انَّ سنَّ المراهقة ليست سناً للانحراف، سن المراهقة هو سنُّ الطاعة لله تعالى كما هو سنُّ الانحراف، فكما يكون الشاب قوياً في طاعة الله يكون قوياً في معصيته، وذلك بسبب الطاقة الحيوية التي يمتلكها. من جزمَ بضرورة حصول فترة انحراف عند الشاب لسنة أو سنتين أو ثلاث سنوات على الأقل بسبب المراهقة فهو مخطئ! إذ أن اختلاف المقومات الجسدية والنفسية عند المراهق عن مرحلة الطفولة لا تعني حتمية الانحراف واتباع الشهوات. فالانحراف سلوك كما الطاعة سلوك، وإنما يتكوَّن السلوك بالثقافة والتربية والاختيار.
يرغب الشاب المراهق بالتمايز والاستقلال، ويحبُّ أن يتخذ قراره بنفسه، فيعاند نصائح الكبار له، ويحاول أن يتشبَّه بهم كمنافس لهم، يعيش أحاسيس اثبات رجوليته، ولا يعترف بضعف تجربته. يهتم بالتصرفات التي تصنِّفه في عالم الكبار، كطريقته أثناء الكلام معتدَّاً بنفسه، وطريقة مشيه، ويتمرَّد على العادات والتقاليد والقيود، وتبرز عنده الخصوصية بكل أبعادها... يمكن لهذه المرحلة الانتقالية أن تكون ايجابية أو سلبية.
إذا تعاملنا معه آخذين بعين الاعتبار خصوصية هذه المرحلة، ولم نتعامل معه كطفل، واتخذناه صاحباً ووزيراً، واستمعنا لآراءه مهما كانت سخيفة، وحاورناه من دون إحراجٍ أو قهرٍ أو استخفاف، وتعاونَّا معه لنسهل له تحقيق رغباته فيما يكون ملائماً ومناسباً ليصرف طاقته في الطريق الصحيح، وعفونا عن هفواته ولم نلاحقه بالتأنيب والعقاب والنقد على كل سلوك، وأعطيناه هامشاً ليحقق شخصيته، وأحطناه بشكل غير مباشر بأجواء الصحبة والأجواء العامة المدرسية والمجتمعية الصالحة، فإننا نقوِّم شخصيته ، ونساعده على بلورتها بشكل أفضل.
وإذا عرضنا عليه من تجارب الماضي والحاضر ما يجذبه كقدوة له، وعرَّفناه على تلك الشخصيات العظيمة الفريدة في التاريخ، كالرسول(ص) وأمير المؤمنين(ع) والإمام الحسين(ع)، ومصعب بن عمير ومالك الاشتر وأسامة بن زيد، وعرَّفناه في الحاضر على النماذج الشابة المجاهدة، كالشباب المقاوم في لبنان وفلسطين ضد الاحتلال الإسرائيلي...عندها سيتأثر بهم في مرحلة مراهقته بشكل إيجابي. إنَّ الشاب بحاجة إلى القدوة النموذجية التي يستلهم منها ويقلدها، ويرغب بسماع إنجازاتها وسيرتها ومميزاتها، فإذا لامست الشخصية القدوة تطلعاته وأُعجب بها، فستكون سبباً مباشراً للتأثير على شخصيته وتوجيه حيويته. فبدل أن يقتدي بالعبثيين والمستهترين والماديين، نوفِّر له فرصة الاقتداء بالصالحين والأقوياء في طاعة الله تعالى، ونستفيد من طاقته في الاتجاه الإيجابي.
ما الذي يضيرنا إذا اتَّخذ الشاب قراره بنفسه عن قناعة تامَّة طالما أنَّنا هيأنا له المعطيات والمقدمات والنقاشات الضرورية للقرار الصحيح؟ ما المانع من أن يعيش خصوصيته؟ وما الضرر في أن نحوِّل عناده إلى عزيمة تعاند الكفر والانحراف؟ وما الخطأ إذا كان تقليده للكبار اكتساباً لتجاربهم؟ لنثق أنَّ بإمكانه أن يسيطر على جسده وغرائزه إذا تعاملنا معه بطريقة إيجابية، وساعدناه بالشكل الصحيح.
أمَّا إذا أسأنا التعامل معه، وتعمَّق الحاجز بيننا وبينه، وعاش الوحدة في خياراته، متمرداً على محيطه، معتمداً على تجربته الضعيفة والانفعالية، فستكون النتيجة سلبية بكل المعايير.
