إنَّ الممهدين من أنصار الإمام المهدي(عج) يتميزون بالصفات الإسلامية اعتقاداً وقولاً وعملاً، فإذا تم تطبيق تعاليم الإسلام بالشكل الصحيح في حياتهم العملية، ظهروا كمنارات هدى تدل بشكل مباشر على حقيقتهم وأهليتهم، "سيماهم في وجوهم من أثر السجود". ونؤكد على الفهم والتطبيق الصحيح، لأنَّ أي تفسير أو فهم خاطئ يغيِّر المعالم ويضيِّع الطريق، خاصة إذا ما كان الموضوع أساسياً ومؤثراً في الاتجاه العام.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة لمجلة بقية الله-العدد149
شهر شباط
كيف تكون ممهداً؟
إنَّ الممهدين من أنصار الإمام المهدي(عج) يتميزون بالصفات الإسلامية اعتقاداً وقولاً وعملاً، فإذا تم تطبيق تعاليم الإسلام بالشكل الصحيح في حياتهم العملية، ظهروا كمنارات هدى تدل بشكل مباشر على حقيقتهم وأهليتهم، "سيماهم في وجوهم من أثر السجود". ونؤكد على الفهم والتطبيق الصحيح، لأنَّ أي تفسير أو فهم خاطئ يغيِّر المعالم ويضيِّع الطريق، خاصة إذا ما كان الموضوع أساسياً ومؤثراً في الاتجاه العام.
ولتقريب الصورة نذكر بعض الصفات الأساسية التي يُساعد توفرها في المؤمن أن يكون من جنده وأعوانه قبل ظهوره، استعداداً لنصرته والشهادة بين يديه في حال حضوره، وعندها لا فرق بين أن يلحق به أو أن يموت قبل ذلك، لأنَّ اختياره للخط الإسلامي المحمدي الأصيل، هو الطريق الموصل إلى العبادة والاستقامة تحقيقاً لمرضاة الله، بموالاة أوليائه ومعاداة اعدائه، وهذا هو المطلوب.
1-الصبر: الدنيا دار بلاء ليميز الله الخبيث من الطيب، وكلما زاد الإيمان زاد البلاء، قال تعالى:" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ"(1)، وقال الرسول(ص):"نحن معاشر الأنبياء أشد الناس بلاء، والمؤمنون الأمثل فالأمثل"(2). ولا يخفى ما لغيبة ولي الأمر الإمام المهدي(عج) من صعوبة ومرارة، فرؤية المعصوم، والاقتداء بأوامره المباشرة، ومتابعة خطواته وتوجيهاته، يختلف عما عداه، فثبات الإيمان مع غيبة المهدي(عج) صبر ايجابي يؤتي ثماره في حياة الإنسان. قال رسول الله(ص):"المهدي من وُلدي الذي يفتح الله به مشارق الأرض ومغاربها، ذاك الذي يغيب عن اوليائه غيبةً لا يثبتُ على القول بإمامته إلاَّ من امتحن الله قلبه للإيمان"(3).
أضف إلى ذلك، ابتعاد الزمان عن نزول التشريع على قلب رسول الله(ص)، حيث كثُر من بعده المتحدثون والمتكلمون والمفسرون من ناحية، ومن ناحية أخرى ازدادت الحياة الاجتماعية والإنسانية تعقيداً بسبب التطور المادي الكبير، وفنون الفساد المتنوعة التي غزت البيوت واقتحمت المحرَّمات، وأدلى فيها الشيطان بدلوه المملوء بالإغراء والإغواء والزينة، ما يجعل قيمة المؤمن الصابر في هذا الزمان عظيمة عند الله تعالى. فعن رسول الله(ص):"سيأتي قوم من بعدكم، الرجل منهم له أجرُ خمسين منكم.
قالوا:يا رسول الله نحن كنَّا معك ببدر وحنين وأُحد، ونزل فينا القرآن!
