دعت المستشارية الثقافية للجمهورية الإسلامية الإيرانية في بيروت ودار المحجة البيضاء لحفل توقيع كتاب: "الإمام الخميني(قده): الأصالة والتجديد"، لمؤلفه نائب الأمين العام لحزب الله الشيخ نعيم قاسم في قرية الساحة التراثية-طريق المطار. وقد حضر الحفل وزير الزراعة الدكتور حسين الحاج حسن وسفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور غضنفر ركن آبادي وعدد من النواب وممثلي الأحزاب وفعاليات ثقافية واجتماعية.
قدَّم سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية د. آبادي فكرة عن الكتاب معتبراً أن المؤلف استفاد من معايشته للثورة الإسلامية الإيرانية والإمام الخميني(قده) فكانت مقارباته في الكتاب من الداخل.
كما قدَّم الرئيس السابق لحزب الكتائب اللبنانية الأستاذ كريم بقرادوني قراءة موسعة :
نجح نائب امين عام حزب الله سماحة الشيخ نعيم قاسم في كتابه "الامام الخميني، الاصالة والتجديد" في احداث تغيير جذري في الصورة الشائعة عن شخصية الامام ومفاهيمه ومشروعه السياسي. فالامام متهم، عن حسن او سؤ نية، انه زعيم محافظ ومتشدد ومنغلق على ذاته بعيداً عن متغيرات العصر، فجاء الشيخ يصوّب الصورة بطريقة علمية وموثقة توثيقاً لافتاً ومقنعاً، فأثبت بالبرهان والوقائع ان الامام الخميني انسان يدعو الى الحوار والتغيير على قاعدة ان الاصالة لا تتناقض والتجديد، والتجديد لا يلغي الاصالة.
رأى المؤلف في نشؤ الجمهورية الاسلامية الايرانية حدثاً فريداً وظاهرة استثنائية، فهي ثورة قلّ مثيلها اسقطت الشاه ليس بارادة خارجية، ولا بانقلاب عسكري، ولا بالاغتيال والفوضى، بل بارادة الشعب. وأبرز حجم الحروب والفتن والاضطرابات التي اثيرت في وجه الثورة الاسلامية لافشالها وإِسقاطها، وقد ردّ الامام باتباع منهجية ثابتة تقوم على تعزيز ايمان الايرانيين بالله وحقوقهم، وايقاظهم من غفوتهم، واخراج الخوف من قلوبهم، وتعبئتهم للتصدي للسلطان الجائر والقوى العظمى الداعمة له.
تحدى الامام الخميني السلطان الجائر، وأكد "ان سر النصر يعتمد على ركنين اساسيين: الدافع الالهي في اقامة الحكومة الاسلامية، واتحاد كلمة الجماهير، وقال في هذا الشأن: "العناية الالهية مكنّت شعباً لا يمتلك شيئاً من التغلب على قوى تمتلك كل شيء".
ذكّر الشيخ نعيم قاسم بحادثة صحراء طبس للدلالة على صحة نظرية الامام الخميني بالنصر الالهي. ففي 4 نيسان 1980 قرر الرئيس الاميركي جيمي كارتر إرسال فرقة كوماندوس لتقوم بتحرير رهائن السفارة الاميركية المحتجزين منذ تشرين الثاني 1979، لكن يد الله أفشلت العملية حين هبت عاصفة صحراوية فاصطدمت المروحيات بعضها ببعض، وتوقفت العملية العسكرية قبل ان تبدأ، فتساءَل الامام: "من أسقط هليكوبترات كارتر؟ هل نحن اسقطناها؟ هي الريح والرمال المأمورة من الله، فلا تغتروا بقوتكم فهي قوة الله وعليكم بالاتكال عليه". من هنا نفهم مقولة سماحة السيد حسن نصرالله بأن نصر تموز 2006 هو "نصر الهي".
