مقالات

لكي نكون في معسكر الإمام الحسين(ع)

عندما نستعرض ما جرى في كربلاء، نشعر أننا أمام حدث خطير، ليس بميزان القتل الذي حصل للإمام الحسين وأهل بيته (ع) فقط، وإن كان الأمر عظيماً يفوق التصور، إنما في الحالة التي وصل إليها المسلمون آنذاك بأعدادهم الكبيرة وهم في المعسكر الآخر المواجه للإمام الحسين(ع).

عندما نستعرض ما جرى في كربلاء، نشعر أننا أمام حدث خطير، ليس بميزان القتل الذي حصل للإمام الحسين وأهل بيته (ع) فقط، وإن كان الأمر عظيماً يفوق التصور، إنما في الحالة التي وصل إليها المسلمون آنذاك بأعدادهم الكبيرة وهم في المعسكر الآخر المواجه للإمام الحسين(ع).

ومَن هما المتواجهان ؟ الأول قال عنه الرسول (ص) أنه سيِّد شباب أهل الجنة" الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة" ، وهذه الرواية معروفة ومتواترة عند جميع المسلمين على اختلاف قناعاتهم بعصمة الإمام أو عدمها، وجميعهم يقر بهذه المكانة المميزة لسيد شباب أهل الجنة، الثاني يزيد المشهور بالفسق والفجور وشرب الخمر، والمعروف ببعده عن طاعة الله تعالى، ولم ترد رواية واحدة عن رسول الله (ص) -حتى في الروايات المدسوسة- تُشيد بيزيد. وردت في القرآن آيات بحق الإمام الحسين(ع) منها:{إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا}(1)،وهو واحد من أهل الكساء الخمسة، والآية تؤكد على العصمة والمكانة المميزة لأهل البيت(ع). وفي المقابل يزيد(لعنه الله) الذي أكدت كل الأخبار التاريخية عند جميع المسلمين على فساده وعدم أهليته واعتدائه على الإمام الحسين(ع) ومن معه في كربلاء.‏

ما الذي جرى على المسلمين حتى وقفوا هذا الموقف وابتعدوا هذا الابتعاد؟! لقد انحرفوا عن طريق الإسلام، وهذه أقل عبارة يمكن أن تُقال بحق هؤلاء المسلمين، فلو حصل خطأ في التقييم بقتال مع كفار لكان الأمر مقبولاً، لكن الأمر يتعلق بقتال بين المسلمين، ضد قائدهم وسيدهم وإمامهم، وهذه مصيبة كبرى حلت على الدولة الإسلامية آنذاك، فقد وصل الانحراف إلى درجة خطيرة ولا يمكن معالجته إلاَّ بنهضة استثنائية وعطاءات كبرى ودور يرتكز على حسم الموقف. إن كلام الإمام الحسين(ع) " مثلي لا يبايع مثله" يختصر كل شيء.الإمام في الموقع الشرعي مقابل الغاصب للخلافة، وهو في موقع استنهاض الأمة من كبوتها حتى لا تسقط تجربة هذا الدين، والفرصة موجودة بتضحيات غالية، والهدف لا لبس فيه فالحق لا يُعمل به والباطل لا يُتناهى عنه، وقد خطب في جماعة الحر في الطريق إلى كربلاء، وقال:"إنه قد نزل من الأمر ما ترون، وإن الدنيا قد تغيرت وتنكرت، وأدبر معروفها واستمرت جدا، فلم يبق منها إلاَّ صُبابة كصُبابة الإناء، وخسيسُ عيش كالمرعى الوبيل. ألا ترون أن الحق لا يُعمل به، وأن الباطل لا يتناهى عنه! ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فإني لا أرى الموت إلاَّ سعادة ولا الحياة مع الظالمين إلاَّ برماً"(2).‏

