الدعاء باب من أبواب فرج مولانا صاحب العصر والزمان(عج)، وقد أمرنا الله تعالى بالدعاء ووعدنا بالاستجابة، خاصة عندما يكون الدعاء بشروطه التي تستتبع الإجابة، من الإيمان، وإخلاص النية، والثقة بعطاء الله تعالى، وتعلق القلب بمصدر العطاء... ولا يملك المؤمن أمام شدة الزمان على أهله، وكثرة الظلم والفساد ، وقلة أنصار الحق، إلاَّ الدعاء لله تعالى بالفرج القريب العاجل كلمح البصر أو أقرب من ذلك.
قال تعالى:" وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ "(1)، كما اعتبر جلَّ وعلا أن الاهتمام الإلهي بالمخلوقين يترتب على دعائهم له، قال تعالى:" قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ فَقَدْ كَذَّبْتُمْ فَسَوْفَ يَكُونُ لِزَاماً "(2). فالدعاء باب السؤال لفتح طريق الإجابة، إذ توجد أمور لا يمكن تحققها أو استعجالها إلاَّ بالدعاء. وبما أن الدعاء لله تعالى مصدر كل عطاء، فإنَّ إجابة الطلب يحققها الله تعالى لعبده المؤمن بإحدى طرق ثلاث، إمَّا في تعجيل إجابة الدعاء، أو رفع البلاء، أو زيادة حسنات الآخرة.
اعلم أيُّها المؤمن، أنها نعمة كبرى أن يأذن الله تعالى لك بالدعاء الذي يفتح باب الرحمة الإلهية، فعن رسول الله(ص):"أفضل العبادة الدعاء، فإذا أذن الله للعبد في الدعاء فتح له باب الرحمة، إنَّه لن يهلك مع الدعاء أحد"(3). وهنيئاً لك إذا كنت من المقربين الذين يطيعون الله ولا يعصونه، فإذا دعوته أجابك، بل من رحمة الله تعالى عليك أنك إذا عصيت ثم تُبت إليه ودعوته أجابك، ففي الحديث القدسي:"قال الله تعالى: أهل طاعتي في ضيافتي، وأهل شكري في زيادتي، وأهل ذكري في نعمتي، وأهل معصيتي لا أؤيسهم من رحمتي، وإن تابوا فأنا حبيبهم، وإن دعوا فأنا مجيبهم.." (4).
من المحتوم أن فرَّجَ مولانا المهدي(عج) فرجٌ للأمة وللبشرية جمعاء، ولا نجزم بتوقيت هذا الفرج، لكنَّ دعاءنا بفرجه وفرجنا معه يساعد في التعجيل، وعلى الرغم من رغبتنا بتعجيل الظهور لبقية الله الأعظم(عج) فإن للأمور سياقها وشروطها وظروفها التي لا نعلمها، والله أعلم بها، فما علينا إلاَّ العمل والانتظار والدعاء بالفرج، فهذا هو تكليفنا، وما توفيقنا إلاَّ بالله العلي العظيم. ورد في الدعاء:"اللهم ارزقني حبَّ محمد وآل محمد، وتوفني على ولايتهم، اللهم العن ظالمي آل محمد حقهم، وانتقم منهم، اللهم عجِّل فرج وليك وابن وليك، واجعل فرجنا مقروناً بفرجهم، يا أرحم الراحمين"(5).
الدعاء صلة بين العبد وربه، يريح العبد ويطمئنه بأنَّه أودع مطالبه عند مليك مقتدر، وهو نوع من المناجاة لبث الشكوى إلى الله تعالى عما يعانيه المؤمن وما يرغب به، وله ميزة صدوره من القلب المفعم بالحب لله تعالى والأمل بنصرته، ما يجعل هذا النمط من اللجوء إلى الباري جلَّ وعلا يؤدي إلى شحنة معنوية وروحية عظيمة، فيها السكينة وهدوء النفس، فما بالك إذا كان الدعاء على مستوى فرج مولانا صاحب العصر والزمان(عج)، الذي تُفتح بظهوره كل خزائن الخيرات، ويعم العدل والسلام كل المعمورة، ويسود حكم الإسلام البشرية، ويطمئن المؤمنون إلى سلامة القيادة وحكمتها واقتدارها.
كلُّ دعاءٍ قليلٌ ومحدود الآثار أمام دعاء الفرج الذي تعمُّ خيراته البشرية، وإذا كان الله تعالى يفتح خزائنه لإجابة أي دعاء، فكيف لو اجتمع المؤمنون من كل أقطار الأرض ولهجوا بالدعاء بالفرج صباحاً ومساءٍ وفي كل حال من أحوالهم. أوصى أمير المؤمنين علي(ع) ابنه الإمام الحسن(ع) فقال:"إعلم أنَّ الذي بيده خزائن ملكوت الدنيا والآخرة، قد أذِنَ لدعائك، وتكفَّل لإجابتك، وأمرك أن تسأله ليعطيك، وهو رحيم كريم، لم يجعل بينك وبينه من يحجبك عنه، ولم يلجئك إلى من يشفع لك إليه...ثم جعل في يديك مفاتيح خزائنه بما أذِنَ فيه من مسألته، فمتى شئت استفتحت بالدعاء أبواب خزائنه، فألحَّ عليه بالمسألة، يفتح الله باب الرحمة..." (6).
لقد وردت أدعية كثيرة ترتبط بالفرج، منها ما هو منسوب إلى الإمام الحجة(عج)، ومنها ما هو وارد عن النبي(ص) والأئمة(ع) في فرج مولانا(عج). وقد تعنونت بعناوين مختلفة: كدعاء الفرج، ودعاء المهدي، ودعاء الحجة، ودعاء الاستغاثة بالحجة، والدعاء لإمام العصر والزمان، ودعاء العهد، وغيرها... وهي أدعية تدعو للفرج، وتدعو لتحلي المؤمنين بصفات الإيمان والطاعة والتوفيق، وتربط بينهما في تأكيد واضح على التلازم بين وجود الثلة المؤمنة المجاهدة وتعجيل فرج مولانا(عج). كما توجد أدعية أخرى لا تحمل عنوان الدعاء بالفرج لكنَّها تحمل في طياتها هذا الطلب. وحيث أكدنا على تلازم صفات الإيمان مع الفرج، فكل دعاء للصلاح يؤدي إلى تعجيله، وإن كان المطلوب أيضاً أن ندعو بشكل دائم بفرج مولانا(عج)، فعن الإمام الحجة(عج) فيما وقَّعه بخطه:"وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج فإنَّ في ذلك فرجكم"(7).
فإلى المزيد من تهيئة الزاد لهذه المهمة العظيمة، مدعومة بالدعاء والطلب من العلي القدير أن يعجل فرج مولانا صاحب العصر والزمان، أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
الهوامش:
1- سورة غافر، الآية:60.
2- سورة الفرقان، الآية: 77.
3- السيد ابن طاووس، المجتبى من دعاء المجتبى ص:5.
4- ابن فهد الحلي، عدة الداعي، ص: 238.
5- الشيخ المفيد، المقنعة ص: 488.
6- السيد ابن طاووس، كشف المحجة لثمرة المهجة ص:164.
7- الشيخ الطوسي، الغيبة ص:293.