الإسلام رسالةٌ سماوية للعالمين، قال تعالى عن مهمة النبي الأكرم(ص): "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ"(107)، ويتحمل المؤمنون بها مسؤولية تبليغها للآخرين ودعوة الناس إليها، "ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ"(108)، حيث لا تقيدهم أرضٌ أو لغةٌ أو لونٌ أو قناعة مخالفة. ومع إقامة الحكومة الإسلامية، فإنَّ هذه المسؤولية باقيةٌ على عاتق العلماء والثوار كأفراد وجماعة، في الدعوة إلى الله تعالى وتبليغ رسالة الإسلام وحقائق الهداية.
لا يمكن لأحدٍ أن يمنع الفكر من عبور الآفاق، ولا التجربة النموذج من اختراق حواجز البلدان، ولا السلوك القدوة من التأثير على مستوى البشرية، وسيحاول الأعداء وضع العراقيل والحواجز كي لا يتعرَّف العالم على الإسلام، أو يتأثر بالصحوة الإسلامية الفتيَّة التي أطلقها الإمام الخميني(قده)، في الربع الأخير من القرن العشرين، بانتصار الثورة الإسلامية في إيران وإقامة جمهوريتها الإسلامية. وسيعمل هؤلاء الأعداء على بث الأضاليل والدعايات الكاذبة، وتخويف الناس من نور الهداية، ومحاصرة المد الإسلامي بالتآمر وتشويه الحقائق والمواجهة المباشرة وغير المباشرة، لكنَّ الحقيقة ستظهر، والحق يعلو ولا يُعلى عليه، وسيصل إشعاع الثورة إلى الناس وعلى مستوى العالم، وهذا هو المقصود من تصدير الثورة، وهو حقٌ مشروع، ثم يعود للناس أن يختاروا ما يُقنعهم ويؤمنوا به.
فرَضَت الثورة الإسلامية نفسها كحدثٍ عالمي، ووصل أريجها إلى أقطار المعمورة عبر وسائل الإعلام المختلفة، فتوجهت الأنظار إليها لمعرفة أخبارها ومشروعها وإنجازاتها وخلفياتها، وما تحمله للإنسان في إيران والعالم، من دون مِنَّةِ من أحد، ومع عجز دوائر الاستكبار عن منع حضور الإسلام مجدداً في الساحة العالمية. تحدث الإمام الخميني(قده) عن توجه أنظار الشعوب إلى الإسلام ببركة الثورة الإسلامية المباركة في إيران، فقال: "إنَّ القدرة الإيرانية وقدرة الإسلام في إيران، والحمد لله، وصلت اليوم إلى درجة بحيث لفتت أنظار الشعوب الضعيفة إليها، وتمَّ تصديرُ الإسلام إلى كل أنحاء العالم.
وأشرَقَ نورُ الإسلام في كل مكان، من أولئك السود الأعزاء في أمريكا والى أفريقيا والاتحاد السوفيتي، وتوجهت أنظار الشعوب إلى الإسلام، وهذا هو ما نعنيه من تصدير الثورة وقد تحقَّق فعلاً، وإن شاء الله تعالى سينتصر الإسلام على الكفر في كل مكان"(109).
أحدثَت الثورة الإسلامية يقظةً عند الشعوب والحكومات في العالم، وهذا هو معنى تصدير الثورة، فالعالم يبحث عن خلاصه من مشاكله، وعن الحلول لها، وسيجد في الثورة ما يلبي حاجاته وطموحاته لو فكَّر باستقلال ومن دون ضغوطات.
قال الإمام الخميني(قده): "لا تفسِّروا خطأً معنى قولنا أننا عازمون على تصدير الثورة إلى كل مكان بأننا نريد فتح البلدان، إنَّنا نعتبر أنَّ جميع البلدان الإسلامية كبلدنا، ويجب أن تبقى جميع البلدان على حالها، إنَّنا نريد هذه اليقظة التي نشاهدها في إيران، والتي تَمكَّنَ الشعب من خلالها أن يبتعد عن القوى العظمى، ويقطع أياديها عن ثرواته، وأن تحصل اليقظة بين جميع الشعوب ولدى كل الحكومات، وهذا هو أملنا.
فمعنى تصدير ثورتنا أن تستيقظ جميع الشعوب والحكومات، ويخلِّصون أنفسهم من هذه المشاكل التي يعانون منها، وينقذوا أنفسهم من تسلط الآخرين ونهبهم لثرواتهم وجعلهم يعيشون حالة الفقر"(110).