حدد الامام باكراً اعداء الثورة الايرانية فحذر في العام 1963 من مخططات اسرائيل وقال:" اسرائيل لا تريد ان يكون في هذا البلد مفكر، ولا تريد ان يكون فيه القرآن وعلماء الدين... انهم يريدون إحكام قبضتهم على اقتصادكم ، والقضاء على زراعتكم وتجارتكم ، وامتلاك ثروات هذا البلد..."، وأضاف في خطبة له نارية عام 1964: "ان جميع مشاكلنا متأتية من اميركا... جميع مشاكلنا متأتية من اسرائيل ... واميركا واسرائيل شيء واحد".
وفي هذا السياق وجه رسالة الى الرئيس الاميركي قال له فيها:" ايها السيد كارتر، نحن رجال المقاومة وان كنا لا نملك ألات النضال ومعدات الكفاح، فإننا نمتلك اجسامنا لتكون هدفاً. نحن شعب اعتاد الجوع. نحن نصوم ونتناول في اليوم وجبة واحدة... نأكل ما نزرعه من شعير وحنطة، ونقتصد في ذلك ليكفينا، ولا نأكل اللحم الا مرة واحدة في الاسبوع... فاذا فرض علينا ان نختار بين سلامة شرفنا واشباع بطوننا، فاننا نختار سلامة شرفنا وحفظ ماء وجوهنا ...".
فور تسلمه السلطة قرر الامام اقفال السفارة الاسرائيلية وتحويلها الى سفارة لفلسطين وأمر برفع العلم الفلسطيني عليها، والغى كل العقود الموقعة بين الشاه واسرائيل، وقطع كل العلاقات السياسية والاقتصادية معها، واعتبر ان مواجهتها "فريضة اسلامية كبيرة، واعوذ بالله من هذا المؤامرات التي تحاك بيد اعداء الاسلام".
وصف الامام القضية الفلسطينية بأنها جريمة كبرى بحق الانسانية، وقال: "ان القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للامة. فمن بوابة فلسطين يتدخل الاستكبار في المنطقة، ويسلب خيراتها، ويمارس الوصاية عليها، ويهدم عقيدتها ، ويحرمها من اصالتها واستقلالها"، وأضاف: "اما قضية القدس فليست قضية شخصية، وليست مختصة بدولة معينة لوحدها، ولا تخص المسلمين المعاصرين، بل هي قضية تخص المؤمنين في جميع العصور الماضية والحاضرة والقادمة، منذ يوم بني فيه المسجد الاقصى وحتى وجود هذا الكوكب في هذا الكون..."،
كما هاجم الغرب لم يتردد الامام من توجيه انتقاداته الى الشرق الملحد المتمثل بالاتحاد السوفياتي وحلفائه، فوجه الى الزعيم السوفياتي ميخائيل غورباتشوف رسالة قال له فيها:" ان مشكلة بلدكم لا تكمن في قضايا الملكية والاقتصاد والحرية ، وانما في عدم الايمان بالله، وهي ذات المشكلة التي قادت الغرب وستقوده الى الانحطاط والطريق المسدود". وتعهد امام للشعب الايراني بالقول "طالما انا على قيد الحياة سأقطع دابر اميركا والاتحاد السوفياتي، ولن اسمح لهما بالتواجد في ايران".
شدد الامام على ان التحرر الفكري هو الشرط الاول لكسب المعركة ضد القوى العظمى فقال: "المهم ان تتحرر افكاركم من التبعية للقوى الكبرى . إن تحررتم وأَردتم ان نكون صناعيين فسوف نكون كذلك. وان اقتنعتم اننا نستطيع ان نعيش مستقلين فسوف نقدر على ذلك. واذا آمن الفلاحون بقدرتهم على التقدم في الزراعة فإننا نتمكن من ذلك... ان التبعية العسكرية تُرفع بيوم او بشهر، والتبعية الاقتصادية قابلة للتصحيح وتُصحح سريعاً، اما التبعية الروحية والانسانية فهي المشكلة الكبرى".
