قال تعالى: "الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ" (الرعد28 و29).
المفتاح: ذِكْرُ الله تعالى تَواصُلٌ مع مصدرِ السَّعادة, يمنحُنَا الاطمئنان, ويعزِّزُ رقابتَنَا لأنفسنا فنَتجَنَّب المعاصي.
الخطاب للمؤمنين "الَّذِينَ آمَنُواْ"، لأنَّ إطمئنان القلب بذكر الله تعالى لا يكون إلاَّ مع المؤمنين، أمَّا الذين لا يؤمنون فلا يطمئنون في الدنيا ولا في الآخرة، لأنهم يفتقرون إلى سر الحياة السعيدة، ونور الهداية الذي يحيي القلب.
"الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ"، إيمانهم مصحوبٌ بحالة من الطمأنينة تعيشها قلوبهم، والقلب ليس قطعةً من لحمٍ ينبض ويضخ الدم في جسم الإنسان، وإنما هو الداخل الذي يبث الحياة والمعنويات، وهو المحرك والموجه باندفاعٍ وتفاعل نحو الهدف، الذي يبلغ حالة الطمأنينة بذكر الله تعالى. فالمؤمن بين أمرين، إيمان يؤدي الى طمأنينة القلب، وطمأنينة تأنسُ بذكر الله تعالى.
"أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ"، من أراد أن يَطمئِن قلبه، فلا طريق إليه إلاَّ ذكر الله تعالى، ومن أراد أن يعيش في داخله حالة من الراحة والاستقرار والسكينة والطمأنينة فعليه بذكر الله تعالى.
"الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ"، لا يكفي إيمان القلب، بل لا بدَّ أن يصدِّقه العمل، فالذين آمنوا يعملون الصالحات، ويترافق العمل الصالح مع الإيمان بلا انفكاك. أما الثمرة فهي النهاية الحسنة والمستقرة، هي طوبى لهم، وكما ورد في بعض التفاسير: "طوبى" شجرةٌ في الجنة وارفةُ الظلال، تؤنس من يتفيأ تحتها، و"طوبى" تُقال للجنة أيضاً، وتقال للدرجات الرفيعة التي يعطيها الله تعالى للمؤمن ... "طوبى" هي مكافأة الإنسان المؤمن في جنة الله تعالى، وحسن الاستقرار والخلود في جنة عرضها السماوات والأرض أُعدت للمتقين.
نلاحظ في الآيتين الكريمتين الربط الوثيق بين قلب الإنسان وحالته النفسية، وبين عمل الإنسان ودوره في المجتمع، في عملية تكاملية يصوبها الإيمان، ليتحصَّلَ لدينا إيمانٌ بقلب مطمئن وعملٌ صالح. وأما المغذي لتحقيق واستمرارية هاتين الصفتين عند الذين آمنوا فهو ذكر الله تعالى.