فقال(ص):إنَّكم لو تحملون ما حملوا لم تصبروا صبرهم"(4).
وهل جزاء الصبر إلاَّ المكافأة؟ وهل جزاء الإنتظار إلاَّ وراثة الأرض بقيادة الحجة(عج)؟ إذاً مهما كانت الصعوبة في انتظار الفرج، ومُلك الأرض المؤجل للمؤمنين، يجب أن ننظر إلى العاقبة لا إلى صعوبة اللحظة التي نعيشها. عن امير المؤمنين علي(ع):"مزاولة قلع الجبال أيسر من مزاولة مُلكٍ مؤجَّل! واستعينوا بالله واصبروا، إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين، ولا تعاجلوا الأمر قبل بلوغه فتندموا، ولا يطولنَّ عليكم الأمد فتقسو قلوبكم"(5).
2-البعد عن الهوى: كل مصائبنا من اتباع الهوى ومخالفة اوامر الله تعالى، ومن ربط إصلاح حاله بحضور الإمام(عج) فقد سلك الطريق الخاطئ، وهل الانتظار إلاَّ توفر الأهلية الإيمانية في الفرد ليكون جندياً مستعداً لطاعة الله! إذاً كيف يتوقع أن يكون مع الإمام(عج) وهو لم يؤهل نفسه قبل ذلك بأنواع الاستعدادات كافة! وكلما بذل جهداً اكبر لمعاندة هواه، ونجح في تنمية تقواه، وعمل في خط الجهاد، كلمَّا انطبقت عليه صفات الموالاة التي تضمن له الالتحاق بركب الهداية والقيادة. عن امير المؤمنين علي(ع):"إلزموا الأرض، واصبروا على البلاء، ولا تحركوا بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم، ولا تستعجلوا بما لم يعجله الله لكم، فإنَّه من مات منكم على فراشه، وهو على معرفة حقِّ ربه وحقِّ رسوله(ص) وأهل بيته(ع)، مات شهيداً ووقع أجره على الله، واستوجب ثوابَ ما نوى من صالح عمله، وقامت النية مقام إصلاتِهِ لسيفه، وإنَّ لكل شيء مدة وأجلاً"(6).
3-التمسك بالإسلام: إننا نواجه اليوم هجمة عدوانية شرسة على الإسلام، حيث يريد الكفر العالمي إلغاء صورته ومضمونه من حياة المسلمين، فإن لم يستطع فبابقاء الصورة المفرَّغة من المضمون. وقد عمل المستكبرون خلال مئات السنين السابقة لتعطيل قدرة الإسلام في الحكم والمجتمع، وشوَّهوا تعاليمه، وألصقوا به التهم الكثيرة، لإبعاد الناس عن الإسلام. إنَّه تحدٍ كبير لإبقاء جذوة الإسلام مشتعلة، ونور الهداية منتشراً، فإذا تمسكنا بهذا الدين وأصالته على الرغم من كل التحديات، وإذا بقينا مدافعين عن تعاليمه مهما قلَّ الناصرون، وإذا عملنا لتثبيت بعضنا البعض وتوحَّدنا لمواجهة المنكرين والكافرين، وإذا وثقنا بأنفسنا وديننا وتوكلنا على الله تعالى لاستخراج عوامل القوة الكامنة فينا...فإننا منتصرون بإذن الله تعالى.
فقد انتصرت الثورة الإسلامية المباركة في إيران بقيادة الإمام الخميني(قده) رغم مخالفتها لموازين القوى والتسلُّط في الشرق والغرب، بنعمة الثبات على الإسلام والتمسك به، ودحرت المقاومة الإسلامية في لبنان أعتى أعداء البشرية إسرائيل فأخرجتها ذليلة، بالتمسك بهدي الإسلام وأنوار النبي(ص) والأئمة(ع) رغم أنف الحاقدين والموتورين والظلمة والمعتدين، فالثابت على دين الإسلام دين الحق يزداد قوة ومنعة وعزيمة، ويتجاوز المحن والفتن مهما أظلمت، وهو بذلك يساهم في نصرة الدين في خط الانتظار والولاية. قال رسول الله(ص):"اللهم لَقِّني إخواني. قالها مرتين، فقال من حوله من أصحابه:أمَا نحن إخوانك يا رسول الله؟!