لقد قُلبت الموازين الإسلامية رأساً على عقب، ويجب إعادتها إلى سابق عهدها، إلى زمن رسول الله (ص) ، إلى فهم وحكم أمير المؤمنين علي (ع). كان لا بدَّ من هذه المواجهة التي لا بديل عنها ولا خيار غيرها، وقد استطاع الإمام الحسين (ع) أن يؤسس للنهج المستقيم من خلال نهضته، أصبحنا نعرف بالتطبيق العملي أن الحاكم الظالم لا يجوز موالاته، وأن المسلم يمكن أن يكون منحرفاً وإن صلى وصام، وأن الموالاة لا تتم بالعواطف والكتب التي كتبوها للإمام الحسين أن أقبل إلينا، ليصبحوا أعداء عند الشدة، أو كما قال الفرزدق عندما سأله الإمام الحسين(ع) عن أهل الكوفة، قال :" قلوب الناس معك وسيوفهم مع بني أمية"(3)، يحبونك ولكنهم مع بني أمية فإذا ذهبت إليهم قتلوك. ما هذه المحبة التي تؤدي إلى القتل؟ ما هذا التقدير لمكانة الإمام الحسين(ع) أثناء الصلاة حين يدعوه الحر ليؤم الجماعة، ثم يحاربه الجيش لينزل على حكم يزيد؟! أين النصرة؟!‏

تعصي الإله وأنت تزعمُ حبه هذا لعمري في الفعال شنيعُ‏

لو كنت فعلاً مؤمناً لأطعته إن المحبَّ لمن يُحبُ مطيعُ‏

لا معنى للمحبة بدون طاعة، لكنهم منحرفون عن الإيمان فهم يتحملون المسؤولية كاملة ولا يمكنهم تحميلها لأحد، وقد أخبرنا القرآن عن الفرق بين الإسلام والإيمان{قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لايلتكم من أعمالكم شيئاً إن الله غفور رحيم}(4)، فعندما تنطق بالشهادتين تصبح مسلماً ، وإذا ولدت من أبوين مسلمين تكون مسلماً، لكن العبرة في أن تدافع عن الإسلام، وأن تطبق تعاليم الإسلام، وأن تعمل لنصرة الإسلام، فإذا كنت كذلك تكون مؤمناً، ويكون الإسلام قد دخل إلى قلبك كرسالة. لاحظوا الآيات القرآنية التي تتحدث عن الفلاح والنجاح والانتصار فإنها تتحدث عن المؤمنين،{قد أفلح المؤمنون الذين هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون...}(5)،{يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}(6)،{وكان حقاً علينا نصر المؤمنين}{يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم} ولم يقل يا أيها الذين أسلموا، لماذا؟ لأن الأمر بالصلاة مطلوب من المسلم على كل حال، ولكن الذي عاش الإيمان هو الذي يؤمل منه أن يتحول إلى التقوى، أمَّا الذي لم يدخل الإيمان قلبه فمن الصعب أن يصل إلى التقوى، فالإيمان وصف مباشر لهذا الارتباط بالله تعالى.‏

سنتعرض لخمس مواصفات أساسية لنكون في صف المؤمنين، ولنكون مع الإمام الحسين (ع)، إنها الأعمال المباشرة التي إذا قام بها الإنسان وصل إلى الاطمئنان لكونه في معسكر الإمام الحسين(ع) على المستوى العملي وليس على المستوى النظري.‏

الأمر الأول -أو اللبنة الأولى -الذي يشكل الأساس لكل هذا الإيمان وهذا الالتزام، وبغيره يصعُب أن يبنى البناء، فلا بناء بدون أسس، وهو العبادات: الصلاة، الصوم، الزكاة، الخمس، الحج،... ، لأن هذه العبادات ترجمة عملية للإيمان بالخط، فإذا أردت أن تكون مسلماً يكفيك أن تنطق بالشهادتين، أما إذا أردت الإيمان والالتزام بالخط الإسلامي فأول خطوة عملية لك أن تكون مطبقاً لعبادات الإسلام، وإلاَّ فمع عدم أداء عبادات الإسلام يكون الأساس مفقوداً. يجب أن تبدأ بمفتاح باب الإسلام وهو العبادات، حتى تصبح على سكة الإمام الحسين(ع)، وإلاَّ تبقى مسلماً عادياً ينطبق عليك ما ينطبق على المسلمين، فدمك حرام ومالك حرام وعرضك حرام، ولكن عند الله تعالى في يوم القيامة ستُسأل: هل صليت؟ فماذا تجيب وقد ورد عن أمير المؤمنين علي(ع)": الله الله في الصلاة فإنها عمود دينكم"(7)وبغيره يكون هدم الدين؟ لأن المرتكز الأساس قد سقط، وعند هدم الدين في النفس الإنسانية، ينهدم في حياته وعلاقاته وفي مجتمعه.‏

