الديمقراطية لفظة ارتبط معناها بالخيار الحر الكامل للشعب فيما يختاره من نظام وقوانين ونمط حياة، ففي الديمقراطية: التشريع والحكم للشعب, من خلال المجلس النيابي المنتخب من الناس, والذي يشرِّع القوانين بحسب ما يتوصل إليه النواب.
عندما طرح الإمام الخميني(قده) الجمهورية الإسلامية، اعترض البعض على عنوان "الإسلامية", واعتبره مقيداً لحرية وحقوق الإنسان، وروَّج للجمهورية "الديمقراطية"، وهم بذلك لا يتوقفون عند مجرَّد التسمية والمصطلح، وإنما يعارضون مشروع الجمهورية الإسلامية، ويريدون النمط الغربي للحكم، الذي انطبع بالعنوان الديمقراطي.
وقد بدأ أتباع الغرب في إيران من الكتاب والإعلاميين والمثقفين، بالترويج للنظام الجمهوري الديمقراطي مقابل النظام الإسلامي، فرأى الإمام الخميني(قده) في هذا الطرح محاولة خبيثة لإبعاد الإسلام عن الحكم، وبالتالي إبعاد العدالة أن تسود في المجتمع. فما هي مآخذهم على الإسلام؟ فليذكروها! لكنَّ اعتراضهم يتقاطع مع الجهود الضخمة التي بذلها الاستكبار العالمي للقضاء على الإسلام، وكذلك النظام الشاهنشاهي الفاسد في إيران, لإقصاء الدين عن المجتمع، هؤلاء يخافون من عدالة الإسلام ومواجهته للمخربين والفاسدين.
قال(قده): "وأكثر ما ركَّز عليه هؤلاء هو القضاء على إيمان الناس، لأنَّ هذا الايمان، الايمان بالله، الإيمان بالإسلام، يرعبهم ويخيفهم. ولهذا لاحظتم عندما بدأ الحديث حول الجمهورية الإسلامية، راحت تعلو أصوات بعض كتّابنا المسلمين في الظاهر، مطالبين أن يكون النظام جمهورياً ديمقراطياً فحسب، دون أن يروا حاجة لإسلاميته! فكما هو واضح أنهم يخافون من الإسلام، ولهذا يريدون لنظام الحكم أن يكون جمهورياً ديمقراطياً، وأية ديمقراطية، الديمقراطية التي صدَّرها لنا الغرب؟! فالذي كان يخيف هؤلاء هو أن يتسلَّم الإسلام زمام الأمور في إيران، وتُطبق أحكامه وقوانينه فيها، لأنه إذا ما طُبق الإسلام لن يبقى للمخربين والفاسدين موطئ قدم فيها، وستُطوى صفحتهم إلى الأبد، إن شاء الله"(56).
وعلى الرغم من استخدام مفهوم الديمقراطية في أنظمة وأدبيات الكثير من دول العالم المعاصر، إلاَّ أنَّ هذه الدول تختلف في تفاصيلها، فلا يوجد عناوين ثابتة وموحَّدة يلتزم بها الجميع. وكذلك فإنَّ الخيار الديمقراطي بالكامل في نظام الحكم يعني الرفض لنظام الحكم الإسلامي، ولا مبرِّر للمعترضين على الخيار الاسلامي الاَّ رفضهم للإسلام، وسوق اتهامات جائرة بحقِّه كاتهامه بالرجعية.
قال الإمام الخميني(قده): "أولئك الذين يرفعون عقيرتهم ويتساءلون: ما الذي يمكن أن يقدمه الإسلام؟ ويريدون لنظام الحكم أن يكون جمهورياً ديمقراطياً ولا يريدون أن يكون اسلامياً، انما يفعلون ذلك خشية من الإسلام .. عن أي ديمقراطية يتحدثون؟ وهل هناك معنى واحد محدد للديمقراطية تتفق عليه الدول؟ وهل هناك دولة في العالم ملتزمة بأسس الديمقراطية؟ وأي من هذه الدول العظمى تعمل وفق موازين الديمقراطية؟ ففي كل مكانٍ تُفهم الديمقراطية بشكل مغاير: في الاتحاد السوفيتي لها معنى، وفي أمريكا لها معنى آخر، وعند أرسطو لها معنى ثالث مختلف. ونحن نقول أن شيئاً غامضاً كهذا ليس لديه معنى محدد، لا يمكن أن نضعه في دستورنا بحيث يفسره كل شخص على هواه، نحن نؤمن بالإسلام, والإسلام له معنى واحد وواضح في كل مكان، ويعرفه المسلمون كافة. نحن ندعو لجمهورية اسلامية، وشعبنا هو الذي اختارها ما عدا واحد أو اثنين بالمئة عارضوا ذلك، وهذا لا يعني أنَّ شعبنا لا يريد نظاماً اسلامياً. فهم يرفضون الجمهورية الإسلامية لأنهم يخشون من اسلاميتها وليس من الجمهورية، وها هم الآن يرفضون مجلس الخبراء، وسيأتي اليوم الذي يرفضون فيه مجلس الشورى أيضاً، وبعد ذلك ربما يرفضون الاستفتاء العام على الدستور! إنَّ الذي يؤرقهم جميعاً هو: لماذا الإسلام؟ هذه هي عقدتهم. أما شعبنا فهدفه الأساسي هو الإسلام، لأنه يرى فيه تحقيق ما يصبو إليه من خير الدنيا والآخرة.
