تشمل مسؤوليةُ الإنسان من يتحمل مسؤوليتهم، ويكون له سلطة عليهم، فالسلطةُ مسؤولية، والقرارُ مسؤولية، والعملُ الذي يقوم به الآخرون بناء لأوامر صاحب السلطة يتحمل مسؤوليتها، إضافة إلى ما يترتب على العامل نفسه.
مثال على ذلك: الأب هو السبب المباشر لولادة الأولاد، وهو مسؤولٌ عن تربيتهم، فلا يستطيع أن يتهرب من هذه المسؤولية يوم القيامة، بحجة أنَّه مسؤول عن نفسه وعمله فقط! فهو مسؤولٌ عن تربيتهم وتهيئتهم ليكونوا مسؤولين عن خياراتهم في طاعة الله تعالى، ففي الفترة التي يكونون فيها تحت سلطته وقراره يتحمل المسؤولية عن نفسه وعنهم، وبعد أن يصبحوا مكلفين يتحملون مسؤولية أعمالهم.
لو افترضنا أنك مسؤولٌ في معمل، أو مدرسة، أو حي، أو بلدة، أو منطقة، أو رئيسٌ في دولة... أي سواء أكانت المسؤولية صغيرة ومحدودة بعدد قليل من الأفراد، أم كبيرة وتشمل عدداً كبيراً منهم، فأنتَ تحملُ هذه المسؤولية وعليك تَبِعاتها، وأن تقوم بها بشكل صحيح، بأن تعدِلَ بينهم، ولا تظلمهم في طريقة التعاطي معهم، وتعطيهم حقوقهم، وتتعامل معهم كبشر لهم حقوق وعليهم واجبات، وتأخذ بأيديهم للاستقامة في هذه الحياة... لأنَّك صاحبُ القرار، وقد سلَّمك هؤلاء أمرهم، إما قهراً بالظروف التي جعلتك مسؤولاً عنهم، وإمَّا طوعاً بالاختيار والانتخاب.
لا يتحمل الفرد المسؤولية عن نفسه فقط، بل يتعداها إلى المسؤولية عمن يديرهم ويرعى شؤونهم وله الآمرية عليهم، فعن رسول الله(ص): "ألا كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده وهي مسؤولة عنهم"(6)، فعلى كل إنسان أن يرعى الوظيفة التي يتحمل مسؤوليتها، وأن يقوم بواجبه تجاهها.
ينشأ أغلب الأولاد الصالحين في مجتمعنا بسبب التربية في منازلهم، وأغلب الأولاد الفاسدين بعلة التربية الفاسدة في بيوتهم، فالبيت هو المهد الأول الذي يُنشئ تربية صالحة أو فاسدة. الأب صاحب الإدارة والأم شريك فيها، ويتأثر الأولاد بأهلهم، كما تتأثر المجموعة بقائدها، والناس بأميرهم، فإذا تصرف المسؤول بأخلاقية قلدوه بتصرفهم الأخلاقي مع الناس، وإذا تصرف معهم بعصبية ولؤم تصرفوا مثله بعصبية مع الآخرين. فالمسؤولية تشمل المسؤولية الشخصية والمسؤولية العامة، فأنت مسؤول عن نفسك بالدرجة الأولى، ومسؤول عمن ترعاهم وتتحمل مسؤوليتهم بالدرجة الثانية، في أن تُصلح أحوالهم وتأخذ بأيديهم نحو الاستقامة.
خاطب رسول الله(ص) معاشر القرآن: "يَا مَعَاشِرَ قُرَّاءِ الْقُرْآنِ, اتَّقُوا اللَّه عَزَّ وجَلَّ فِيمَا حَمَّلَكُمْ مِنْ كِتَابِه, فَإِنِّي مَسْؤُولٌ, وإِنَّكُمْ مَسْؤُولُونَ, إِنِّي مَسْؤُولٌ عَنْ تَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ, وأَمَّا أَنْتُمْ فَتُسْأَلُونَ عَمَّا حُمِّلْتُمْ مِنْ كِتَابِ اللَّه وسُنَّتِي"(7). عندما تقرأ القرآن فأنت تحمل مسؤولية التوجيهات الإلهية الصادرة إلى المؤمنين، ففي القرآن أوامر ونواهي، ولا تتوقف قراءة القرآن عند الأجر والثواب فقط، بل تمتد إلى التوجيه والعمل وتحمُّل المسؤولية. فإذاً هذه مسؤولية شرعية تقع على حملة القرآن الكريم، الذين يرتقون درجات عند الله تعالى, لأنهم يقرأون ويعملون بما قرأوا، وهم مسؤولون عن تبليغ الرسالة قولاً وعملاً، لأنفسهم وللآخرين.
قالَ عَبْدُ اللَّه بْنُ عَبَّاسِ: دَخَلْتُ عَلَى أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ(ع) بِذِي قَارٍ, وهُوَ يَخْصِفُ نَعْلَه, فَقَالَ لِي: "مَا قِيمَةُ هَذَا النَّعْلِ؟ فَقُلْتُ: لَا قِيمَةَ لَهَا. فَقَالَ(ع): واللَّه لَهِيَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ إِمْرَتِكُمْ, إِلَّا أَنْ أُقِيمَ حَقّاً, أَوْ أَدْفَعَ بَاطِلًا"(8). فالإمام لا تهمه الإمرة أو المسؤولية في شكلها ومكاسبها بل بواقعها الذي يتحمل فيها مسؤوليته الحقيقية, بأن يُقيم حقاً أو يدفع باطلاً. يُبيِّن الأمير(ع) لابن عباس أنَّ المسؤولية هي الأساس وليس المنصب أو المركز، فإذا استلم الإنسان مسؤوليةً ما, فلندعوا له بأن يُعينه الله على حسن أداء هذه المسؤولية لينجح فيها، وهذه هي المباركة الحقيقية.