سنتناول نموذجاً حياً للدفاع ضد الغزو العراقي للأراضي الإيرانية، نستهدف من خلاله كيفية توجيه الإمام(قده) لمشروع الدفاع بالموقف والتعبئة والمواكبة والنتيجة.
بيَّنَ الإمام الخميني(قده) الأهداف الحقيقية لحرب العراق ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بأنَّها حربُ الباطل على الحق، حربُ الدول الكبرى المجرمة وخاصة أمريكا ضد الإسلام ونوره وقدرته على إحياء الأمة، حربُ الدول الظالمة ضد حرية الشعوب واستقلالها، فقال في الذكرى السنوية للحرب: "إنَّ ما لا يخفى على من لهم البصيرة فيما يتعلق بدوافع صدام البعثي وحزب البعث العراقي، هو أنَّ القوى الكبرى المجرمة وخاصة أمريكا، أدركت من خلال هذه الثورة الإسلامية للشعب الإيراني أنها مختلفة اختلافاً جدرياً عن الثورات غير الإلهية عبر التاريخ. وقد وجدوا بعد الدراسة والتحليل، أنَّ سر نجاحها الباهر يكمن في الإسلام الحقيقي، كما أنَّهم وجدوا أنَّ سر وحدة الكلمة ومشاركة جميع شرائح الشعب في النهضة هو في الإسلام العظيم، وقد أخافهم الخطر العظيم الذي ينبع من تصدير الثورة ونور الحق في العالم الإسلامي، بل في عالم المستضعفين، ذلك الخوف الذي يرون فيه قطع أيديهم المجرمة من البلاد الإسلامية، بل من البلاد المظلومة المقهورة في أنحاء المعمورة. إنَّ خبراءهم الشياطين قد دقوا جرسَ إنذارِ سقوط امبراطوريتهم العالمية، فلذا كلّما زاد عمر الثورة، هذا الرمز الالهي لاسقاط الأتطمة الظالمة الناهبة، زادت مؤامرتهم لإسقاط الإسلام"(320ب).
إنَّها حربٌ عالمية على المستوى السياسي والعسكري، يُضعِف الانكسارُ فيها الدولة الايرانية الفتيَّة، فتتجرأُ عليها كل الدول بما فيها إسرائيل. ويحمي الانتصار فيها البلد ويؤسس لمستقبله، لذا, فالدفاع واجبٌ للتحرير وحماية البلد في المستقبل: "وعلينا ان ندرك بأننا اليوم في حالة حرب سياسية وعسكرية، ونحن الآن في حالة حرب مع جميع القوى العالمية العظمى وأتباعها، أي أنَّهم يهاجموننا ونحن ندافع عن أنفسنا"(321).
لا يقتصر الدفاع على مرحلة من دون أخرى، فمع تحقيق بعض الانتصارات لا بدَّ من الاستمرار في الدفاع لتحقيق النصر الكامل، وهذا الواجبُ مقدسٌ، لذا أطلق الإمام(قده) على الحرب المفروضة ضد إيران عنوان: الدفاع المقدَّس، فهو من أجل حماية دولة الإسلام من العدوان عليها، ومن أجل أن ترسو وتستقر. انَّ طريق الدفاع شاقةٌ وطويلة، لكنَّها واجبةٌ ومقدَّسة: "النقطة الًاخرى التي يجب أن ألفت اليها الشعب العزيز والمسؤولين المحترمين والمقاتلين الأبطال هي برغم أنَّ النصر حليفكم في جميع جبهات القتال، وقد أقضَّ ذلك مضاجع العفلقيين، لكنّ هذا لا يُعتبُر نهاية طريق الدفاع المقدس عن الدولة الاسلامية وصد المتجاوزين. أهيب بالمسؤولين وقادة الجيش والحرس والتعبئة مواصلة قتالهم الضاري ومقاومتهم الباسلة حتى سقوط صدام وأعوانه، وذلك بالاستفادة من إمكانياتهم المادية والمعنوية، وبالنظر الى التزلزل الشديد السائد على الجسد النَّخِر للعراق في جبهات القتال، خاصة بعد الحرب الضروس في "الفاو"، وأرجو سلبَهم الأمان، وعدم إجارتهم، من خلال رص الصفوف والانسجام الكامل، وألا تؤدي نشوةُ النصر- لاسمح الله- الى التواني في التكليف أوعدم الدقة في البرامج. وأطلب بتواضع من هؤلاء المدافعين المنتصرين، ألاَّ يغفلوا عن نصرة الحق والتوكل على الله العظيم "وَمَا النَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ اللّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ". ويجب أن يلتفت الشعب الايراني الكريم- الذي يعتبر نفسه مقيداً بأداء التكليف الالهي في جميع الميادين والدفاع عن منجزات الثورة- الى أنَّ ملءَ سُوح الوغى بالقوات المتدرِّبة والمستعدة للدفاع عن الاسلام وايران من أهم الواجبات الالهية على جميع الفئات والشرائح، بحيث لا يحولُ أيُّ شيءٍ أمام القيام بذلك. وبحمد الله، قام الشعبُ ويقومُ بهذا الواجب الشرعي المقدس على أحسن وجه"(322).
