"الزواج علاقة شرعية بين الرجل والمرأة، تؤسس لمجموعة من الحقوق والواجبات التي تترتب لكل منهما بناء على عقد الزوجية، وقد رسمها الإسلام بدقة تساعد على تكوين الأسرة الصالحة والمستقرة، وتلبي لكل من الزوجين غرائزه وحاجاته الفردية ومتطلباته الفطرية، وتؤدي إلى التناسل،وتحقِّق اللَّبِنة الأساس في بناء المجتمع ونموِّه".
مقال لمجلة جمعية الكوثر. باسمه تعالى
حول كتاب"حقوق الزوج والزوجة"
لسماحة الشيخ نعيم قاسم
* * * * * * * *
"الزواج علاقة شرعية بين الرجل والمرأة، تؤسس لمجموعة من الحقوق والواجبات التي تترتب لكل منهما بناء على عقد الزوجية، وقد رسمها الإسلام بدقة تساعد على تكوين الأسرة الصالحة والمستقرة، وتلبي لكل من الزوجين غرائزه وحاجاته الفردية ومتطلباته الفطرية، وتؤدي إلى التناسل،وتحقِّق اللَّبِنة الأساس في بناء المجتمع ونموِّه".
هكذا تحدث سماحة الشيخ نعيم قاسم عن مفهوم الزواج في كتابه"حقوق الزوج والزوجة" الذي يأتي في سياق شرح رسالة الحقوق للإمام زين العابدين(ع). وقد تعرَّض الكتاب لجملة من الشروحات والتوجيهات الضرورية لحياة زوجية أمثل.
بيَّن المؤلف أنَّ دور كل من الرجل والمرأة ينسجم مع طبيعة خلقه، وذلك بعد أن فصَّل طبيعة الفروقات بين الرجل والمرأة، فكتب:" إنَّ موقف الشريعة المقدسة من حقوق وواجبات كل من الرجل والمرأة مبني على أساس طبيعة خلقهما، وبما أن الفروقات موجودة فلا بدَّ أن تتمايز بعض الحقوق والواجبات بما ينسجم مع تكوينهما، وبما يؤدي إلى صلاح الحياة الزوجية المشتركة بينهما. كما تتأثر سلامة مسار الأسرة بتوزيع الأدوار التي يجب أن تتناغم مع القدرات المتوفرة، ويأتي في الطليعة تحديد مسؤولية الإدارة، وهذا هو ديدن كل المجتمعات بل كل المواقع العملية، وقد أعطاها الإسلام للرجل، كقاعدة عامة منسجمة مع طبيعة الخلق، فإذا فشل بعض الرجال في القيام بمسؤولياتهم، فالأمر يعود لتقصيرهم، ولكل قاعدة تطبيقات خاطئة لا تضرّ بها، ولا يصح إخضاع التنظيم الأسري للاستنساب أو التجارب أو الحالات الخاصة والاستثنائية في المجتمع.
علماً بأن تمايز بعض الحقوق والواجبات في إطار الحياة الزوجية، لا يعفي أيّاً من الزوجين من الالتزام بالقواعد الإسلامية التي تشمل جميع المكلفين ومنهم الزوجان، فيما يتعلق بالعبادات والمعاملات والأخلاقيات، لتكون الأسرة مجالاً من مجالات تطبيق السلوك الإسلامي العام لكل من الرجل والمرأة".
إذاً الحياة الزوجية توزيع أدوار بين الزوجين، وصلاحيات مضبوطة بحقوق وواجبات محدّدة، وعلى كل منهما أن يعتني بالآخر كتكليف شرعي لحماية الحياة الزوجية، فمن ناحية اهتمام الزوج:" ربما يستخفُّ البعض بهذا الاهتمام بالزوجة، ويتعامل معها كخادمة في البيت أو مربية للأولاد، من دون أن يراعي مشاعرها ومتطلباتها، وهذا مخالف للتوجيهات الإسلامية التي تحث على التعامل الرقيق والأخلاقي بروحية الإحسان والرحمة. فهذا رسول الله (ص) يوجهنا إلى القاعدة العامة في التعامل مع النساء:" ألا خيركم خيركم لنسائه وأنا خيركم لنسائي"(1).ويدعونا الإمام الصادق(ع) إلى الإحسان الناتج عن المسؤولية:" رحم الله عبداً أحسن فيما بينه وبين زوجته، فإن الله عزَّ وجل قد ملِّكه ناصيتها وجعله القيِّم عليها"(2). وهو أداء له مكافأته الدنيوية بزيادة العمر، فعن الإمام الصادق(ع) :"من حسن بره بأهله زاد الله في عمره"(3).
