17/05/2002
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. السؤال الكبير الذي أطرحه: ماذا حققت القرارات الدولية والاجتماعات التي عقدتها القوى الكبرى لمصلحة قضية الصراع مع العدو الإسرائيلي؟ وماذا حققت التسوية السياسية التي أخذت شكلاً أخيراً في مدريد سنة 1991 وتراكمت مفاعيلها وآثارها عبر أوسلو إلى فترتنا الحالية مع الانتفاضة المباركة التي حصلت في فلسطين؟
للإجابة الصريحة والواضحة والمحددة نرى أن القرارات الدولية كانت محطات تمهيد من أجل أن تأخذ إسرائيل بالسياسة ما عجزت عن أخذه بالحرب.
إن القرارات الدولية لم تكن يوماً لتُنفذ في مواجهة إسرائيل، بل كانت قرارات تُسقِّف للمطالب الفلسطينية، وتطلق اليد للمطامع الإسرائيلية، ومن يراقب خطوات التاريخ يرى هذا الأمر واضحاً بشكل جلي، فمنذ إقامة الكيان الصهيوني سنة 1948 وصدور قرار التقسيم بين دولتين، لم نر المجتمع الدولي يتحرك من اجل الدولة الفلسطينية المزعومة، بصرف النظر عن رفضنا لهذا المنطق التقسيمي، لكن بقيت الأمور معلَّقة. فإذا طالب العرب قالوا لهم يوجد قرار دولي ولكن أعطونا مهلة من أجل الضغط على إسرائيل لتطبيقه. وإذا طالبت إسرائيل ضغط الأمريكيون والغرب على العرب وعلى الفلسطينيين بكل أنواع الضغوطات لتحقيق تفاصيل لم تكن أصلاً في القرارات الدولية، وبقي الأمر على حاله حتى سنة 1967 فحصل اجتياح إسرائيلي أدى إلى احتلال أراضٍ عربية مختلفة وصدر القرار 242 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب، فما هو موقف الدول الكبرى. كان الموقف نسيان تقسيم فلسطين والحديث عن خروج إسرائيل من الأراضي المحتلة عام 67، إلى أن حصل عدوان 82 واجتياح لبنان تحت عنوان الأمن الإسرائيلي وكان سبقه اجتياح أصغر عام 1978 صدر على أساسه القرار 425 الذي يدعو إسرائيل إلى الانسحاب من الأراضي المحتلة، وتكرر الأمر في 82 وماذا كانت النتيجة؟ بقي الأمر منذ 1978 إلى أيار 2000أي لمدة 22 سنة، ومجلس الأمن وكل من له علاقة بإسرائيل وخاصة أمريكالم يحركوا ساكناً لإنسحاب إسرائيل، وكانت الضغوطات تجري على لبنان من أجل إيقاف مقاومته وتفكيك بنية حزب الله وطمأنة إسرائيل وعقد اتفاقات سياسية كما حصل في محاولة 17 أيار 1983 ومقايضة المطالب الإسرائيلية بإنسحاب غامض مع طلب المهلة لإسرائيل من 3-6 أشهر لاختبار لبنان إذا كان مؤهلاً لحماية الأمن الإسرائيلي، ولم يطبق القرار 425.
إلى ان قامت المقاومة الإسلامية ومعها كل المقاومين الشرفاء والشعب اللبناني والجيش اللبناني والدولة اللبنانية بجهد مميز توَّجته المقاومة الإسلامية بعمل عسكري متواصل وتضحيات بارزة، فخرجت إسرائيل هاربة مدحورة من لبنان في 24 أيار سنة 2000، وعندما هربت لم يرض مجلس الأمن الدولي وأمريكا ولا من معهم إلاَّ أن يقولوا بأن إسرائيل التزمت بالقرار 425 حتى لا يذهب هروبها سدى، وحتى يقال بأنها نفذت واحداً من القرارات الدولية، واخترعوا لها بدعة الخط الأزرق بدل الحدود الدولية، وأصبح مقدساً بناء على المطالب الإسرائيلية لتحقق مكتسباتها.