عندما وقفت السيدة الزهراء(ع) خطيبة في المسجد بعد وفاة الرسول (ص)، تطالب بحق أمير المؤمنين علي(ع)،خطبت خطبة رائعة ذكرت في مقدمتها أركان الدين وبعض المعارف الإسلامية ووضَّحت بعض الأهداف للعبادات الإسلامية، فقالت (ع):"جعل الله الإيمان تطهيراً لكم من الشرك، والصلاة تنزيهاً لكم عن الكِبَر "(8)، لأن الذي يصلي يكون متواضعاً لله تعالى، يشعر أنه جرم صغير في هذا العالم، فيبدأ بسلوك طريق الحق وينعكس التواضع على سلوكه. أما المتكبر فيصل إلى الانحراف بسبب الاعتداد بنفسه، وهذا ما حصل مع إبليس الذي رفض السجود لآدم وبالتالي رفض طاعة أمر الله عزَّ وجل بهذا السجود، فقد كان مبتلياً بالتكبر."والزكاة تزكية للنفس ونماءً في الرزق"، فعندما يدفع الفرد أموال الزكاة والخمس تكون تزكية لنفسه، لأنه عندما يتخلى عن مال يحبه تحت عنوان الحقوق الشرعية فهو حاضر للبذل ولا أحد يراه إلاَّ الله تعالى، فهو عندما يدفع المال قربة إلى الله تعالى، إنما يعبر عن نفسية تخلت عن التعلق به لإيمانها. "والصيام تثبيتاً للإخلاص " فالصوم علاقة بين المؤمن ربه، وتعويد على الامتناع عن الحلال بأمر الله، ولا يعرف سر الصائم إلاَّ الله، مما يعزز الإخلاص. " والحج تشييداً للدين " أي أن اجتماع أعداد كبيرة من الأمة من مختلف الأمصار والألوان في مركز واحد ووقت واحد، بصرخة واحدة، وبقلب واحد، وبعشقٍ واحدٍ لله تعالى، يشيِّدُ هذا الدين بهذه العظمة التي نراها في حج بيت الله الحرام.‏

فالعبادات إخلاص وتشييد للدين، وامتناع عن الكبر، وتزكية للنفس، إنها عملية بناء متكاملة، فالصلاة والصوم والزكاة ليست ضريبة على الإنسان،بل هي الطريق الموصل إلى الله تعالى. إن المسلمين المتدينين هم أكثر الناس راحة بالبناء التربوي والنفسي، وهذا يفسر قلة الحاجة لعلماء النفس في بلداننا، أمّا في الغرب فالحاجة إلى الطبيب النفسي تكاد تكون شاملة، ذلك لأنهم بأكثريتهم غير مرتبطين بالله تعالى عملياً، ما يؤثر على المستوى الروحي والنفسي، ولا تتحقق السعادة الإنسانية بغير الارتباط بالله جلَّ وعلا.‏

هذه العبادات ترقى بالإنسان ليتميز بالصفاء وطمأنينة النفس، وقد اطلعنا من سيرة الإمام الحسين(ع)، أن عمر بن سعد حرك عسكره لقتال الإمام (ع) في التاسع من المحرم، لكن الإمام(ع) أرسل العباس إلى القوم وقال له:"ارجع إليهم فإن استطعت أن تؤخرهم إلى غدٍ، وتدفعهم عند العشية، لعلَّنا نصلي لربنا الليلة، وندعوه ونستغفره، فهو يعلم أني كنت أحب الصلاة له، وتلاوة كتابه، وكثرة الدعاء والاستغفار.(10)‏