تخطى المؤلف في كتابه المقاربات التقليدية فتناول القضايا الوجدانية والجوانية التي تختلج في ضمير الامام، واختزلها بستة: محبة حرس الثورة الاسلامية، احترام حقوق الاقليات، التمسك بمبدأ الحق بالاختلاف، الدعوة الى الوحدة الاسلامية ، تكريم المرأة والاعتماد على الشباب.
جاهر الامام الخميني بتعلقه بأعضاء الحرس الثوري المعروف بـ"البزدران" فأعلن محبته لهم كما لم يفعل مع سواهم عندما قال: " يا ليتني كنت احد افراد الحرس".
وتعمد طرح مسألة حقوق الاقليات عند استقباله وفداً من الطائفة اليهودية فسألهم: "هل تعرض احد لاي يهودي بعد انتصارنا؟ او لاي نصراني؟ او لاي زردشتي؟ سوف ترون ان الاسلام هو افضل من جميع المناهج الاخرى"، وأضاف: " لقد اشاعوا انه اذا قامت الحكومة الاسلامية فستقتل الاقليات الدينية، اليهود والنصارى والزرادشتيين، هذا كلام لا اساس له من الصحة، واني لادعو اليهود الايرانيين الذين خُدعوا ورحلوا الى اسرائيل ليعودوا الى وطنهم، وستعاملهم الدولة الاسلامية بأحسن ما يكون".
قاده منطقه حول الاقليات الى الاعلان عن حق الانسان بالاختلاف، وكرر انه لا يحق لاحد ان يعتبر نفسه المقياس فالكل معرض للخطأ والصواب، ولا يستقيم حل الا بعد التداول والنقاش سواء داخل التيار الاسلامي العام، او بين المذاهب الاسلامية، او مع اهل الكتاب.وعملاً بهذا المبدأ افسح في المجال امام الاسلاميين والشيوعيين والعلمانيين بطرح افكارهم ومشاريعهم، لكنهم ارتدوا عليه وارتكبوا عمليات عنف واغتيالات فصدهم قائلاً: " ما دمتم حملتم سلاحكم بوجه الشعب، وضد الاسلام، فلا نستطيع بعد اليوم التفاوض معكم او الاجتماع بكم. ارموا سلاحكم ارضاً وعودوا الى الاسلام، فهو يقبلكم جميعاً".
أقرّ الامام صراحة بحقوق الاقليات لكن مسألتي ولاية الفقيه والديمقراطية العددية تحتاجان الى المزيد من الشرح والبحث، وآمل ان ينكب عليهما الشيخ نعيم قاسم يوماً ليزيل كل الالتباسات العالقة بهما.
من جهته تصدى الامام الخميني بحزم وقوة للمنافقين في الداخل كما فعل ضد الاعداء في الخارج، فأقال ابو الحسن بني صدر من منصبه كقائد للقوات المسلحة وطلب من مجلس الشورى الاسلامي اقالته من رئاسة الجمهورية في حزيران 1981 لجنوحه نحو الولايات المتحدة والغرب والليبارليين. كما أقال نائبه الشيخ حسين منتظري، وكان خليفته المعين، عبر رسالة قلّ نظيرها كتب له فيها: "بفؤاد دامٍ وقلب حزين اتوجه اليك بعد ان اتضح لي بأنك عازم بعدي على تسليم البلد، والثورة الاسلامية العزيزة، والشعب الايراني المسلم، الى ايدي الليبارليين وعن طريقهم الى المنافقين، لهذا السبب فقدتَ اهلية ومشروعية قيادة النظام في المستقبل". ثم عدد له اخطاءَه وقدم له بعض النصائح: "اسعَ الى استبدال الاشخاص المتواجدين في منزلك... لا تتدخل في اي نشاط سياسي... لا تبعث لي بعد الآن بأية رسالة... اعترف بأخطائك وذنوبك لعل الله يساعدك".