إنَّ القرار 242 الذي سقَّف للفلسطينيين أراضي 1967 وحرمهم من أراضي 48، ومؤتمر مدريد الذي قام على قاعدة الإقرار بأن إسرائيل تبدأ من أراضي 48، أبقى فلسطين ضمن أراضي الـ 67، هل هذه القرارات الدولية قرارات منصفة؟ وهل حاولت أمريكا والدول الكبرى أن تنفذ هذه القرارات؟ في كل الحالات كنا نرى أن القرارات الدولية هي للتخدير ولم تكن يوماً للحل، وكانت دائماً لإعطاء الفرصة الزمنية لإسرائيل حتى تهضم احتلالها، لأنها لا تستطيع أن تهضم الاحتلال دفعة واحدة، فكان لا بدَّ من أن تهضم أراضي الـ 48 ثم أراضي الـ 67 ثم بعض الأراضي المجاورة تمهيداً للتسلط والتمكن على مستوى المنطقة.
إذا قتل إسرائيلي واحد لا يبقى مسؤول أمريكي وأوروبي أو في مجلس الأمن إلاَّ وينتقد ويعترض، لكن عندما تحصل "جنين" ومجزرتها لا يتمكن مجلس الأمن من التحرك، ومع ذلك تكون هناك تلبية للمطالب الإسرائيلية بإلغاء إرسال بعثة تقصي الحقائق.
أمام هذا الواقع ماذا يفعل الفلسطينيون وماذا يفعل العرب؟ ما هو الحل؟ هل نبقى في دائرة الاستجداء والانتظار؟ وهل نبقى إلى أن تذهب كل فلسطين ويأتي على المنطقة العربية ما يُبطل قدراتها وقيمتها وموقعها بسبب هذا القضم التدريجي الذي يحصل للأرض وللمستقبل؟!
لقد وجدنا أن لا حل في مواجهة هذا الانحراف الدولي إلاَّ بالمقاومة، وأنه لا يعيد الأرض إلا التضحيات والعطاءات. وإن العودة إلى القرارات السياسية الدولية هي عودة تخديرية تستهدف إبطال قوتنا بوعود لا قابلية لها للتحقيق حتى لا نتمكن من الاستفادة من الفرصة الزمنية، لتتمكن إسرائيل من تقوية وضع وجودها وتتمكن من الإمساك بكل المقدرات، ولا نستطيع حينها أن نفعل شيئاً أمام التطورات التي أنتجتها تلك القرارات الدولية وهذا التواطؤ مع إسرائيل.
لا حل أمام الفلسطينيين إلاَّ بالانتفاضة المقاومة، لقد صبروا منذ سنة 48 إلى سنة 67 فطارت فلسطين، وصبروا من سنة 67 حتى سنة 82 فوزعوهم في الشتات أكثر، ووصل الأمر إلى أوسلو التي كانت خطوة إسرائيلية ولم تكن خطوة فلسطينية، لأن إسرائيل ضجت بالانتفاضة التي كانت موجودة، فكانت أوسلو خطوة لإستراحة إسرائيلية ولم تكن خطوة لإعطاء الفلسطينيين حقوقهم.
وعندما سنحت أول فرصة أسقط الإسرائيليون أوسلو بالكامل ودخلوا إلى المناطق"أ" أي أن مؤتمر مدريد سنة 1991 كان غطاءً ومرحلة .
أمام هذا الواقع لا يوجد حل إلاَّ بالانتفاضة لأنها التي تُسقط الاحتلال الإسرائيلي وقد ثبت بالتجربة أن إسرائيل لا تسقط إلا عندما يتعرض أمنها للخطر.
