحدث عن الإمام المهدي(عج) بما يمثل من خلاص للبشرية جمعاء، وما حوته الآيات القرآنية والروايات الشريفة من تفاصيل وتوسعة تضيء سبيلنا، لنتلمس خطوات الظهور بعلاماتها وزمانها.

خلق الله تعالى الإنسان مخيَّراً، قال تعالى: إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً ا"(1)، وهذا ما يؤدي بشكل طبيعي إلى أن يؤمن بعض الناس، ويكفر البعض الآخر، " وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاء فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاء فَلْيَكْفُرْ "(2). ولا بدَّ أن يتعرض الإنسان لما يشجِّعه ويرغِّبه لسلوك طريق الإيمان، كإرسال الأنبياء والرسل، ليرشدوه إلى طريق الهداية، ويبيِّنون له محاسن وفضائل وخيرات الاستقامة، ويبشرونه بالجنة وينذرونه بالنار نتيجة أعماله في هذه الحياة الدنيا، فلا مناص من الحساب على ما قام به من عمل في حياته التي عاشها بإرادة الله تعالى، من حيث مكانها وتوقيتها، بدايةً ونهاية. كما يتعرَّض لما يغريه ويغويه ويجذبه إلى الانحراف، بتزيين الباطل، "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ "(3) ، بحيث يُعتبر الشيطان وأعوانه رمزاً لسلوك طريق الكفر والانحراف.

ولكن ، ما الذي يريده الله تعالى؟ إنَّه يريد هدايتنا وسعادتنا، واستقامتنا في الدنيا، وفوزنا بجنة الآخرة، " يُرِيدُ اللهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ "(4) . في مقابل ما يريده الشيطان من ضررٍ للإنسان بحرفه عن الحق، وتضليله في حياته، وإيقاعه في الرذائل،" إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ "(5).

ومع أنًَّ أكثر الناس لا يؤمنون، أراد الله تعالى الفوز للمجاهدين والصابرين وأصحاب العزم، إنسجاماً مع ما قدَّر الله تعالى من طبيعة خلق الإنسان، " المر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ الْحَقُّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يُؤْمِنُونَ "(6) ، ووفَّر الله تعالى كل عوامل إلقاء الحجة، كي لا يبقى أي عذرٍ لمعتذر، وهو ما تجسَّد بإرسال الهداة الميامين، في كل زمان ومكان، بحيث لا تخلو الأرض من حجة، سواء أكان نبياً أو إماماً، ظاهراً أو مستوراً، فعن أبي عبد الله(ع)، عن آبائه، عن أمير المؤمنين علي(ع) أنَّه قال في خطبة له على منبر الكوفة:"اللهم إنَّه لا بدَّ لأرضك من حجة لك على خلقك، يهديهم إلى دينك، ويعلمهم علمك، لئلا تبطل حجتك، ولا يضل اتباع أوليائك بعد إذ هديتهم به، إمَّا ظاهر ليس بالمطاع، أو متكتم مترقب، إن غاب عن الناس شخصه في حال هدايتهم، فإنَّ علمه وآدابه في قلوب المؤمنين مثبتة، فهم بها عاملون"(7).

إنَّ وجود الهداة في كل الأزمنة ضرورة للإقتداء وتصويب المسار، حيث تلتبس الأمور على الناس بسبب اختلاف القادة والزعماء وأصحاب الاتجاهات المختلفة، فيصعب التمييز بين الحق والباطل، أمَّا مع التسليم للهداة فإنَّ المرء يطمئن ، وتنكشف له كل الحقائق، ويسلك طريق صلاحه في هذه الدنيا. عن بريد بن معاويةالعجلي، قال: قلت لأبي جعفر(ع): ما معنى:"إنما أنت منذر ولكل قوم هاد"، قال(ع):" المنذر رسول الله(ص) ، وعلي(ع) الهادي، وفي كل وقت وزمان ، إمامٌ منَّا يهديهم إلى ما جاء به رسول الله(ص)" (8).

الحجَّة قائمة على البشر منذ آدم(ع) وإلى المهدي(عج)، وهي متحققة بالأنبياء والأئمة المعصومين كي لا يحصل أي خلل في التبليغ أو التوجيه أو القيادة. وبهذا يكون تكليف الإنسان واضحاً وسليماً. والحجة مسؤولية على عاتق الإنسان، إذ عليه تأدية حقها باتباعها، والالتزام بما تمليه عليه في حياته وأعماله. والحجة لا تترك عذراً لمعتذر، فهي تخاطب العقل بالدين والاقناع، والروح بتنميتها وتعزيز صلتها بالله تعالى، والسلوك بإرشاده وفق توجيهات الحلال والحرام. فهنيئاً لمن استمع إلى دليل العقل بوجود حجة الله تعالى على العباد، والتزم بتعاليم الإسلام التي تنير طريقه في كل نواحيها، وآمن بما يدُّله على أن حجة هذا الزمان خلاصة الهداة المعصومين الإمام المهدي(عج)، ثم هنيئاً لمن تتبع أخباره، وعاهده على الالتزام بنهجه وتوجيهاته، وانتظر حضوره وظهوره في الأمة، ليملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً.

الهوامش:

1- سورة الإنسان، الآية: 3.

2- سورة الكهف، من الآية: 29.

3- سورة آل عمران، الآية: 14.

4- سورة النساء، الآية: 26.

5- سورة المائدة، الأية: 91.

6- سورة الرعد، الآية: 1.

7- الشيخ الصدوق، كمال الدين وتمام النعمة، ص: 302.

8- المصدر نفسه، ص: 667.