خصّ الوحدة الاسلامية باهتمام مركزي. وشرح مطولاً ان الوحدة الاسلامية لا تعني تغييب الخلافات والاجتهادات، ولا إلغاء المذاهب وتنوعها، انما تعني عدم استحضار النزاعات واثارة مشاعر الطرف الآخر والتجريح بآرائه. فالوحدة هي تكليف المسلمين بالتعاضد والتكاتف فيما بينهم ليشكلوا قوة حقيقية لا يستطيع الاعداء هزيمتها، فهم على حد قول الامام "مليار مسلم بثروات واموال هائلة... بعضهم من الشيعة وبعضهم من السنة... لكن الجميع اخوة في الدين".
وفي المرأة قال الامام "ان الاسلام يريد للمرأة ان تقوم بجميع ما يقوم به الرجل من الاعمال الاساسية، وقد أخرجها من حال السلعة"، وأكد ان "حقوق المرأة في الاسلام كحقوق الرجل، فلها حق الدراسة، وحق العمل، وحق التملك، وحق التصويت، وحق الترشح... فكما الصلاة واجب على الجميع، كذلك حق المشاركة في تقرير المصير هو للجميع". وتشهد له زوجته انه طالما لم تحضر الى المائدة كان لا يبدأ بتناول الطعام وكان يقول لاولاده: "انتظروا حتى تأتي السيدة".
رأى الامام ان صلاح او فساد اي مجتمع ينشأ من صلاح او فساد نسائه، وأوصى ولده السيد احمد بأن يهتم بوالدته وقال له: "لا نستطيع احصاء الحقوق الكثيرة للامهات. ليلة واحدة تقضيها الامهات في رعاية اولادهن هي اكثر قيمة من سنين يقضيها الاب مع عائلته ...وكما اراها راضية عنكم وانا على قيد الحياة، عليكم ان تجهدوا اكثر في خدمتها والحصول على رضاها بعد موتي".
لم يعارض الامام عمل المرأة خارج منزلها ولكن بالنحو الذي لا يُحرم الاولاد من تربيتها، وأشار الى دورها في إنجاح الثورة الاسلامية لافتاً الى ان المرأة شاركت في الشارع وفي المواقع الخلفية على حد سواء: "ان هتافاتهن في الشوارع شجعت الرجال وضاعفت من عزيمتهم... وقد شاركت المستطيعات منهن في التدريبات العسكرية للدفاع عن الاسلام والدولة الاسلامية... اما اللواتي لم تقدرن على حمل السلاح فقدمن اسمى الخدمات في المواقع الخلفية على نحو فجّر الحماس والاندفاع في قلوب ابناء الشعب".
اما الشباب فخصّهم بالكثير من التقدير ، وأكد أنه لولاهم لما كان للثورة ان تنجح، فهم عصب التغيير في الحاضر والمستقبل، وخاطبهم قائلاً: "لكم ايها الشباب الفضل علينا... حطمتم بايمانكم هذه القوة الطاغوتية، هذه القوة الشيطانية، وابطلتم كل الحسابات المادية... اي قلم او لسان يمكنه ان يوفي الذين يعشقون الله، ويتسابقون للدفاع عن الحق والاسلام بارواحهم... ويرددون نداء هيهات منّا الذلة؟".
نظم الشيخ نعيم قاسم الفصل السادس تحت عنوان: "طروحات جديدة" فأورد العديد من المصطلحات التي اطلقها الامام الخميني وفي مقدمها مصطلحي الاستضعاف والاستكبار اللذين لعبا دوراً هاماً في تثبيت العديد من مفاهيم الثورة. وعرّف المستضعف بأنه المؤمن صاحب الحق الذي يعاني من الظلم، والمستكبر هو المتسلط على الجماعة من موقع السلطة يظلمها ويسلبها حقوقها ويقمعها لمنعها من المطالبة بتلك الحقوق. واستخدم الامام مصطلح "الشيطان الاكبر" ليقصد به الولايات المتحدة الاميركية.