بل أكثر من هذا ، فإنَّ خدمة الزوج لزوجته ، ومساعدتها على أعبائها، فيه أجر وثواب،فعن رسول الله (ص) :"لا يخدم العيال إلا صِدِّيق أو شهيد أو رجل يريد الله به خير الدنيا والآخرة"(4)، وعنه أيضاً :" إذا اسقى الرجل امرأته أجر"(5).
" ونقول للزوجة: انتبهي إلى متطلبات الزوج فيما يرتبط بحق الاستمتاع، فإنها مسألة أساسية بالنسبة إليه. وازني بين التزاماتك المنزلية واهتماماتك بها واهتمامك بالأولاد، وبين اهتمامك بزوجك، اعملي لتكوني عنصر أمان له وراحة وجذب واستئناس، فقد أكَّد فقهاؤنا على المرأة بأن تزيل المنفرات التي تزعج الرجل في علاقته معها، اهتمِّي بمظهرك داخل البيت كما تهتمين به عند استقبالك للزوار أو عند زياراتك للآخرين، وليكن اهتمامك بمظهرك لزوجك أفضل. لا تتوقعي أن يتحمَّل رؤيتك ليل نهار في ثياب المنزل الممزَّقة البالية، بدِّلي لباسك عند الانتهاء من العمل، واحرصي على الاهتمام بوقت عودته إلى البيت، فالتزيُّن مشروع، وإذا لم تقم به الزوجة لزوجها فلمن تقوم به؟ وهل يصح أن تخرج النساء بأبهى حلة أمام الرجال وتكون في أسوأ حلة وصورة أمام الأزواج؟! لا تقولي بأن زوجك يقدِّر لك هذا؟ فقد يفاجئك يوماً بأنه لم يعد يتحمَّل هذه الحالة".
وقد عالج الكتاب جملة من القضايا المهمة، فعرض لكيفية تحقيق السعادة الزوجية، وطرح مشروع تأهيل الزوجين للزواج بخضوعهما لدورة تثقيفية تربوية تعرفهما على حقوقهماوواجباتهما، ثم قدَّم المواصفات الإجمالية الملائمة للشاب المناسب والفتاة المناسبة للزواج الأنجح.
كما فصَّل الكتاب حدود قوامية الرجل، وواجب الزوجة تجاه زوجها، وأن الخدمة المنزلية ليست واجبة، وبيَّن حقَّها في احتفاظها بأموالها، وحق العمل، وشراكتها في الجهاد.
ثم ناقش الكتاب مسائل محل اهتمام: ككيفية التعامل مع نشوز الزوج أو نشوز الزوجة، وتعدد الزوجات وموقعه من حقوق المرأة ومدى انسجامه مع العدل، وتأثير العامل الاقتصادي على الحياة الزوجية، وزواج المتعة، والطلاق، وقدَّم حلولاً ملائمة لبعض المشاكل التي تنشأ من طبيعة عقد الزواج من غير شروط، وكذلك ما ينشأ عند الخلاف في الحياة الزوجية.
إنَّ كتاب"حقوق الزوج والزوجة" ضروري لكل أسرة، فهو سهل في عباراته، غني بمحتوياته، يؤسس لفهم إسلامي أصيل ويوضِّح دور كل من الرجل والمرأة في الحياة الزوجية، ولا تتجاوز صفحاته 125 صفحة بحيث يمكن مطالعته بفترة زمنية قصيرة، ويمكن العودة إليه للاستفادة منه بيسر عند الحاجة.
الهوامش:
(1) وسائل الشيعة- للحر العاملي-ج20 ص 171.
(2) وسائل الشيعة- للحر العاملي- ج20 ص 170.
(3) الكافي للكليني_ ج8 ص219.
(4) بحار الأنوار - ج 104 ص 132.
(5) كنز العمال 44435.