فقال :لا، إنَّكم أصحابي، واخواني قومٌ في آخر الزمان آمنوا بي ولم يروني..ولقد عرَّفنيهم الله بأسمائهم وأسماء آبائهم من قبل أن يُخرجهم من أصلاب آبائهم وأرحام أمهاتهم، لأحدهم أشدُّ بقية على دينه من خرط القتاد(7) في الليلة الظلماء، أو كالقابض على جمر الغضا!. أولئم مصابيح الدجى، يُنجيهم الله من كل فتنة غبراء مظلمة"(8).
4-معرفة إمام الزمان: في الحديث:"من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية"(9). سواءً أكان الإمام حياً حاضراً أو غائباً مستوراً، ولا يمكن إكمال مشروعية عمل الإنسان من دون الالتزام بالقيادة التي توجِّه نحو مصالح الأمة وعزتها. ولا يصح الاكتفاء بالشأن الفردي في الالتزام الإسلامي فهذا أحد جوانب الالتزام، بل يجب البحث عن الدور والتكليف في شؤون الأمة والمجتمع، في قضايا المسلمين وحاجاتهم، في موقع الإنسان من الجماعة ومساهمته في قوتها ومكانتها، وهذا ما يحتاج إلى القيادة التي ترسم الأدوار وتحدد الأهداف المرحلية العملية، وتُبرئ ذمة المكلف في القيام بما عليه. كذلك تفصل القيادة بين الصحيح والخطأ، بين الحرب والسلم، بين الصبر والاقتحام، بحسب ما تتطلبه الظروف الموضوعية. فالإسلام دين الفرد والجماعة، دين الفرد لذاته ومن ضمن جماعة المسلمين، وهذا مرتبط بالقيادة التي تحدد مسار الأمة وواجباتها.
فمع غياب الإمام كما هي حالتنا اليوم مع الإمام المهدي(عج)، يكون الارتباط به ارتباط إيمان وتمهيد، بحيث نقتدي بالموالين له، والعارفين بأحكام الشريعة، وهذا ما يجعلنا نرتبط بولي أمر الأمة نائب الإمام الحجة(عج) الولي الفقيه الإمام الخامنئي(حفظه الله)، وبذلك نكون قد أسقطنا التكليف عن انفسنا، وأحسنَّا اختيار الطريق. عن الإمام الكاظم(ع):"من مات وهو عارفٌ لإمامته، لم يضرُّه تقدَّم هذا الأمر أو تأخَّر، ومن مات وهو عارفٌ لإمامته، كان كمن هو مع القائم في فسطاطه"(10).
5-الجهاد: الجهاد حماية للأمة من أعدائها، وحصانة لها لتختار طريقها بكل حرية. الجهاد حمى الدولة الإسلامية الناشئة في المدينة المنورة وردَّ كيد الأعداء، وهو الذي يمنع المستكبرين والمستعمرين من تحقيق أطماعهم في بلاد المسلمين. وأي تربية تستبعد الجهاد ضد أعداء الله تعالى ستؤدي إلى الهزيمة والإنكسار والاستسلام، لقد دفع المسلمون ثمناً باهظاً بتقسيم دولهم، وسيطرة الاستكبار على ثرواتهم، وتسلطه على مقدرات بلدانهم، وزرع الصهاينة في قلب الأمة في فلسطين الحبيبة، وغيره كثير، كل ذلك بسبب التخلي عن فريضة الجهاد بشرطها وشروطها لا كيفما كان.
