سبيلك إلى مكارم الأخلاق

السؤال الذي لا مفرَّ منه

السؤال الذي لا مفرَّ منه

"واستعملني بما تسألني غداً عنه". اجعلني يا رب من العاملين بصدق وصلاح بما تسألني عنه يوم القيامة، فأكون مقبولاً عندك، ومثاباً في جنتك. فما أعطيتني من نعمك لم يكن عبثاً, وأنت القائل" وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاء وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاَعِبِينَ"(71)، وأنا المسؤول عن أداء حق النعمة بالعمل الصالح، قال تعالى:" وَلَتُسْأَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"(72).

خذ بيدي يا رب، لأكون في كل عطاياك حاضراً للإجابة يوم القيامة من دون أن أفشل في اختبارك لي في هذه الدنيا، وأعنِّي يا رب كي استفيد من فرصة الشباب والطاعة والغنى والفراغ والحياة للقيام بصالح الأعمال، وكأنَّك تشرف عليَّ مباشرة، وتوجهني بإرادتك، وتستعملني بمشيئتك، وذلك بتسديدي لما هو خير لي في عدم التفريط بما أوليتني من نعمك وبركاتك. ففي توجيه رسول الله(ص) لأبي ذر قال:"اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك"(73).

انتبه أيها العزيز، فقيمة عملك أن تقوم به بما يرضي الله وأنت بكامل قوتك وقدرتك، لا أن تستهتر في فترة شبابك، وتتبع غرائزك، وتستهلك قوتك في الحرام، ثم عندما تخسر تلك الطاقة التي منحك الله إياها، وتشارف على الهرم، تتعفف وتمتنع! عندها، ربما كان امتناعك عن الحرام لضعف قدرتك، وانعدام جاذبيته بالنسبة إليك، بسبب كبر سنك. لماذا لم تبادر أثناء الشباب والعنفوان؟ ماذا ستجيب ربك عند سؤاله إياك عن عمرك فيما أفنيته؟

انتبه، فصحتك تغرر بك لتقوم بما تهواه نفسك، وغناك يدفعك للمباهاة والإسراف ومنع الحق الشرعي، وحياتك تشكل الجاذبية الكبرى للتعلق بالدنيا بإعمارها على حساب الآخرة ويوم الحساب. فهل أنت ملتفت إلى السؤال الذي لا مفرَّ منه؟ يوم لا ناصر لك ولا معين،" يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ"(74). هل اعددت إجاباتك على ما مرَّ معك في حياتك؟ يوم تجد صحيفة أعمالك مملوءة، أمام كتاب " لاَ يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلاَ كَبِيرَةً إِلاَ أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِراً وَلاَ يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً"(75). هل أجريت تجربة بينك وبين نفسك في استعراض ما لديك لتقيِّم نجاحك أو فشلك في الاختبار؟ هل أحضرت يوماً قلماً وورقة، وجرَّبت مرة في الأسبوع أو الشهر أن تكتب أعمالك الصالحة وأعمالك السيئة، لتقارن بينها، وترى حجمها، وتضع خطتك لمعالجة ما فسد من أعمالك؟ لعلَّ حسابك لنفسك قبل يوم الحساب يساعدك على كشف عيوبك لتعالجها قبل فوات الآوان، فعن النبي(ص):"حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا، وزنوها قبل أو تُوزنوا، وتجهزوا للعرض الأكبر"(76).

أدعُ الله أن يستعملك في طاعته، وأن ييسر قيامك بالعمل الصالح، فإنَّ العمل الصالح هو المفتاح الحقيقي للنجاة عند السؤال في يوم الحساب. قال أمير المؤمنين علي(ع):"لأنسبنَّ الإسلام نسبة لم ينسبها أحدٌ قبلي: الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل"(77).