يشير المؤلف الى ان الامام نفخ روحاً جديدة في بعض المناسبات لمجرد ربطها بأيام لها رموزيتها، فأعلن" يوم القدس" يوم الجمعة الاخيرة من شهر رمضان الذي يقع في ليلة من ليالي القدر ليدفع بالمسلمين الى نصرة القدس وتحريرها، "ويوم الحرس" يوم ولادة الامام الحسين في الثالث من شهر شعبان كرمز للتضحية في كربلاء، "ويوم المستضعفين" يوم ولادة الامام المهدي في الخامس عشر من شهر شعبان وهو المخلص الذي يظهر في آخر الزمان ليملأ الارض قسطاً وعدلاً، "ويوم المرأة المسلمة" يوم ولادة السيدة فاطمة الزهراء في العشرين من جماد الثاني وهي القدوة ، "واسبوع الوحدة الاسلامية" بين 12 و17 ربيع الاول وهو اسبوع النبي الاكرم وقد اجتمع المذهبان السني والشيعي على يوم ولادته.
كما فتح الامام باب الاجتهاد واسعاً لمعالجة مستجدات العصر ليثبت ان الشريعة الاسلامية قادرة على مواكبة الحياة والمتغيرات في كل زمان ومكان وفي مختلف المواضيع كالتأمين، والكمبيالات ، واعمال البنوك، وبطاقات اليانصيب، والتلقيح والتوليد الاصطناعيين، والتشريح ووهب الاعضاء، وتغيير الجنسية، ومسائل الصلاة والصيام اثناء السفر وغيرها.
أنهى الشيخ نعيم قاسم كتابه بفصل اخير، هو الفصل السابع، تحت عنوان "الامام الخامنئي وخط الامام الخميني"، أورد فيه ما قاله الامام الخميني بالامام الخامنئي عندما خاطبه قائلاً: "أَعتبرُ سماحتكم احد سواعد الجمهورية الاسلامية، والاخ المطلع على القضايا الفقهية والملتزم بها، والمدافع عن الاصول المتعلقة بولاية الفقيه، والملتزم بالاسلام والمبادئ الاسلامية..." وانهى كلامه بوصف لا ينسى فقال له: "انكم كالشمس المضيئة ".
أصاب الشيخ نعيم قاسم عندما استعار خاتمة كتابه من العرض الذي قدمه الامام الخامنئي عن خط الامام الخميني في احد عشر بنداً. ومن أحسن من الامام الخامنئي لاختزال افكار الامام الخميني وتطلعاته ؟
اقرأوا كتاب الشيخ نعيم قاسم فتتذكروا على الدوام ان الاصالة والتجديد ارث اخذه خير خلف عن خير سلف. وقد جمع الامامان بين الكلمة والدم، وحملا القضيتين: قضية مقاومة المستكبرين والمحتلين وقضية نصرة المستضعفين والمحرومين. لقد سطرا قسطاً وافراً من القرنين الماضي والحاضر، وبدّلا معاً وجه ايران والشرق الاوسط والعالم.
أهمية هذا الكتاب ليس بمضمونه واسلوبه واضاءاته الكثيرة حول شخصية تاريخية فحسب، بل اهميته الكبرى بكاتبه. فالشيخ نعيم قاسم مفكر ومعلم ومقاوم. كتب الكثير، وعلّم الكثيرين، وقاوم في كل حين. هويته مقاومته، ومقاومته سلاح وفكر وايمان على خطى الاماميين وفي قيادة حزب الله صاحبة النصرين، والنصر الاكبر آتٍ.
ثم تحدث الشيخ نعيم قاسم:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الخلق محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحبه الأبرار المنتجبين وعلى جميع الأولياء والصالحين إلى قيام يوم الدين، السلام عليكم أيها السادة العلماء، أيها الأخوة والأخوات ورحمة الله وبركاته.
فكرت أن لا أتكلم عن كتاب ألَّفته، وهل أبقى في إطار اللياقات المعروفة عند تقديم الكاتب لكتابه، أم أخرج قليلاً لأنطق بكلماتٍ أعيشها مع عائلة حاضرة في هذا اللقاء، فآثرت أن أتحدث بطريقة عائلية، وكأننا نجلس جلسة خاصة لا رسميات فيها ولا حدود تقيِّد كيفية انطلاق الكلمات.