ومن كان في موقع الدفاع لا يتعب، وهل يتعب الإنسانُ من إيمانه والتزامه بشرع الله تعالى؟ فاحذروا من مثبطي العزائم والهمم الذين لا يريدون لهذه الدولة أن تقوم وتنتصر: "إنَّنا إن نعلن اليوم تعبنا من هذه الحرب ومن الدفاع المقدس- فنحن لم نعلن الحرب على أحد وانما ندافع عن بلادنا. ولا يزال جزءٌ من بلادنا محتلٌ من قبل صدام- فكأنما أعلنا عن تعبنا من الاسلام ومن القرآن! فأيٌ من أبناء شعبنا، إلا القلَّة القليلة من الفاسدين، تَعِبَ من هذه الحرب؟!"(323).
يريدون إلهاء إيران عن إسرائيل، بل وتحييدها عن الصراع لمصلحة إسرائيل، ولذا كانت الصفقة عالمية بين أمريكا وإسرائيل ونظام صدام: "إنَّ ما يؤسفنا في هذه الحرب المفروضه هو أن الطاقات التي كان يجب أن تُوجَّه نحو القضاء على اسرائيل وإنقاذ بيت المقدس العظيم، وُجِّهت بتآمر بين الشيطان الأكبر والصهيونية العالميه وحزب البعث العراقي ضد ألدِّ أعداء اسرائيل وامريكا"(324).
سيكون النصر حليف الجمهورية الإسلامية في نهاية المطاف، فيدُ الغيب لن تتركها وهي الحاملة للواء الإسلام، ومعادلة الإيمان أقوى من معادلات الكفر والعدوان، وها هي تجربة معاركِ الانتصار على الاحتلال العراقي، وطردِ القوات الغازية كما حصل في معارك "الفتح المبين"، نموذجٌ من نماذج الانتصار أثناء الحرب، وسيكون النصر حتمياً للمؤمنين، وبشكل إعجازي لا يتوقعه البشر، وهذا من نتائج تطبيق واجب الدفاع والالتزام بالتكليف، وهذا ما حصل:
"لقد اثبت الجيش الإيراني وسائر القوات المسلحة في هذه الحرب المفروضة والدفاع عن الحق، أثبت للعالم أنَّ المجاهدين في سبيل الإسلام والوطن العظيم يتمتعون بقدرة غيبية ما وراء الطبيعة وأقوى من حسابات سكنة القصور الجائرين، ولا يمكن قياسها بمعايير الذين عميت قلوبهم ولا يعرفون الله، ولا يمكن معرفتها بالمعايير الإلحادية. فبأي المعايير والمقاييس يمكن تحليل عمليات (الفتح المبين)؟ وبأي المعادلات يمكن تقييم الحرب غير المتكافئة التي يقف على أحد طرفيها قوة شيطانية تملك جميع أدوات وأسلحة الحرب الثقيلة والمتوسطة ويتمتع بدعم مطلق من قبل القوى العظمى ومعظم دول المنطقة التي وضعت تحت تصرفها بطيب خاطر جميع الإمكانات وسخروا لها جميع الأبواق الإعلامية العالمية، ويقف على الطرف الآخر قواتٌ مسلحة ولدت بعد انتصار الثورة وخرج جيشها حديثاً من سيطرة المستعمرين الأميركيين وقادة النظام الشاهنشاهي الظالم، وانتقل من النظام الطاغوتي الى النظام الإسلامي الإنساني، فيما قام حرسُه الثوري وتعبئته من أعماق الشعب وتدربوا حديثاً على استخدام السلاح، ولم يدرسوا كثيرا في الكلية العسكرية، ولم تكن بحوزتهم المعدات الحربية الكافية، وكان فيهم جميع أسباب الضعف الظاهرية، وكان سلاحُهُم الوحيد في هذه الحرب غير المتكافئة هو الإيمان بالله وعشق الشهادة في سبيل الإسلام وروح التضحية والإيثار، وقد استطاعوا في غضون نحو أسبوع، أن يُنزِلوا ضربةً قاصمة بقوى الشيطان العظيمة، حتى أخذت قوات العدو تسلم نفسها أفواجاً أفواجاً أو تهرب أو تُقتَل، فأي مثقفٍ محلِّلٍ وأي جامعي مفكر يستطيع أن يفسر هذا النصر الإعجازي؟ وإذا لم يتمتع الجيش وسائر القوات المسلحة بالنصر الإلهي المعنوي، كيف يمكن أن يحصل هذا العمل الإعجازي؟
نعم إنَّ الفرق كبير بين شباب يمضون ليلتهم بالمناجاة وتلاوة القرآن والصلاة والدعاء ويبدأون الهجوم بذكر الله ونداء الله أكبر، وبين أولئك الذين يمضون ليلتهم بمعصية الله ويفتتحون يومهم بالحرب مع الله .. نعم! هناك فرق بين خنادق يوجد فيها كتاب الله ونهج البلاغة وكتب الدعاء، وبين خنادق- كما يقول المنتصرون- عُثِرَت فيها على أدوات القمار وشرب الخمر والمسكرات وأسوأ من ذلك. وهناك فرق بين أولئك الذين يعتقدون بأنَّ صاحب الزمان- روحي فداه -, قائدهم ويحاربون تحت قيادته، وبين أولئك الذين يقودهم صدام العفلقي المجرم الأكبر"(325).