في مقابل الأمور الثلاثة السابقة ثلاثة أمور تقلق الإنسان وتسلبه الراحة والطمأنينة وتضيِّع جهده وفرصته:
1- الفتنة بالسعة: السعة في الرزق قد تدفع الإنسان إلى الانحراف، عندما يُفتتن بالمال فلا يراعي صرفه في أبوابه الشرعية. وأبواب الانحراف كثيرة منها: الإسراف، عدم إخراج الحقوق الشرعية من الخمس والزكاة، شراء المحرَّمات، بذل المال في المنكرات، صرفه على سهرات اللهو والغناء، استخدامه في الرشوة والغش والاحتكار... ولا يعتبر الغنى مشكلة بذاته، بل نعمة إلهية، لكنَّه اختبار للإنسان في كيفية التصرف به، حيث تتحدد مسؤوليته على أساسها، وغالباً ما يسقط الأغنياء في امتحان المال، ولا ينجو إلاَّ القليل ممن آمن بالله وراعى أوامره ونواهيه فيما استخلفهم الله فيه وائتمنهم عليه على هذه الأرض.
2- الجهد الضائع: يرغب الإنسان بالراحة الدنيوية بحسبها، وأن يعيش الدعة من البحبوحة والسعة في الرزق، تصاحبهما راحة جسدية ونفسية بحسب ما في الدنيا من راحة، لكنَّ الكارثة الكبرى عندما تكون حركته دائمة ومستمرة من دون فائدة أو كسب، أي أن يكون كدُّه وتعبه متواصلاً، بحيث يعيش في حياته هذا التعب، ومع هذا يضيع جهده بسبب اختياره المنهجي الخاطئ وسلوكه الطريق الضالة، "ولا تجعل عيشي كداً كداً"، فيا للمأساة من تعب دنيوي يخسر المرء حياته فيها، وحساب أخروي على ما ضيَّع من شبابه وعمره بلا ثمر. بعض الناس لا يضيِّعون دقيقة واحدة من حياتهم، لكنها في البناء الخطأ الباطل والضال، فهم يعمرون دنياهم بالآثام ويرهقون أنفسهم لأجلها، ظانين أنهم بذلك يحسنون وينتفعون ويرتاحون ولو بعد حين، قال تعالى:" قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً * أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً"(356).
3- الدعاء المردود: يفتح الدعاء أجواء الأنس وأبواب الرحمة والعطاء من الله تعالى، ويزيد في الأعمار والأرزاق، فهو صلة خاصة بين العبد وربه، يجلب العبد لنفسه من خلالها بعضاً من نفحات الله وحصته المقسومة في هذه الدنيا. وعندما لا يُستجاب الدعاء، فلا يعتبر ردُّه أساسياً أمام وجود الغضب الإلهي على ما فرَّط وضيَّع كي لا يستجاب له. ومن أسباب رد الدعاء عدم استجابة الداعي لأوامر الله تعالى:" وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"(357). وروي عن أمير المؤمنين علي(ع) في تفسيره لقوله تعالى:ادعوني أستجب لكم، وسبب عدم الاستجابة على الرغم من دعوة الله للناس أن يدعوه، قوله:بأن قلوبكم خانت بثمان خصال، إلى قوله:"فأي دعاء يستجاب لكم مع هذا؟ وقد سددتم أبوابه وطرقه؟ فاتقوا الله وأصلحوا أعمالكم، وأخلصوا سرائركم، وأمروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، فيستجيب الله لكم دعاءكم"(358). وفي الدعاء المروي عن كميل بن زياد(رض) عن أمير المؤمنين علي(ع):"اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء"(359) في إشارة إلى سوء النية والنفاق مع الإخوان وخبث السريرة وغيرها من الذنوب المانعة لاستجابة الدعاء.
إذا أردت أيها العزيز أن تسلك سبيل الطمأنينة وتبتعد عن القلق، وأن تضمن مراكمة أعمالك الصالحة لنجاح دنياك وآخرتك، فابدأ من النقطة المركزية وهي مرتبطة بالإيمان، فإمَّا أن تؤمن بالله وإمَّا أن تؤمن بالطاغوت، ولكل منهما خطواته ودلائله ونتائجه. فالإيمان بالله يتطلب منك توحيده والإخلاص له، قال تعالى:" قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ * اللهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ"(360)، فلا تجعل له ضداً ومنافساً وكفواً، ولا تدعو معه أحداً مساوياً له، فهو واحد أحد لا شريك له. فمع الالتزام بالتوحيد تبدأ سيرة الصلاح وخطوات طريق الهدى.