أولاً: لا بدَّ أن أشكر سعادة السفير، ومعالي الأستاذ كريم، على القراءة التي قدماها في هذه العجالة، ولا أخفيكم أني استمتعتُ كثيراً بالكلمات التي نقلوها عن الإمام الخميني(قده)، وكنت أتساءل: هل هي من الكتاب أم أن الأستاذ كريم أخذها من مكانٍ آخر، الذي عبَّر من القلب إلى القلب بأن كثافة المضمون الموجود في كتاب "الإمام الخميني: الأصالة والتجديد" هي كثافة تسمح للإنسان أن يتعرف من جديد على كلمات الإمام الخميني(قده)كلما أعاد القراءة وأعاد المطالعة.
هذا الكتاب تعرَّض بالحد الأدنى لـ 35 موضوعاً من الموضوعات محل الاهتمام عند الإمام الخميني(قده)، وقد حرصت على أن اختار من كتاباته وكلماته ومواقفه النذر اليسير من الكم الكبير، بحيث اخترت لبعض العناوين خمسة أو ستة أقوال للإمام(قده)، بينما تيسر لي أن أطَّلع على أكثر من ثلاثمائة قول لهذا العنوان في مناسبات مختلفة، وهنا الاختيار لا يخلو من صعوبة بأن يختار الإنسان خمسة أقوال من ثلاثمائة قول بحيث تعبر الأقوال الخمسة عن المسار الذي أراده الإمام من أجل أن نكون منصفين ولو بحسب فهمنا واستيعابنا، لأننا لن ننصفه فالإمام كبير جداً وعميقٌ جداً وأنا سباحٌ مبتدئ في بحر الإمام(قده).
اخترت أسلوباً جديداً في الكتاب، بأن أبدأ كل فكرة من الفقرات بكلمات مسوَّدة، بحيث لو افترضنا أن البعض منكم نقل الكلمات المسوَّدة وألغى الكتاب لحصل على ملخص لكتاب "الإمام الخميني: الأصالة والتجديد"، وفي آنٍ معاً يستطيع من خلال الإطلالة على هذه الكلمات التي لا تتجاوز سطراً أو نصف سطر مطلع كل فقرة، أن يعرف مضمون الفكرة إذا أراد أن يقرأها أو أن يعدل إلى غيرها. ما يساعد على أن يطلع الإنسان بفترة زمنية قصيرة على مضمون الكتاب ومجمل الكتاب.
أعترف أني تعلمت أشياء جديدة كثيرة عندما ألَّفت هذا الكتاب، وأنا الذي أدَّعي بأني عاصرت الإمام واطلعت على كتب كثيرة ومواقف كثيرة له، لكن تبيَّن أن الجهل يحيط بي من كل جانب، وأن المزيد من الإطلاع في هذه الشمولية أمرٌ ضروريٌ لفهم الإمام أكثر فأكثر. أتأسف أن الكثير من الكتب التي كُتبت حول الإمام يخرج منها الإنسان من دون أن يفهم شيئاً عن الإمام(قده)، لأن الكاتب أحياناً يخلط بين قوله وقول الإمام، فلا تعرف متى يتكلم هو ومتى يتكلم الإمام، أو يطنب كثيراً في العرض، وكردة فعل، ولمعالجة هذا الخلل، كتبت بالحدود التي تترك المجال لكلمات الإمام التي استوعبت مساحة الكتاب، فكنت أعمل على الربط بين أقواله ومواقفه في منظومة يقل فيها كلامي ويكثر فيها كلام الإمام، مشيراً إلى كلامه بين مزدوجين، ومشيراً إلى المصدر الذي اعتمدت عليه في هذا الكلام.