الأمر الثاني أو اللبنة الثانية: معاملات الإسلام التي يجب الالتزام بها، ما هي المعاملات؟ كل علاقة بين شخصين أو أكثر اسمها معاملة، عقد البيع معاملة، الإجارة، التأمين، الزواج، الطلاق، كل هذه الأمور معاملات، سواء كانت عقوداً أو إيقاعات أو كانت بتفاصيل أخرى، وسواء عبَّرت عن مصالح مادية أو حقوق وواجبات، وقد قسمت الرسالة العملية للفقهاء إلى قسمين: قسم عبادات وقسم معاملات، العبادات لها علاقة بالأداء الشخصي( صلاة، صوم، حج،..)، والمعاملات لها علاقة بالاحتكاك مع الآخرين حيث يوجد حقوق وواجبات، ولا يتم ضبط المسار في الحياة أو قيام العلاقات الصحيحة بين الناس إلاَّ بالعودة إلى معاملات الإسلام لتمييز الواجب والحرام والمستحب والمكروه والمباح. في إحدى المرات جاءني أحد الأشخاص وقال: عندي مشكلة تجارية مع شخص، وأعتقد أن الحق معي، وسألته هل يقبل بالتحكيم عندك فوافق، لكني جئت قبله لأشرح لك القصة حتى ترى أن الحق معي فأنت تعرفني جيداً، تكلم الأخ عن المشكلة التجارية مع صديقه، وبعد الانتهاء قلت له: قبل أن أرى الطرف الآخر استنتجت أن الحق عليك مائة بالمائة. بادرني بطريقة لا شعورية قائلاً: لكن هذا ظلم، قلت له:"هل تقول إن حكم الله ظالم؟ قال : لا، أعوذ بالله ، فقلت له: أنت تسأل عن الحكم الشرعي وليس عن صداقتي، والحكم الشرعي يقول: إن الحق ليس معك وهو أعدل حكم على وجه الأرض، فإذا أردت أن تكون مؤمناً وملتزماً بطاعة الله يجب أن تلتزم بالحكم الشرعي ولو كان على حسابك ولو لم يعجبك، لأن إدارة الحياة وفق شريعة الله تعالى تتطلب أن نلتزم جميعاً، سواء أكانت النتيجة خلاف رغباتنا الشخصية أو معها.‏

إن قيمة المؤمن المتدين تظهر في هذه المواقف أثناء المعاملات، أما إذا اعتمدنا على خياراتنا في الحياة اليومية، فلكل واحد منا رغبات تجعله مهيمناً على حقوق الآخرين. إذا اختلف زوجان وتبين أن الموقف الشرعي مع الزوج أو الزوجة، فهل يقول المخطئ للطرف الآخر: إن الحق معه ويعتذر عن خطئه بسبب الموقف الشرعي، هذا الأمر مطلوب في معاملاتنا الإسلامية. علينا عدم الاستخفاف بالأمور الصغيرة، لأن كثرة تراكم المعاملات الخاطئة لا يُبقي في الإسلام شيئاً، ولكن إذا التزم الإنسان بضوابط المعاملات الشرعية فحياته تسير على الخط السليم، وتكون كل معاملاته بحسب الحكم الشرعي، عندها تنضبط حياة الأفراد وتستقيم. أيها المتدين إذا أردت أن تكون موالياً لسيد الشهداء فلتكن معاملاتك وفق الشريعة المقدسة.‏

اللبنة الثالثة: ترتبط بالموالاة لأولياء الله، نحن نؤمن بالولاية، ونؤمن بعصمة أهل البيت(ع)، وفي غياب الإمام المعصوم الإمام الحجة(عج) لا بدَّ من ولي أمر للمسلمين وهو يتمثل اليوم بآية الله العظمى الإمام الخامنئي(حفظه الله تعالى ورعاه) ويجب علينا طاعته، وهي لا تتوقف عنده فقط بل يجب الالتزام بالتيار الذي يجتمع فيه المؤمنون حوله، هذا التيار يواجه أعداء الله، ويواجه الانحراف، ينتصر وينكسر، يفرح ويحزن، يتقدم ويتأخر...فليست النتائج مهمة إنما المهم أنك مع أولياء الله، ويجب أن تُفتش عن الأولياء من هم؟ لتكون معهم. مشكلة جماعة يزيد أنهم كانوا من أولياء يزيد ولم يكونوا من أولياء الإمام الحسين(ع)، لو كانوا من أولياء الإمام الحسين(ع) لقالوا كما قال أصحابه كسعيد بن عبد الله الحنفي:"والله لا نخليك حتى يعلم الله أنا قد حفظنا غيبة رسول الله فيك، أما والله لو علمت أني أقتل ثم أحيا ثم أحرق حياً ثم أذر، يُفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك"(9) من كان من أولياء الله يكون موالياً لأولياء الله أيضاً، مع الجماعة التي تسير في خط الموالاة، والتي تعمل من أجل نصرة المؤمنين، وعزة المؤمنين، وكرامة المؤمنين، حتى يصبح هذا التيار في المجتمع تياراً قوياً يواجه أعداء الله تعالى. نحن لا نسير مع هذا الخط من أجل الربح فقط، فالذي يسير مع هذا الخط للربح في الدنيا نقول له: إن اختيارك غير دقيق، يجب أن نسير مع هذا الخط على أساس انه خط الله تعالى، حيث يمكن أن نبتلي ويمكن أن ننجح، هذا الخط له تكاليفه وعقباته. إذا أردت أن تكون في معسكر الإمام الحسين(ع) فعليك أن تكون مع أولياء الله تعالى، قال الله تعالى لموسى(ع) كما ورد في الحديث القدسي:" يا موسى هل واليت لي ولياً أو عاديت لي عدواً"(11)، وورد في القرآن الكريم ما يحدد خط الموالاة:{إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون ومن يتولَّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون}(12).‏