إذا كان البعض من العرب يخشى أن يُتهم أنه مع تحرير فلسطين فليعلموا أن إسرائيل لن تترك لهم مجالاً لقسم من فلسطين أيضاً، فالإسرائيلي مستعد لمعارك كثيرة لمنع أي حق للفلسطينيين. بدليل أن نتنياهو في مؤتمر حزب الليكود يقول إنشاء الدولة الفلسطينية يعني إلغاء الدولة اليهودية وإنشاء الدولة اليهودية يعني إلغاء الدولة الفلسطينية. وهذا يعني أن لا إمكانية إلا لدولة واحدة في فلسطين. واليوم يمثل الليكود القسم الأكبر من الإسرائيليين ويمثل القيادة السياسية القائمة عندهم، وهذا يُصرح بشكل مباشر أنه يريد كل فلسطين لمصلحة الدولة الإسرائيلية، فإذا كان هناك فلسطينيون فهم العمال في الدولة الإسرائيلية وهم مشروع استفادة اقتصادية فقط، وليسوا مواطنين لهم حق الحياة في دولة فلسطينية مستقلة.
أمام هذا الواقع نرى أن الانتفاضة هي الحل، لأنها التعبير عن القدرة الوحيدة التي يملكها الفلسطينيون، فهم لا يملكون أسلحة متطورة للمواجهة، ولا يملكون موقفاً سياسياً عربياً داعماً ليساعدهم في الضغط على المستوى الدولي، وليس لهم قدرة في مجلس الأمن.
هذه الانتفاضة لا يستطيع أحد أن يوقِّت نتائج أعمالها،فلا نقول بأنها ستنجح في أهدافها بعد سنة أو سنتين أو غير ذلك، الانتفاضة مشروع تحرير وهي تعبير عن حق، وهي مستقبل وجود لأمة يمكن أن تنتهي من الوجود إذا لم تقاتل من أجل وجودها.
نحن ندعو إلى أمور عدة:
1- التأكيد على ضرورة استمرار الانتفاضة، ومباركة العمليات الاستشهادية واعتبارها عمليات دفاعية مشروعة.
2- تقديم أشكال الدعم كافة سواء تمثَّل بالدعم السياسي أو المالي أو الإعلامي أو العسكري أو غير ذلك.
3- إبقاء حيوية القضية الفلسطينية في كل مواقع عملنا، فلا يتراجع التأييد أو التحركات الشعبية في محطات لتقوى محطات أخرى، أي أن علينا أن نتعاطى مع القضية بأنها تمثل الشرعية في مقابل العدوان الإسرائيلي القائم بأشكاله كافة.
4- فضح المخططات الإسرائيلية، وكشف ما حصل في جنين ونابلس وغيرهما، وإبراز مواقف القادة الصهاينة، وعدم التبرير لهم أو التمييز بينهم أو التحدث بإيجابية عن مواقف بعضهم.
5- رفض أي شكل من أشكال المهادنة السياسية أو الاتفاقات السياسية التي تؤسس للويلات على الشعب الفلسطيني وعلى منطقتنا.
6- رفض المنطق الإنهزامي الذي يتصرف برعب وخوف من القوة الإسرائيلية والدعم الأمريكي الاستكباري، والثقة بأهمية الانتفاضة في صنع النصر كما حصل للمقاومة في لبنان، والثقة بعطاءات الشعب الفلسطيني البطل.
7- مقاطعة البضائع الأمريكية واستمرار الحملة الشعبية في هذا الاتجاه، فإن آثارها ستكون مهمة جداً، وسترسل الرسائل المناسبة إلى الشعب الأمريكي ليرى نتائج مواقف الإدارة الأمريكية.
8- حشد أوسع الطاقات الفاعلة في منطقتنا العربية إلى جانب تحرير فلسطين وقلبها القدس .
* كلمة نائب الأمين العام لحزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم التي ألقاها عنه سعادة النائب محمد برجاوي قاعة طبارة _ الصنائع_ بيروت