أيضاً، أعتبر أن هذا الكتاب يُغني بالحد الأدنى عن خمسة وثلاثين كتاب في خمسة وثلاثين عنواناً، لأن المقررات في بعض الكتب تجعل الإنسان يمل، وأحد الأخوة الذين أعطيتهم الكتاب وهو عزيز على قلبي: قلت له: إذا احتجت إلى شاهدٍ في الموضوعات التي تتحدث عنها يمكنك أن تبحث عن العنوان فترى الأقوال الرئيسة للإمام فيغنيك عن بحث في الكمبيوتر أو من الأقوال المختلفة باختيار سريع وحاضر لتقدمها إلى الناس أو إلى الذين تُلقى عليهم المحاضرة.
في الواقع كنت أشعر أن هذا الكتاب ضروري، هو يملأ فراغاً معيناً في الساحة، يعطي فكرة إجمالية، وقد استأنست من قراءة معالي الأستاذ كريم لهذا الكتاب الذي قال لي: لقد أتعبتني، لأن الكتاب مكثف وأردت أن أقرأه حتى أستخلص، لكن تبيَّن أنه أخرج بعض الكنوز من عند الإمام الخميني(قده). فهنيئاً له ولي ولكل الذين اطلعوا على بعض كنوز الإمام الإمام الخميني(قده)
نحن اليوم بحاجة إلى أن نعرف الإمام أكثر، وخاصة بالنسبة للأجيال الجديدة التي لم تعرفه، وأقول أكثر من هذا : نحن الذين عرفناه بحاجة أن نقرأه بشكل مجموعي، لا ببعض من محاضراته أو مواقفه أو آرائه، لنفهم كيف يفكر من ضمن منظومة كاملة ورؤية كاملة.
إذا أسهبت في هذا الموضوع ربما تفقدون الشهية على القراءة، لذا الأفضل أن أترك الأمر لتقييمكم، ولكن أقول بأن هذا الكتاب يستحق القراءة، لأنه كتاب عن الإمام الخميني(قده)، وبكل وضوح: الإمام الخميني(قده) مدرسةٌ ومنهج، وليس تجربةً وحدثاً، لقد قلب المعادلة في المنطقة، ونقلها من حالة إلى حالةٍ جديدة، وأوجد حراكاً قلَّ نظيره، وبث صحوة إسلامية تتفاعل حتى الآن ولم يستقر حيزها بفعل قوة تأثيرها المترامي الأطراف، والتي أعتقد أنها ستستمر إلى زمنٍ طويل لإحداث التداعيات والتأثيرات ببركة ثورة الإمام الخميني(قده).
هذا الإمام العظيم اتخذ قراراً جريئاً لا يستطيع اتخاذه إلاَّ العظماء والعظماء قلة في كل العالم منذ بدء الخليقة حتى الآن وإلى يوم القيامة، اتخذ قراراً بإقفال سفارة إسرائيل، معاكساً المسارين الدوليين الشرقي والغربي، يعني الاتحاد السوفياتي وأمريكا من دون أن يرف له جفت للحظة واحدة، ومن دون أن يبرر لنفسه وجود ثورة ناشئة تحتاج إلى كل دعامة حتى تقف على رجليه، لأنه واثق بأن الله تعالى معه وأن الشعب معه وأنه على حق، عندها لا قيمة للخلاف لا مع الشرق ولا مع الغرب، وهكذا كان فأزال ركن الصهيونية من إيران، وأوجد المكانة العظيمة للشعب الفلسطيني، واستطاع أن يتجاوز كل الصعوبات.
صمد الإمام الخميني(قده) أمام حرب العالم من بوابة العراق، والحرب الإيرانية العراقية هي في الواقع حرب العالم على إيران لإسقاط هذه الثورة، لأنهم وجدوا فيها أمراً جديداً يمكن أن يغير كل المنظومة في منطقتنا، وهذا الموقف من الإمام وشعب إيران في الصمود أدَّى غرضه وإذ بإيران اليوم شامخةٍ قويةً عزيزةً مقتدرة، تستطيع أن تفرض نفسها في ساحة وجود الأقوياء، قوية بحقٍ لا بسلاح، وشامخةً بفكرٍ لا بصلبتة، وقادرةً بعز شعبها لا بالاستعانة بالأجنبي.