اللبنة الرابعة: ترتبط بمراقبة ومحاسبة النفس، فأنت تحتك بمنكرات وآثام وعقد وصعوبات ومشاكل اجتماعية يومياً، ما يؤثر على هذا الثوب الداخلي الذي تملكه والذي هو النفس، التي تتأثر وتتلوث ويجب تنقيتها دائماً، وذلك يكون بالمثابرة على أجواء التقوى عن طريق العبادات وغيرها، وأن تحاسب نفسك وتعيد النظر بأعمالك وتراقب أخطاءك، وتؤسس لأداءٍ يعالج الثغرات التي سببت هذه الأوساخ للنفس، فمراقبة النفس تستوعب كل مفردات الحياة الإنسانية لأن العمل يستوعبها.قال تعالى:{ونفس وما سواها* فألهما فجورها وتقواها* قد أفلح من زكاها* وقد خاب من دسَّاها*}، فهي مسؤوليتك في إيصالها إلى التزكية الدائمة.‏

اللبنة الخامسة: عيشُ روحية الجهاد والشهادة، بالاستعداد للقتل في سبيل الله، بمعنى آخر أن لا يكون متعلقاً بهذه الحياة الدنيا. أما سؤال الأخوات عن كيفية تعزيز روحية الشهادة عندهن وليس عليهن قتال، وهنَّ متحمسات لذلك، نقول لهنَّ:أنتن مجاهدات بما كلفكنَّ الله تعالى به، وعندما يتخرج من بين أيديكنَّ مشاريع الشهداء وتحفظنَّ الأزواج باتجاه العمل في سبيل الله، وتحفظنَّ الأبناء من أجل استقرار الخط الإسلامي، وتتحملنَّ ضريبة الجهاد، فأنتنَّ مجاهدات ولو ماتت الواحدة منكنَّ على فراشها فلها أجر شهيد ولها عمل شهيد بإذن الله تعالى. فالمقصود بروحية الشهادة هي روحية رفض الدنيا، ورفض الآثام والمنكرات، والاستعداد للتضحية بأعلى درجاتها ولو كلفت النفس والمال ليبقى الإسلام عالياً مهما كانت الظروف.‏

فإذا توفرت هذه الأمور الخمسة: عبادات الإسلام، ومعاملات الإسلام، وموالاة أولياء الله، ومحاسبة النفس المستمرة، وروحية الجهاد والشهادة، فإن الإنسان يضمن بإذن الله تعالى أن يكون الرجل حسينياً وأن تكون المرأة زينبية، من خلال هذا الأداء المتفاعل مع هذه الأسس واللّبنات الإسلامية، التي تصقل شخصية الإنسان فلا تسقطه الأخطار والانحرافات اليومية.‏

--------------------------------------------------------------------------------‏

الهوامش:‏

(1) سورة الأحزاب الآية 33.‏

(2) الطبري - ج 4 ص 305.‏

(3) مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي - ص 68.‏

(4) سورة الحجرات الآية 14.‏

(5) سورة المؤمنون الآيات 1-3.‏

(6) سورة البقرة الآية 179.‏

(7) نهج البلاغة - الكتاب 47.‏

(8) اللمعة البيضاء للتبريزي الانصاري - ص 527.‏

(9) تاريخ الطبري - ج4 ص 318.‏

(10) مقتل الحسين لأبي مخنف الأزدي - ص106.‏

(11) ميزان الحكمة - الباب 675.‏

(12) سورة المائدة الآية 56.‏

ألقيت المحاضرة في منطقة فتح الله - بيروت - محرم 1421 ه.‏