إنَّ صفات الموالين للإمام الحجة(عج) يتوِّجها الجهاد، فسيظهر في زمن يكثر فيه الظلم والفساد والطغيان والعدوان، ولا يمكن مواجهتها بالكلمة فقط، فهناك جهات لها مصالح كسبتها عن هذه الطرق الملتوية ولن تستغنِ عنها، وسيقاتلون الإمام ويواجهونه أيضاً. فلا بدَّ من استعداد حقيقي لنصرته بالجهاد بين يديه، وبالتهيئة على هذا الخط، فقتال الصهاينة من أجل تحرير الأرض جزء مهم من عملية التمهيد الفعلية والواقعية. فعن رسول الله(ص):"لا تزال طائفة من أمتي على الدين ظاهرين، لعدوهم قاهرين، لا يضرهم من خالفهم، ولا ما أصابهم من لأواء(مشقة)، حتى يأتيهم أمر الله وهم كذلك.
فقالوا:يا رسول الله وأين هم؟
قال:ببيت المقدس وأكناف بيت المقدس"(11).
وفي تفسير القمي لقوله تعالى:" فَسَوْفَ يَأْتِي اللهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لاَئِمٍ"، نزلت في القائم(عج) وأصحابه(12).
6-السلوك الصالح: لا يكفي المسلم ليكون مؤمناً أن يرفع شعار الإسلام ويدافع عنه بالتعصب له ما لم يترجم إيمانه عبادة وعملاً، ولا يكفيه أن يقتصر على اتقان عباداته بواجباتها ومستحباتها إذا لم تنعكس في أخلاقه ومعاملاته حُسناً وصدقاً. فالمسلم المؤمن هو الذي يغيِّر حياته بأوامر الإسلام، ويتصرف في حياته مع عائلته ومع المجتمع كما امر الله تعالى لا كما تهواه الأنفس مما يخالف شرع الله تعالى.
وأعوان الإمام المهدي(عج) هم الذين يسلكون هذا الدرب، درب العبادة والعمل، قال تعالى:" وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ"(13)، وقال رسول الله(ص):" لا تنظروا إلى كثرة صلاتهم وصيامهم، وكثرة الحج والزكاة، وكثرة المعروف، وطنطنتهم بالليل، انظروا إلى صدق الحديث وأداء الأمانة"(14). فلا تنس أخي المؤمن(أختي المؤمنة) أن تواكب شعارك في الارتباط والتمسك بالإسلام وقيادة الإمام المهدي(عج)، بعملك وسلوكك على هدي تعاليم الإسلام، لتكون خلوقاً صادقاً أميناً، تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتبتغي الأجر في تضحياتك، وتدعو إلى الله تعالى بسلوكك لتكون قدوة للآخرين. اجعل سلوكك دالاً على إيمانك، ومسهلاً لك نصرتك لصاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء، وممهداً لثواب آخرتك، تنل خير الدنيا وفوز الآخرة.
الهوامش:
(1)سورة محمد الآية 31.
(2) مصباح الشريعة ص 183.
(3) الزام الناصب ص127.
(4) الغيبة للشيخ الطوسي-ص 457.
(5) بحار الأنوار-ج52 ص123.
(6)نهج البلاغة-الخطبة 190.
(7)خرط القتاد: تقشير شجر فيه شوك كثير، مثلٌ يُعبَّر فيه عن صعوبة الأمر.
(8)بحار الأنوار -ج52 ص124/ الزام الناصب137.
(9)الايضاح للفضل الآزدي -ص75.
(10) الكافي للشيخ الكليني-ج1 ص 372.
(11) معجم احاديث الإمام المهدي للشيخ علي الكوراني-ج1 ص 58.
(12)تفسير القمي-ج1 ص170.
(13) سورة التوبة من الآية 105.
(14) الاختصاص للشيخ المفيد-ص229.
الشيخ نعيم قاسم