السلوك هو المؤشر الأساس للتأثير في الآخرين، ولا ينفع الكلام والإدعاءات ما لم يكن السلوك مترجِماً للأفكار المطروحة، وإنما يتم تبليغ الإسلام بالسلوك والتبليغ بالكتابة ووسائل الإعلام وتبيان الحقائق، وهذه هي الطريق التي دعا إليها الإمام الخميني(قده): "فنحن مهما إدعينا بأننا مسلمون وأننا جمهورية إسلامية، فلن يصدقنا أحد ما لم يطابق قولنا فعلنا، وما لم نجسِّد الإسلام في سلوكنا وتصرفاتنا، وما لم تكن سفاراتنا سفارات إسلامية. ولا بدَّ من ذلك حتى تُصدَّر الثورة إلى البلدان الأخرى، فإنَّه لا يمكن تصديرها بالقوة والإكراه، وهذه مهمتكم التي يمكن إنجازها من خلال سلوككم وكتاباتكم وإصداركم لمجلات فكرية إسلامية مصوَّرة. واعلموا أنه لو سعيتم في تبليغ الثورة الإسلامية من موقعكم، وكذلك قام الطلبة الإيرانيون في الخارج بتبليغ الثورة من موقعهم، وقاموا بالرد على ما يُكتب ويُنشر في الصحف والمجلات هناك، وأثبتوا كذب إدعاءاتهم المغرضة ضد الثورة، فإنَّ عملهم هذا سيُسهِم كثيراً في تصدير الثورة وتبيين حقائقها"(111).
تصديرُ الثورة بالتبليغ والسلوك حقّ مكتسب، وكل الدعايات التي ساقها الغرب والشرق ضد إيران، بأنها تهدف الى نشر الإسلام بقوة السلاح، كاذبة ومفترية، وقد أوضح الإمام الخميني(قده) هذا المعنى من تصدير الثورة بقوله: "اننا عندما نتحدث عن تصدير الثورة، نقصد نشر الإسلام في كل مكان ولا ننوي التدخل العسكري"(112)، وقوله: "فنحن اذ نقول نريد أن نصدر ثورتنا، لا نريد أن نصدرها بالسيف وانما نريد أن نصدرها بالتبليغ"(113).
لا فائدة من الجدل حول هذا الموضوع، فقد تمَّ تصدير الثورة، قال الإمام(قده): "إن المسألة الأخرى هي تصدير الثورة، وقد قلت مراراً: إنَّنا لانحارب أحداً، لقد تم تصدير ثورتنا اليوم. ففي كل مكان نجد أن الإسلام يُذكر، وأنَّ المستضعفين يتطلعون إلى الإسلام، يجب تقديم الإسلام إلى العالم كما هو، من خلال الدعايات الصحيحة. و عندما تعرف الشعوب حقيقة الإسلام، فإنَّها ستُقبِل عليه لا محالة"(114).
يملأُ الغرب وسائل إعلامه بدعوته إلى الحوار، وحفظ حقوق الإنسان في إبداء الرأي، وحق الاختلاف، لكنَّه يقف بشدة أمام الدعوة الإسلامية، ويضع العراقيل في طريقها، ويتهم دعاتها بالخطرين، ويروِّج لوجود مرض جديد أصابه، وهو رهاب الإسلام، أو تخويف المسلمين للغربيين، أو الإسلاموفوبيا، أو الفوبيا الإسلامية، ليشكل حاجزاً نفسياً رافضاً ومتجنباً للاقتراب الإسلام أو الاستماع إلى تعاليمه، إذا أنَّه يخاف من المنطق المتماسك لهداية الإسلام، فلا يريد المقارعة الفكرية أو الحوار الذي يكشف خواء الغرب وطروحاته، لذا يلجأ إلى الرفض المسبق، ويعبئ الناس عنده في هذا الاتجاه.
قد يقول قائل: أنَّ بعض المحسوبين على الإسلام أساؤوا وأرهبوا بما لا يقبله الدين، وهم الذين أعطوا الصورة السلبية التي شكلت ذريعةً للغرب لمواجهة الاسلام؟! ولكن لم يعد خافياً على أحدٍ في العالم، أنَّ هذه المجموعة لا تمثل الإسلام، وأنَّه يوجد نماذج كثيرة صالحة لتمثيله، وأنَّنا أمام تجربة واضحة ومكشوفة للعيان، هي تجربة الإمام الخميني(قده) والجمهورية الإسلامية الإيرانية، التي تختلف عمَّا يدَّعون، وهي الآن أملٌ حقيقي للكثير من المستضعفين في العالم.
إنَّ تصديرَ الثورة عن طريق التبليغ بالفكر والسلوك، كما بيَّنه الإمام الخميني(قده)، حقٌ مشروع، لا يستطيع أحدٌ منعه، فالافكار والتجارب تنتقل في أقطار المعمورة من دون اذن من أحد, ولن تنفع الإفتراءات والأباطيل في محاصرتها, وهذا المعنى لا يحمِّلُ إيران الإسلامية أية مسؤولية. هذا النموذج من التصدير إحياءٌ لأصالة الدعوة إلى الله تعالى، وتجديدٌ في اختيار الأساليب والوسائل التي تنسجم مع الواقع المعاصر، وخاصة في مجالي التواصل الالكتروني, ومن خلال وسائل الإعلام.