المكارم جمع مكرمة، وهي اسم من الكرم، في مقابل اللؤم، والأخلاق جمع خلق، يكتسبها الإنسان بتوجيه فطرته التي تحمل في طياتها عوامل الهداية والضلال، فلا يولد الإنسان خلوقاً أو فاسداً، وإنما يصل إلى أحد الاحتمالين بما يتربَّى عليه، وما يهذِّب به نفسه، قال تعالى:" وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا "(1). وقال رسول الله(ص) في الحديث عن بعثته:"إنما بُعثت لأتمَّم مكارم الأخلاق"(2)، وهو الذي برز في علو شأنه ومقامه، بما أدَّاه من سلوك مميَّز مع الناس، فوصفه القرآن الكريم قائلاً:" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ"(3).
أيها العزيز، إذا راقبت نفسك، ووجهتها، ووضعت برنامجاً عملياً لمتابعتها، أمكنك سلوك طريق مكارم الأخلاق. وإذا سلكت طريق الطاعة لله تعالى، والتزمت بأوامر الله ونواهيه، سرتَ بشكل طبيعي خطواتٍ نحو الكمال. وإذا وثقت بقدرتك، وتوكَّلت على الله تعالى، اجتزت العقبات مهما بَلَغَتْ، وانهارت أمامك الحواجز لترتقي في أخلاقك ومعاملتك للآخرين.
الطريق طويل، ويتطلب تصميماً وعزيمة واستمرارية، لكنَّه ممكن، ثم يزداد سهولة كلما قطعت مرحلة بعد أخرى. فالأخلاق المطلوبة منك، أخلاقٌ بشرية، تملك استعداداتها بفطرتك، وتصل إلى معاليها بسعيك. فلا تنظر إلى رقيِّها من بداية الطريق لتقارنها مع ما أنت عليه، إلاَّ لتحدِّد موقعك منها، ثم اشحذ همَّتك للانطلاق، بحول الله وقوته، للوصول إلى المراتب العليا، وإلاَّ إذا تلهَّيت بقياس بُعد ما أنت عليه عن كمال الأخلاق، وتحسَّرت لطول المسافة، فلن تزداد إلاَّ إحباطاً وبُعداً.
سِرْ مع رسول الله(ص) في توجيهه لك:"حسِّنوا أخلاقكم"(4)، فهذا لمصلحتك في الدنيا. إنَّ حسن الخلق يجلب النعم عليك في حياتك، فعن أمير المؤمنين علي(ع):"حسن الخلق رأس كل بر"(5)، وستكتشف الزيادة في استقرارك النفسي، وراحتك المعنوية، وسلامة سريرتك، فعن الإمام الصادق(ع):"لا عيش أهنأ من حسن الخلق"(A)، بل ستجد الأمور ميسَّرة أمامك، والخيرات تتدفق عليك، وتحصل على الأفضل في كل حدث، وتقبل القضاء الإلهي برحابة واطمئنان، "هوَّن ما نزل بي انَّه بعين الله"(6). وعندما تواجه صعوبة ما، فإن المخرج مع حسن الخلق، قال أمير المؤمنين:"لم يضق شيء مع حسن الخلق"(7).
ما الذي يوتِّرك في علاقتك مع الناس؟
ما الذي يؤدي إلى التباغض والتباعد والأحقاد بين الأقارب؟
ما الذي ينغِّص الحياة المستقرة إلاَّ تلك التصرفات المؤذية في حسابات الآداب واللياقات والحقوق؟
إذاً كيف تواجهها؟
التوتير يزيدك تعباً! والأحقاد تسوِّد قلبك! والإيذاء يعقِّد الأمور! أمَّا الصفح والعفو، وبشاشة الوجه، وتطهير السريرة، وحسن المعاملة، فإنها تريحك، ويتعلم الآخرون من أخلاقك أو يميتهم غيظهم، لكنك تفوز برأس الإيمان وأعظمه، قال أمير المؤمنين علي(ع):"رأس الإيمان حسن الخلق والتحلي بالصدق"(8).
المسألة ليست صعبة، فاعرف حدَّ حسن الخلق، ثم اعقد العزم على بلوغه، فسترى أنَّك قطعت المسافات بيسر وتوفيق.
سأل بعض أصحاب الإمام الصادق(ع): ما حدُّ حسنِ الخلق؟
فقال(ع):"تُليِّن جناحك، وتُطَيِّبُ كلامك، وتَلقى أخاك ببشرٍ حسن"(9).
وما دام في العمر بقية، فاعمل على إزالة الحجب والآثام التي تمنعك من الارتقاء إلى مكارم الأخلاق. "أيُّها العزيز، انهض من نومك، وتنبَّه من غفلتك، واشدُد حيازيم الهمة، واغتنم الفرصة ما دام هناك مجال، وما دام في العمر بقية، وقواك تحت تصرفك، وشبابك موجوداً، ولم تتغلب عليك-بعد- الأخلاق الفاسدة، ولم تتأصل فيك الملكات الرذيلة. فابحث عن العلاج، واعثر على الدواء، لإزالة تلك الأخلاق الفاسدة والقبيحة، وتلمَّس سبيلاً لإطفاء نائرة الشهوة والغضب.
وأفضل علاج لدفع هذه المفاسد الأخلاقية، هو ما ذكره علماء الأخلاق وأهل السلوك، وهو أن تأخذ كلَّ واحدة من الملكات القبيحة التي تراها في نفسك، وتنهض بعزمٍ على مخالفة النفس إلى أمد، وتعمل عكس ما ترجوه وتطلبه منك تلك الملكة الرذيلة"(10).
فإذا جمعت الفضائل، وتخلَّصتَ من الرذائل، وجاهدت نفسك لتستقيم كما أُمرت، استقرَّيت على الجادة الصحيحة، وعشتَ الاطمئنان في دنياك وكأنَّها مزويَّةٌ لخدمتك، وقد بقي لك أن تلتحق بركب إمام العدل في آخر الزمان الإمام المهدي(عج) لتكون من جنده، فإذا متَّ قبل ذلك، لم تُحرم من أجر موافاته. قال الإمام الصادق(ع):"من سرَّه أن يكون من أصحاب القائم، فلينتظر، وليعمل بالورع ومحاسن الأخلاق، وهو منتظر، فإن مات وقام القائم بعده، كان له من الأجر مثل أجر من أدركه"(11).
ثم ينتظرك الأجر الكبير عند الله تعالى، مكافأة لك على ما صبرت وأحسنت.
قال رسول الله(ص):"ما يوضع في ميزان امرئ يوم القيامة أفضل من حسن الخلق"(12).
وقال الإمام الصادق(ع):"إنَّ الله تبارك وتعالى ليعطي العبد من الثواب على حسن الخلق، كما يعطي المجاهد في سبيل الله"(13).