مفاتيح السعادة

الأجل

الأجل

قال تعالى: "اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لاَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(الزمر 42).

المفتاح: الأَجَلُ بيد الله تعالى, فلن تموت قبل أوانك، ولن تستطيع أن تُطيل عمرك مهما فعلت، فأَدِّ تكليفك وأنتَ مطمئن, ولا تَخْشَ شيئاً.

الأَجَلُ أي وقت الموت من الموضوعات المهمة جداً في حياة الإنسان، لأنه إذا علم معنى الموت، وكيفية حدوثه؟ وهل يمكن تجنبه أم لا؟ وماذا يترتب على حتمية الأَجَل المسمى؟ يفهم دوره وقدرته في هذه الحياة، فيُحسن التعامل معها.

نبدأ بتعريف ثلاث ألفاظ تساعدنا على فهم المطلوب:
1- الجسدُ مادةٌ جامدة لا تتحرك إلاَّ إذا دخلت فيها الروح، فالجسد لا يتحرك بلا روح، وعندما يموت الإنسان, تغادرُ روحُه جسدَه، فالجسد قالبٌ تحركه الروح.
2- الروح محركة الجسد، قال تعالى: "فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا"(1), بثَّ الروح في الجسد المادي، فبدأت الحياة ومعها الحركة والأفعال بواسطة الجسد الحي.
3- النفسُ هي الروحُ الحاملة لأعمال الإنسان، عندما تدخلُ الروحُ الجسدَ تدبُّ الحياة في الإنسان، فيتحرك ويعمل, فإذا جاء وقت الموت تغادر الروح الجسد، ولكنها تغادره وهي مصحوبة بالأعمال التي قام بها الإنسان فهي النفس.

فالنفس هي الروح التي حملت معها أعمال الانسان، والروح هي التي تدخل إلى الجسد لتعطيه الحياة، والجسد هو المادة التي لا تتحرك إلاَّ إذا دخلت فيها الروح.
قال تعالى: "اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا"، فالله تعالى يتوفى الأنفس فيأخذها إليه حين موتها، وكذلك يتوفاها حين منامها فيأخذها إليه، فإذا قضى الله أن يموت الإنسان, تبقى النفس عند الله تعالى أي يمسكها بالموت، ولا تعود الروح إلى الجسد. وإذا لم يقضِ أن يموت الإنسان, تعود النفس إلى الجسد، فتدب الحياة فيه مجدداً بإستيقاظه من النوم، إلى أن يحين وقت أَجَله. وهذا معنى قوله جلَّ وعلا: "فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"، والأَجَلُ المسمى هو الوقت الذي سماه الله تعالى وحدَّده لموت الإنسان.

فالله تعالى يتوفى الأنفس حين موتها، ويتوفى الأنفس حين منامها، فيقبض النفس التي تقرر موتها، ويرسل التي لم يقرر موتها، فتعود إلى الجسد إلى أجلٍ مسمى يقضي الله تعالى فيه بالموت، إنَّ في ذلك لآيات لقوم يتفكرون. فكِّروا أيها الناس، فكِّروا بعظمة الخالق، وأنَّ كل شيء بيد الله تعالى، وأنَّكم ستعودون إلى خالقكم ليحاسبكم في يوم القيامة، فكِّروا أنَّكم مخلوقون لا تملكون شيئاً، ولا تتحكَّمون بأي شيء، ولا تعرفون ما يجري أثناء نومكم عدة ساعات إلى أن تعود النفس إلى الجسد. لا تعلمون متى تغادر النفس الجسد فلا تعود! ولا تقدرون على منعها من الخروج من الجسد! أيها الناس: أنتم عاجزون أمام الموت الذي سيصيبكم: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ"(2)، وهو بيد الله تعالى: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ"(3).

يقول إمامنا أبو جعفر(ع): "ما من أحدٍ ينام إلا عرجتْ نفسُهُ إلى السماء، وبقيتْ روحُهُ في بدنه، وصار بينهما سببٌ كشعاع الشمس. فإن أَذِنَ الله في قبضِ الأرواح، أجابتْ الروحُ النفسَ. وإذا أَذِنَ الله في ردِّ الروح، أجابتْ النفسُ والروحُ، وهو قوله سبحانه "اللهُ يَتَوَفَّى الأنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى"(4)، فالروح التي تبقى في الجسد أثناء النوم لا تعبِّر عن النفس وإنما عن استمرار الحياة، وعندما يأذن الله بالإمساك بالنفس تستجيب الروح التي بقيت في الجسد فتخرج منه، وإلاَّ تعود النفس بعد النوم إلى الجسد لتبث فيه الحياة العملية مجدداً.

يوجد وجه شبه بين النوم والموت بانعدام القدرة على الفعل، فعندما نزلت الآية الكريمة: "وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقْرَبِينَ"(5), قال رسول الله(ص): "يا بني عبد المطلب: إنَّ الرائد لا يكذب أهله، والذي بعثني بالحق نبياً، لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون, وما بعد الموت دار إلا جنة أو نار"(6). فالفرق بينهما: أن العودة بعد النوم إلى الحياة الدنيا للمزيد من العمل، وأما العودة بعد الموت فإلى يوم القيامة للحساب على عمل الدنيا.