شعبُنا يريد الإسلام, ولذلك وقفوا ضده! أما لو قال أنه يريد جمهورية فقط لصفَّقوا له جميعاً، وقدَّموا له التهاني والتبريك، ولكنَّهم أحجموا عن ذلك عند سماعهم كلمة (الإسلام)، لأنَّه رجعي! هكذا ينعتونه، إنهم يعتقدون أنَّ الله رجعي! إنهم أناسٌ على هذه الشاكلة، لو كانوا يعتقدون بوجود الله- ولا يعتقدون بذلك- فهم يسيئون للرسول أكثر من إساءتهم لكم، لأنَّه هو الذي وضع أُسُس الإسلام، إنَّه نبيٌ رجعي لأنَّه هداكم إلى الإسلام!؟ إنَّه رجعي لأنَّه قطع أيدي الخونة عن هذه البلاد، وهذا في نظرهم رجعية! فهو رجعي لأنَّه جعلكم تقررون مصيركم بأنفسكم!. لا أدري متى سيصحو هؤلاء، ومتى سيكفُّون عن مخالفتهم للإسلام وعن مغالطاتهم هذه؟"(57).
يتميز الاسلام عن الديمقراطية بالثابتة الأساس وهي الاحتكام للإسلام والعمل تحت سقفه، بالتزام أحكامه في مسائل الحلال والحرام, مع إبقاء الحرية واسعة للانسان في مجالات الاختيار والانتخاب والمباحات. ولو قارنَّا العناوين الديمقراطية التي تتحدث عن حقوق الإنسان وواجباته، والمساواة بين الناس، وحقوق المرأة، أو غير ذلك... لوجدناها في الإسلام بصورتها المنسجمة مع فطرة الانسان ومتطلباته نحو الافضل. أما الأشكال التنظيمية والإدارية وهيكلية الدولة فهي من المباحات في الإسلام، اذ يمكن أن يختار الشعب، عبر مجلس النواب أو الشورى أو أي صيغة أخرى, ما يراه مناسباً لحسن انتظام الحياة، ودائماً تحت سقف الإسلام.
قيَّد الإمام الخميني(قده) بعض المصطلحات السائدة بالإسلام، عند وجود مضمون إيجابي فيها, ليعطيها البُعد الخاص به، بحيث تحمل المعاني المنسجمة معه، فيتم التمييز بين ما أراده واضعوها, وبين معانيها المقيَّدة بالإسلام. فمهما كان معنى الجمهورية، فإنَّ معنى الجمهورية الإسلامية يختلف عنها، ولها تفسيرها وتفاصيلها الإسلامية التي عبَّرت عنها تجربة الجمهورية الإسلامية الإيرانية. ومهما كان معنى الديمقراطية، فإنَّ معنى الديمقراطية الإسلامية يختلف عنها، ولها تفسيرها وتفاصيلها الإسلامية التي تقيد عناوين ومفردات الديمقراطية، فتقبل منها ما ينسجم مع المضمون الإسلامي.
بل اعتبر الإمام(قده) أنَّ الديمقراطية الإسلامية أكثر تكاملاً من ديمقراطية الغرب:
"سئل: ما هو نوع النظام الذي تتطلعون لاحلاله محل النظام الحالي؟ وهل ترون عدم انسجام الحضارة الإسلامية مع الحضارة الغربية الراهنة؟.
