لقد خاض السيد عبد الحسين شرف الدين تجربة رائدة وتألق في آنٍ معاً، فقد كتب كتاباً كاملاً هو كتاب المراجعات وهو عبارة عن نصوص ورسائل متبادلة بينه وبين شيخ الأزهر تحدث فيها عن كل شيء خلافي ، من دون أن يثير نعرة مذهبية أو يثير الشخص الآخر الذي يقرأ ويطلع بقدرة رائدة في الأخلاق الإسلامية العظيمة، فكان بحقٍّ إنساناً يعرض للمسائل الخلافية بروح علمية بعيداً عن العصبية والتكفير، بعقلية المنفتح الذي يسوق الأفكار من أجل التقريب ولا يسوقها من أجل التفريق ، وهو بذلك يوضِّح المعالم التي تعتبر حقاً طبيعياً في أن يختلف الناس على أساسها ، فالمذهب الجعفري ليس مذهباً طارئاً ، هو واحد من مذاهب عدة، والمذاهب في ما بينها تختلف كثيراً . لما لا يقع الخلاف الفكري والفقهي بما يفتح الآفاق للتفسير والفهم والوعي ليتسابق الناس من أجل مرضاة الله تعالى ، لا من أجل العصبية المقيتة التي تبعدهم وتفرقهم.
نحن نقول اليوم إن الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة دينٌ ندين به وسنعمل مهما بلغت التضحيات لتبقى من أولوياتنا ، لنعززها وندرأ الفتنة ، ونقول للمفتنين ومن خلفهم ، لا تخيفونا بما يحصل في العراق ، ولا تثيروا عصبيات جاهلية تستثير المذهبيات ، سنقاتل من أجل أن تكون الوحدة هي الرائدة وسنبقى سنة وشيعة معاً إن شاء الله ولو كره الكافرون ولو كره المنافقون.
أمَّا في النظرة إلى الاستعمار ، فالإمام شرف الدين أجرى مقارنة رائعة ، هل نكون مع فرنسا أو نكون مع العرب، الأولى أن نكون مع العرب على علاتهم وعلى مشاكلهم فهم أقرب إلينا، هذا لا يعني أنهم يحسنون في كل شيء، لكن أن نكون مع الأجنبي هذا خطرٌ كبير، وكما قال الإمام شرف الدين:" ألا أدلكم على أمرٍ إن فعلتموه انتصرتم فوتوا على الدخيل الغاصب برباطة الجأش فرصته، وأخمدوا بالصبر الجميل فتنته، فإنه والله ما استعدى فريقاً على فريق إلاَّ ليثير الفتنة الطائفية ويشعل الحرب الأهلية، حتى إذا صدق زعمه وتحقق حلمه استقر في البلاد تعلَّة حماية الأقليات"،(أي بعلة حماية الأقليات)، وكأني به بيننا يحذرنا أيها اللبنانيون إياكم والوصاية الأجنبية، إياكم والوصاية الأمريكية أو الفرنسية أو الأوروبية فإنها تدعِّي حمايتكم ثم تأكل وطنكم، ونحن نقول للإمام شرف الدين سنكون معك وسنقول : لا لأية وصاية من أي بلد كانت، سنؤكد على لبنان مستقلاً سيداً حراً لا بالعناوين التي تقال بالخطب بل بالدماء التي زرعها المقاومون الشرفاء وأبناء الشعب الأبي والجيش اللبناني المعطاء، نحن نقول بكل وضوح وصراحة، من أراد إعمار لبنان واستقراره السياسي عليه أن يعمل لرفض عروض الوصاية الأمريكية والأجنبية ، وإذا كان البعض يعتقد أن الوصاية تنقذه فسنقول له ستغرقك قبل أن تغرق الآخرين، فمركب الوصاية فارغ من المحتوى وهو مثقوب يغرق في بحر لبنان الأبي والمقاومة.
ثالثاً: مقاومة الاحتلال، فالاحتلال مرفوض بكل المعايير، اسمعوا ما قاله الإمام شرف الدين، لقد جاسوا خلال دياركم(يتحدث مع العرب) يتصرفون بنا تصرف الفاتح، فإذا لم يكن من قدرة على الحماية فليس من طاقة على الرعاية، وهي الرسالة التي وجهها إلى رئيس الجمهورية اللبنانية آنذاك بشارة الخوري يتحدث فيها عن الهجوم والاعتداء الذي حصل من قبل الإسرائيليين، هذا الموقف يؤكد أننا بالمقاومة نكون أقوياء، وبالمقاومة نستطيع أن نثبت في مواجهة التحديات، نحن نقول لكم المقاومة بالنسبة إلينا ليست سلاحاً في يد طائفة ، والمقاومة بالنسبة إلينا ليست سلاح غلبة في مواجهة عدم التوازن السياسي والمقاومة بالنسبة إلينا ليست لخدمة أحدٍ لا في الشرق ولا في الغرب، المقاومة مسار وخيار من أجل أن نبقى أعزاء، خلقنا الله أحراراً ولن نكون عبيداً لأحد على الأرض مهما كانت هويتهم وقوتهم، ولو قتل من قتل منّا من أطفالنا ونسائنا وشيوخنا، فإننا تعلمنا من مقاومة الاحتلال كيف نحرر وكيف نصبح قوة في هذا العالم ، وسنتمسك بهذه القوة وبهذه المقاومة من ضمن استراتيجية دفاعية متفق عليها ، لكن لن نقبل عنوان الاستراتيجية الدفاعية الذي يخفي في طياتها استسلاماً لقرارات دولية أو تآمر علينا بوعود لا تصدق معنا على الإطلاق، إمَّا أن تكون الاستراتيجية الدفاعية قوة ذاتية للبنان، وإما لا تكون ، هكذا نقاوم وهكذا نواجه الاحتلال.
أيها الإمام عبد الحسين شرف الدين، نشعر أنك بيننا تفكر وتخطط ونحن على دربك، أيها الإمام الراحل، تذكرنا بالإمام الخميني(قده) الذي أنتج ثورة عظيمة في نهاية القرن العشرين أضاءت بالوحدة وبمواجهة الاستعمار ومقاومة الاحتلال ورفض إسرائيل، هي العناوين التي ترفع الرأس، وهي العناوين التي تعيد للأمة كرامتها، فتحية إلى إمام الأمة وقائدها وإلى خلفه الإمام القائد الخامنئي (حفظه الله تعالى ورعاه) ونحن نشكر جميع من ساهم وقدَّم في الجمهورية الإسلامية وفي لبنان لمثل هذا المؤتمر، نشكركم فقد أعدتمونا إلى حياتنا وإلى ذاتنا باستحضار الإمام السيد شرف الدين إلينا وهو بيننا حاضرٌ ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.