تعيش الشابة المراهقة نضج جسدها، وتنمو عندها أحاسيس الجمال والمظهر الحسن ورغبة البروز، وترغب بالتمايز عن أقرانها، وعن والدتها ومن جايلها، وتعيش أنوثتها في أوج توهجها، وتحب أن تتَّخذ قرارتها بمعزل عن الآخرين، وتبحث عن مكانها ودورها بين الآخرين...يمكن لمرحلتها هذه أن تكون إيجابية أو سلبية.
فإذا تعاملنا معها كبالغة راشدة، واعترفنا بخصوصيتها في هذه المرحلة ، ولم نتعاطى معها كطفلة، وقدَّرنا اهتمامها بجمالها وتمايزها، فأفسحنا لها المجال بين أقرانها من دون تحاسد أو تنافس، بل بتعبيرٍ عن الشكر لخلق الله تعالى، واقنعناها وأعنَّاها على لبس الحجاب كمظهر يرتقي بها إلى الكمال الإنساني من دون أن تخسر من جمالها شيئاً فيما أحلَّه الله تعالى، وبيَّنا لها استحواذ هذا النموذج على رغبةِ شريحةٍ مهمةٍ من شباب المجتمع لبناء الأسرة الصالحة، وتركنا لها فرص التعبير عن آرائها وناقشناها باحترام وتقدير، ولم نقيِّدها بطريقة تخنق حيويتها، بل وجَّهناها بشكل غير مباشر إلى أجواء الصلاح والاستقامة والصحبة الحسنة، وعلَّمناها ما يوضِّح لها المنهج الحق ليكون اختيارها عن قناعة، واعترفنا بدور هذا النضج الجسدي في الحياة بالطريقة الملائمة المحلَّلة، عندها ستترجم مرحلة مراهقتها بطريقة إيجابية.
وإذا عرَّفناها على القدوة الصالحة لسيدات عظيمات في التاريخ، كفاطمة الزهراء(ع) وخديجة وزينب(ع) وآسيا زوجة فرعون، وسمية أول شهيدة في الإسلام، وفي عصرنا الحاضر نموذج الشابات المجاهدات في دعم المقاومة ضد الاحتلال وتضحياتهن في نصرة الحق والدين، فإننا بذلك نوجِّه اهتمامها نحو النماذج المناسبة لتطوير حيويتها. وإلاَّ فإن اقتداءها باللواتي يبرزن جمالهن ومفاتن أجسادهن، ويعرضن أنفسهن أمام الرجال، سيعطِّل الطاقة الفعالة الموجودة لديها ، فنخسر بذلك الاستفادة من قدراتها العقلية والعاطفية والتربوية والإنسانية في الاتجاه الصحيح. إن القدوة الصالحة بقصصها وسيرتها ونموذج حياتها يشكِّل جاذبية عند المراهقات، إذا أحسنَّا تقديمها إليهن، على أن لا ننسى تذكيرهن بمسؤوليتهن أمام الله تعالى، وبدورهن الإيجابي والمناسب في المجتمع.
ليس الحجاب حصاراً لها بل إطلاقٌ لطاقتها الإنسانية، ولجمالها في إطاره المشروع المحدد، والتعلم ضرورة لبناء شخصيتها، ومشاركاتها الاجتماعية المختلفة تساعدها على النمو والنضج، وهي قريبة إلى الإيمان بسبب عاطفتها ومشاعرها الرقيقة، فلنعطها المجال لتعبِّر عن شخصيتها من دون قمع أو ملاحقة تفصيلية، فهذا ما لا يضر أبداً ، بل يقوي منعتها وقدرتها على مواجهة الحياة.
فإذا استقامت، تكون رقيبة على نفسها بشكل كافٍ، وتحصِّن نفسها بما يتجاوز كل الضغوطات الخارجية المصطنعة من الأهل والمجتمع، وتحصر إبراز جمالها في محله الصحيح بسبب قرارها وتصميمها، وهي قوية وقادرة على ذلك عندما تقتنع بما تفعل.
أمَّا إذا حاصرناها، وضغطنا عليها، فستتمرد على قناعاتنا، وستشعر بالرغبة الجامحة للتخلص من التضييق، وستبحث عن شخصيتها بمعزل عن التوجيه السليم، وستطلق العنان لرغبتها في إبراز جسدها من دون قيود، فنخسرها ونخسر تلك الطاقة المفعمة بالحيوية التي تتحول إلى معصية وآثام.