القرآن منهج هداية

تمهيد

تمهيد

بسم الله الرحمن الرحيم


الحمدُ لله الذي هدانا لهذا وما كُنَّا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والصلاة والسلام على أشرف الخلقِ المبعوثِ رحمةً للعالمين محمد (ص)، وعلى آله المنتجبين الأطهار(عم) مناراتِ الهدى في طريق الاستقامة، وعلى الأصحاب والعلماء والمجاهدين الذين عبَّدوا مسيرةَ الوحي ورفعوا رايةَ الحقِّ لخير البشرية.
أنزَلَ الله القرآن الكريم في ليلةٍ مباركةٍ هي ليلة القدر خيرٌ من ألف شهر، وفي شهرٍ مباركٍ هو شهر رمضان، وعن طريقِ أشرفِ الملائكة جبريل(ع)، وإلى أشرفِ خلقِ الله تعالى خاتم الأنبياء محمد(ص)، بكلامٍ موحى من عند الخالق العالم الحكيم المدبِّر، وبمضمونٍ يُنيرُ الدربَ نحو الهدى والكمال، "إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ".
القرآنُ نورٌ وخيرٌ وهدايةٌ وشفاء، ننتفعُ به في كل المجالات، وكيفما قاربناه نتفاعل معه، فهو نورٌ إذا قرأناه، أو سمعناه، أو حفظناه، أو تعلَّمنا أحكامه، أو فهمنا معاني آياته، أو استفدنا منه قصةً أو حكمةً أو حُكماً أو موعظةً أو بشارةً أو إنذاراً ... ويزيدنا نضارةً كلما تناولنا من مائدته أيةً أو آيات، تفتحُ أمامنا آفاقاً جديدة، وتراكمُ أنوارَها في صفحات نفوسنا، وكما قال رسول الله(ص): "هو الذي من عَمِلَ به أَجرَ، ومن حَكَمَ به عدَل، ومن دعا إليه دعا إلى صراطٍ مستقيم". وقال أمير المؤمنين علي(ع): "اعلموا أنَّ هذا القرآن هو الناصحُ الذي لا يغش، والهادي الذي لا يُضِل، والمحدِّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحدٌ إلاَّ وقام عنه بزيادةٍ أو نقصان: زيادة في هدى، أو نقصان من عمى".
يتناول كتابُ "القرآن منهجُ هداية" شذراتٍ من عطر الهداية، مبتدئاً بالحديث عن "المعجزة الخالدة"، في إطلالةٍ مختصرة عن الإعجاز والتحدي، وصورِ الوحي القرآني، والمائز بين الإنزال والتنزيل، وترتيب القرآن، وخصائص الآيات المكية والمدنية، ومعنى الأحرف المقطَّعة في القرآن، والمحكم والمتشابه..
ثم يستعرض الفصل الثاني هدف القرآن المركزي وهو الهداية، فهو كتاب هداية، لا ينضبُ عطاؤه، ولكن علينا أن نعرف كيف نستفيد منه؟ وأن نُحسن تلاوته، ونتبع الآداب التي تسلك بنا درب المعنويات، بتفاعلٍ روحي وعملي ينعكس على سلوكياتنا.
أمَّا الفصل الثالث فيتحدَّث عن الإنسان كمحورٍ للهداية، وهذا ما استدعى تبيان مكانة الإنسان ونظرة القرآن اليه، وأنَّ الدعوة الإسلامية هي الدعوة نحو الأحسن في كل شيء، وهنا يتكامل خَلْقُ الإنسان في أحسن تقويم، مع أكمل وأحسن وأتمِّ الرسالات السماوية، التي وصلتنا من خلال وحي القرآن الكريم على رسول الرحمة محمد(ص). إنَّ القرآن للعالمين، وفيه تبيانٌ لكل شيء، والإنسان مسؤولٌ بعد أن تهيأت له كل ظروف الهداية، وعليه أن يفهم القرآن من خلال القرآن, وأن يفسِّر من خلال ترابط آياته، لا أن يعتمد على التفسير بالرأي الذي يُبعدنا عن فهم مرامي هذا الكتاب العظيم.
