إذا كانت العلاقات الإنسانية تستلزم وجود الصحبة، فهي لا تعني إقامة أي علاقة بين شخصين، بل هي علاقة مختارة ومحدَّدة ولها مواصفات. وعلى رأس المواصفات المطلوبة في الصاحب أن يسلك طريق طاعة الله تعالى، ليؤازرك في العبادة والاستقامة، ويصبر وإياك في مواجهة التحديات وأخطار الانحراف، ويدعو معك لذكر الله ومخالفة الهوى والملذات، وهذا ما يجب أن يتوفر في الجماعة المؤمنة التي يناصر بعضها بعضاً، قال تعالى:" وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً"(3).
إنَّ من مستلزمات الصحبة انعكاساتها الإيجابية على الطرفين، خاصة في وقوف الصاحب إلى جانب صاحبه في كل ما يحتاجه إليه، وما يعينه في الملمات والشدائد، وما يرشده إلى الصلاح والاستقامة، فهي مفيدة إذا توفَّرت في الصاحب مجموعة من المواصفات أبرزها ما قاله الإمام الحسن بن علي(عما):
"فاصحب من إذا صحبته زانك، وإذا خدمته صانك، وإذا أردت منه معونة أعانك، وإن قلت صدَّق قولك، وإن صلت شدَّ صولك، وإن مددت يدك بفضلٍ مدَّها، وإن بدت منك ثلمة سدَّها، وإن رأى منك حسنة عدَّها، وإن سألته أعطاك، وإن سكتَّ عنه ابتداك، وإن نزلت بك إحدى الملمات آساك، من لا تأتيك منه البوائق، ولا يختلف عليك منه الطرائق، ولا يخذلك عند الحقائق، وإن تنازعتما منفساً آثرك"(4).
ولا يستوي الأصحاب في التقييم، فهم يتفاوتون في مستواهم ومدى الفائدة منهم، فبعض الأصحاب سطحيون وقليلو الخبرة لكنَّهم يتميَّزون بالمناصرة والمؤازرة والمودَّة، وبعضهم يفتقر إلى المبادرة والسبق على الخير لكنَّهم يملؤون فراغاً عاطفياً مهماً ويُسدون النصائح الجيدة، وبعضهم يمتاز بتعزيز العبادة والطاعة لله تعالى وإن كان لا يقدر على المساعدة لقلة حيلته، وبالتالي فإن ذِكرنا لمواصفات الأصحاب النموذجية لا يعني رفضنا لمن تميَّز ببعضها، طالما أن القاعدة العامة في الصحبة أن لا تدفع إلى المعصية والفساد والانحراف. وكلَّما اجتمعت المواصفات النموذجية أنتجت صحبة جيدة ومتينة، وإذا كان لا بدَّ من الاختيار في بعض الأحيان أو المفاضلة في المواصفات، فالأساس الإيماني حاكم ومقدَّم على كل شيء. سُئل رسول الله(ص):أي الأصحاب أفضل؟ قال:"من إذا ذكرت أعانك، وإذا نسيت ذكَّرك"(5).
يوضح هذا التوجيه أهمية وقوف صاحبك إلى جانبك في الطاعة لله تعالى أولاً، فإذا ذكرتَ الله تعالى شجعك وأعانك ودفعك للمزيد وواكبك في هذا الأداء، وإذا نسيت أو غفلت أو سهوت أو صرفك أمر ما عن ذكر الله ذكَّرك لتعود إلى الخط السليم، الذي ينعكس على سلوكك وحياتك. قال أمير المؤمنين علي(ع):"من دعاك إلى الدار الباقية، وأعانك على العمل لها، فهو الصديق الشفيق"(6).