فأجاب: إنَّ النظام الذي سيحل محل نظام الشاه الجائر، نظام عادل ليس له نظير في ديمقراطية الغرب ولا يوجد مثله. ربما تشبه الديمقراطية التي تتوق اليها الديمقراطيات المتوافرة في الغرب، ولكن الديمقراطية التي نسعى إلى ارساء دعائمها غير موجودة في الغرب. ديمقراطيةُ الإسلام اكثر تكاملًا من ديمقراطية الغرب"(58).
حافظ الإمام الخميني(قده) على أصالة الدعوة إلى الإسلام، ولم يرَ مبرراً لللجوء الى مصطلحاتٍ غربيةٍ مثقلةٍ بالمعاني الخاصة بها, وهي تختلف عن الاسلام في جوانب عديدة, أبرزها أنَّ التشريع في الاسلام من الله تعالى, فالديمقراطية تعني نموذجاً من الأنظمة التي تحتكم إلى الناس بالكامل، ليشرِّع لهم بعض المتصدين والمفكرين، بينما التشريع الإسلامي من عند الله تعالى. الديمقراطية ليست بديلاً ولا تكملةً للمشروع الإسلامي، ففي الإسلام كل شيء. يقول الامام (قده): "لا تخافوا من كلمة "الديمقراطية"، لا تخافوا من حذفها, فهذا النمط نمطٌ غربي, ونحن لا نريد الانماط الغربية، نحن نقبل بالحضارة الغربية لكنَّنا لا نقبل بمفاسدها"(59).
ولا يوافق الامام على إضافة كلمة الديمقراطية إلى الإسلام، بأن نقول: "الإسلام الديمقراطي"، فهو إساءة إليه وتعبيرٌ عن نقصه. وفي هذا يقول الإمام الخميني(قده): " قلت في إحدى المرات أنَّنا لا نقبل بهذا الأمر، لأنه يشكل إساءة للإسلام. وإن وضعتم هذا إلى جانب الإسلام، فهذا يعني أنّ الإسلام غير ديمقراطي. هذا في الوقت الذي تسود ديمقراطية الإسلام على جميع الديمقراطيات. إن انتم وضعتم هذه إلى جانب الإسلام فهذا مثل أن نقول: جمهورية إسلامية عادلة. إنَّ هذه إساءة للإسلام، فالعدالة جوهر الإسلام. لهذا لا يقبل شعبنا بذلك أيضاً"(60).
بناءً عليه، لا يتبنى الامام الديمقراطية المطلقة، فهي تمثِّل نظاماً في الاختيار مبني على آراء وقناعات الانسان, ولا القول بأنَّ الإسلام ديمقراطي حيث تكون الديمقراطية هي الإطار الأوسع التي يدخل الإسلام في كنفها، ولكن لا مانع من الحديث عن "الديمقراطية الإسلامية" حين تتقيد الديمقراطية بتعاليم الإسلام، فيسقط منها ما خالفه، ويبقى منها ما انسجم معه ودَخَلَ في تعاليمه, مع أنَّه لا يحبِّذ استخدام المصطلحات الملتبسة ومنها مصطلح الديمقراطية, ولدينا ما يعبِّر عما نؤمن به وهو الاسلام.
لقد ترجم دستور الجمهورية الإسلامية رؤية الإسلام بالتساوي بين أفراد الشعب في الحقوق، فلا مفاضلة ولا تمييز بسبب اللون أو العرق أو القبيلة أو أي شيء آخر. ذكرت المادة 19 هذا المعنى: "يتمتع أفراد الشعب الإيراني بحقوق متساوية، ولا تمييز بينهم بسبب القومية، والقبيلة، ولا يُعتبر اللون أو العرق أو اللغة وما شابه سبباً للمفاضلة"(61).
إنَّ جميع أفراد الشعب سواسية أمام القانون، ويتمتعون بكامل الحقوق في الميادين المختلفة. وهذا ما بينته المادة 20: "يتمتع جميع أفراد الشعب نساءً ورجالاً بحماية القانون بالتساوي، إضافة إلى تمتعهم بجميع الحقوق الإنسانية، والسياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، مع مراعاة المعايير الإسلامية"(62).
56- صحيفة الإمام، ج10، ص: 168. المكان: قم, 1399 هـ.
57- صحيفة الإمام، ج10، ص: 387و388. عام 1399 هـ.
58- صحيفة الإمام، ج4، ص: 216. مقابلة مع راديو وتلفزيون هولندا, باريس، نوفل لو شاتو.
59 - صحيفة الإمام، ج6، ص: 222.
60 - صحيفة الإمام، ج11، ص: 363.
61- دستور الجمهورية الاسلامية في ايران, ص: 25.
62- دستور الجمهورية الاسلامية في ايران, ص: 25.