ولا بدَّ من الحديث عن مفاتيح الهداية وهي ثلاثة: العقل والروح والجسد. فقد اعتنى القرآن الكريم بها بشكل دقيق وشامل، لامست مفاصل الشخصية الإنسانية بما يمكِّنها من أن تسلك معارج الهداية إلى الكمال، فبيَّن الفصل الرابع مكانة العقل، وجنوحه عند تقليد الآباء والموروثات الخاطئة، وما اعتمده القرآن من لغة الحوار، وكيفية التكامل بين العقل والقرآن، والأسباب الدافعة لعدم تعليل الأحكام، وفيه أيضاً معالم البناء الروحي الذي يؤدي إلى التقوى، ومدى العناية بالجسد بما يؤدي غرضه، ويحصل على حقَّه في هذه الدنيا الفانية.
التوازنُ سِمَةٌ قرآنية، يرسم المسار السليم لثلاثي بناء الشخصية: العقل والروح والجسم، ويعطي لكلٍ نصيبه من التوجيه، ضمن حدودٍ لا زيادةٍ فيها ولا نقصان، بما يتناسب مع أرقى النتائج، في عمليةٍ تكاملية لبناء الشخصية، هذا ما تحدَّث عنه الفصل الخامس في عشر فقرات، عن: ضرورة الالتزام بكامل المشروع الإلهي، والتوازن بين الدنيا والآخرة، وتعريف الوسطية، والتوازن بين الفرد والجماعة، وبين الخوف والرجاء، وفي الفعل والترك، وفي السلوك العام...
إنَّنا بحاجة إلى فهم أسس التربية القرآنية، ولذا جرى الحديث في الفصل السادس عن دور العبادات التربوي، وأثر بيع النفس لله تعالى، وكيفية بناء الأخلاق، وانعكاس الإيمان بالقَدَر المقسوم على شخصية الإنسان، وتبيان الهدف من التدرج في التحريم وأثره في نقل المجتمع نحو الصلاح.
أمَّا الفصل السابع فقد استعرض أساليب التربية في القرآن الكريم، وهي متنوعة، وقد اخترنا بعضها وأهمها: التربية بالقدوة، والموعظة، والقصة، والاستفادة من رصيد تجربة المؤمنين عند بداية الدعوة، ودور الجماعة في حماية نفسها وأفرادها متعاونةً متكافلةً في طاعة الله تعالى.
ثم كان خاتمة الكتاب فصل السُّنَن الإلهية، التي تعبِّر عن القوانين الحاكمة في حياة البشرية، والتي إذا ما فهمها الإنسان، وعمل مهتدياً بها، عاش الراحة النفسية والاستقرار المعنوي في هذه الدنيا، على الرغم من كل المعاناة والابتلاءات والمصائب التي تُحيط به. هذه السُّنن تدلُّنا على حدود قدرتنا، وما هو مقدَّرٌ لنا في الحياة، ومنها سُنَّة ازدهار المجتمع أو هلاكه، وسُنَّة الآجال بيد الله تعالى، وسُنَّة النصر للإيمان والاندحار للظلم...
كتاب "القرآن منهجُ هداية"، إطلالة على علوم القرآن الكريم، وعرضٌ لنظرة القرآن إلى الإنسان كمحورٍ للهداية، وكيفية اهتمامه بعقله وروحه وجسده، بتوازنٍ، وتربيةٍ رائدة. إنَّه إضافةٌ متواضعة إلى المكتبة القرآنية، نأمل أن تحقِّق النفع المرجو منها، لشريحة من القراء ترغب الاختصار وتبسيط الأفكار، سائلاً المولى تعالى أن يجعله ذخراً لي في صحيفة أعمالي، يوم لا ينفعُ مالٌ ولا بنون، إلاَّ من أتى الله بقلبٍ سليم.

 نعيم قاسم
1 محرم 1432 هـ
7 كانون الاول 2010 م