وثائق ويكيليكس هي فضيحة سياسية لطاقم يعمل في لبنان لمصلحة بلد آخر ولا يعمل لمصلحة لبنان، لأن كل ما نُقل عن هذا الطاقم السياسي مضرٌّ بلبنان وباللبنانيين وبالوطن والعزة والكرامة والمشاركة، هذه الوثائق لم تتحدث في طياتها عن خلاف سياسي، ولو تحدثت عن خلاف سياسي لقبلناه فمن الطبيعي أن نختلف سياسياً، لكنها تحدثت عن متآمرين كانوا يخبرون ويحللون ويحرضون، ويحثُّون على أن تقصف إسرائيل بلدنا ومقاومتنا وأهلنا، هذا تآمر حقيقي، وقد أوضحت أيضاً أنه يوجد من هو تابع للمشروع الأمريكي والإسرائيلي ليس عنده ذرة حياء، ولا يمكن أن نقول أنه توجد وطنية عند أولئك الذين يعملون لمصلحة أمريكا وإسرائيل. هل تنسجم الوطنية مع تحريض إسرائيل على تدمير البلد ورفع التقارير لها عبر السفير الأمريكي؟ هل تنسجم الوطنية مع الإثارة المذهبية والطائفية كلما لاح في الأفق خلاف سياسي أو مكسب لم يستطع البعض أن يحصلوا عليه فيحاولون تفجير البلد بالفتنة المذهبية أو الطائفية؟ هل ينسجم مع الوطنية أن يعيش البلد بحالة فوضى وخراب لمجرد أن يُكلَّف رئيس ليس محسوباً على جماعة معينة أو جهة معينة على المستوى السياسي؟ أين الوطنية من هذه التصرفات؟ أنا أدعو بكل صراحة جماعة 14 آذار وشعب 14 آذار أكثر من المسؤولين أن يُعيدوا النظر وأن يدرسوا واقعهم. ألم تتساءلوا بينكم وبين أنفسكم: لماذا تآكلت 14 آذار سياسياً وشعبياً خلال هذه الخمس سنوات، خرج أولاً التيار الوطني الحر، وبعد ذلك الحزب التقدمي الإشتراكي والأستاذ جنبلاط، وبعد ذلك الرئيس ميقاتي والوزير الصفدي ومن معهم، وكذلك هناك خيار أخير له علاقة بالمقاومة من الجماعة الإسلامية، ألم تسألوا أنفسكم لماذا تنقصون ولا تزيدون؟ هذا يعني أن هناك خلالاً ما، حتى بعض المستقلين الذين تركوكم لكن لم تبرز أسماؤهم في الإعلام وهم يشكلون الرصيد الكبير أيضاً، هذا دليل على فشل شعارات ومواقف جماعة 14 آذار، كونوا جريئين وأعيدوا النظر بمواقفكم، فأنتم تتصرفون خلاف الرأي الشعبي وخلاف نظرة الناس إلى الحقيقة وخلاف ما يصلح لهذا البلد، وهذا هو رأي الأغلبية الشعبية الساحقة والأغلبية النيابية بقانون الانتخابات الذي أتى بكم في لحظة من اللحظات أكثرية نيابية مؤقتة من دون أكثرية شعبية. إقرأوا المتغيرات يا جماعة 14 آذار، إقرأوا الفشل الأمريكي المتنقل من محل إلى محل آخر، إقرأوا الخسائر الإسرائيلي والإرباك الإسرائيلي سواء في تموز 2006، أو في العدوان على غزة، أو فيما يحصل في المنطقة خصوصاً في مصر، إقرأوا الثورات العربية المتنقلة والتي تتماهى مع المقاومة ومع الشرف والكرامة والسيادة والتحرير، أين أنتم منها؟ أعيدوا قراءة مواقفكم وارحموا جمهوركم، فبعض جمهوركم يسير معكم لأنه يريدكم بصرف النظر كيف تفكرون فالأمانة أن تفكروا بشكل صحيح كي تكونوا أمناء. من حق هذا الجمهور أن يعيش الشراكة الفعلية، وأن يقيِّم الأمور بصراحة ووضوح، لقد راهنتم على المحكمة وأنها ستعوِّض الخسائر السابقة لكم وأنها ستجرنا إلى المقصلة، ماذا كانت النتيجة؟ قالوا أنه في كانون الثاني سيصدر القرار الظني، وستنقلب الميمنة على الميسرة، والقرار الظني يومها مرَّ في نشرات الأخبار على وسائل الإعلام خبراً ثالثاً، فكان الخبر الأول استقالة الحكومة في لبنان، والخبر الثاني انتصار الثورة في تونس، والخبر الثالث صدور قرار ظني، وفي اليوم التالي أوقفت نشرات الأخبار كلها الحديث عن القرار الظني، كانوا يظنونه سلاحاً فتبيَّن أن لا قيمة له ولا تأثير له، أرادوا أن يعوِّضوا فوضعوا سقفاً في 7 آذار أو 9 آذار على أساس أن القرار قد حدد الأسماء وفرانسين سيقرأها، وأخذ فرصته جيداً لعدة أسابيع وستنقلب المعادلة، وإذ بـ 9 آذار يمر ولا يوجد قرار ظني، والآن نسمع أن القرار الظني ما زال أمامه أشهر، ويمكن أن نسمع بعد فترة أن أمامه سنوات، لماذا؟ لأن هذا القرار باطل المفعول، فاقد الصلاحية، وبالتالي لا يسمِّم ولا يجرح ولا يؤدي إلى تغيير معادلة، فهو سيمر دون أن يشعر به أحد، فهم ينتظرون علَّهم يجدون فرصة مناسبة لكن لا أعلم إذا كانت هذه التداعيات العربية التي تتكاثر ستجد لهم فرصة مناسبة، هذا إذا استطاع البعض أن يتحمل الإنتظار كل هذه الفترة.
اليوم المقاومة شمخت والصراخ ضدها عبثي ولا فائدة منه، نحن نسمع الصراخ لكن اعتدنا عليه، والحمد لله أكرمنا الله بأن العمل لا يحتاج إلى صراخ، فنحن مستمرون ونعمل ليل نهار، وصراخهم يبحُّ حناجرهم ويضطرهم لبعض الأدوية من أجل المعالجة. السيادة هي التي صنعتها المقاومة والجيش والشعب، السيادة هي صنوُ المقاومة، ليست السيادة بأن يكون الفرد أو الجهة من المخبرين للسفارة الأمريكية.
نحن اليوم في أجواء تشكيل الحكومة، من الأفضل أن يتم إنجاز الحكومة بأسرع وقت، وأن تعطي الأكثرية الجديدة تجربة جديدة ونموذجاً يضع حدَّا للفساد والفوضى والرشاوى، وأتمنى أن تكون الأولوية لتأليف الحكومة ولو ببعض التنازلات عن بعض المطالب والشروط، هذه مسؤولية وعلينا أن نكون بقدرها.