إيران اليوم هي الثابت وما حولها هو المتغير، هي استمرت واستقرت منذ الإمام الخميني(قده)، وبرعاية الإمام الخامنئي(حفظه الله ورعاه) والكل تداعى، كل من حارب إيران سقط، كل من يحارب إيران اليوم سيسقط، كل من وقف بوجه الثورة الإسلامية النابعة من الأرض تكسر أمام صمودها لأنها الأصل، وكل المدعيين من الخارج فروعٌ لا تصمد أمام صلابة الأوطان، استهدفت إيران لأنها تمثل النموذج الشعبي المجاهد المستقل، وليس بسبب تطورها العلمي والنووي، استهدفت إيران لأنها دعمت المقاومة في منطقتنا: أكانت لبنانية أم فلسطينية أم عراقية، سنية أو شيعية، في مواجهة المحتل إسرائيلياً كان أم أمريكياً، فإيران تسير وفق القواعد التي تقف أمام أصحاب الحق في مواجهة الباطل، واليوم تحملت إيران كل هذه الأعباء السياسية والعملية لأنها وقفت إلى جانب شعوب المنطقة وإلى جانب حق الشعب الفلسطيني وتحرير القدس، وهي مستمرة ولا تخشى من أحد، وكل التهديدات التي تُساق ضد إيران هي عبارة عن مزيدٍ من تصليب الموقف الإيراني لمواجهة التحديات، بإمكان أمريكا وإسرائيل أن تقصف أو أن تعتدي على إيران ولكن ليس بإمكانهما أن يلاحقا النتائج التي تنتج عن هذا الاعتداء، لأن ما عند إيران كبير وكبير جداً، يكفي أنهم ينطلقون من الإيمان والتوكل على الله تعالى حتى لا يكون هناك حدٌ لدفاعهم ولا حدٌ لانتصارهم، إني أرى إيران منتصرة في كل مواجهة ومعها كل الأحرار في العالم الذين يباهون بعلاقتهم بإيران لأنها علاقة الشرف والكرامة والاستقلال، وليست علاقة التبعية والانتحار والأسْرَرَة التي يحاول البعض أن يختبئ فيها مدعياً أنه يعمل لمصلحة وطنه، من يريد وطناً حراً كريماً عليه أن يقتدي بالإمام الخميني(قده) فهو مَعْلَمٌ.
إيران قدَّمت النموذج المشرق الذي يُحتذى، قدمت الإسلام الأصيل الوحدوي والمنفتح، والذي يربي على الأخلاق والجهاد والحق والإنسانية والسماحة، نحن من دون الإمام الخميني(قده) لا قيمة لنا ولا قيمة لمنطقتنا، لقد كانت منطقتنا منحدرة فقوَّم مسارها وأصبحت في حالة تصاعدية، واليوم تستطيع المقاومة في لبنان وفي كل المنطقة أن تعلن بكل فخر أنها في مدرسة الإمام الخميني في الإيمان والجهاد والثورة والوطنية والتحرير، وهذه هي النتائج تُثبت نفسها في إيران وفي لبنان وفي منطقتنا.
أشكر المستشارية الثقافية الإيرانية، التي شجعتنا على هذا اللقاء وتبنت إقامته لمصلحة إحياء فكر الإمام الخميني(قده)، وكذلك دار المحجة البيضاء الذي ساهم في إخراج هذا الكتاب، ولا أخفيكم أني فوجئت فقد قررت أن لا أوزع نسخاً من الكتاب إلاَّ بعد حفل التوقيع، والكتاب طُبع منذ حوالى شهرين، لكن اضطررنا بسبب ما حصل في دار المحجة البيضاء أن نطبع طبعة ثانية لأن الأولى تسربت من غير قصد بسبب الكثيرين الذين عرفوا بالكتاب وأخذوه، آمل أن أكون قد قدمت مساهمة أحتسب أجرها عند الله تعالى، ولكن أنصحكم بقراءة هذا الكتاب فمن دون الإمام الخميني(قده) لا طعم للحياة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.