س: سماحة الشيخ، ما هي أبرز آداب الحديث بين الجليسين؟
من نافل القول ضرورة إفهام الطرف الآخر المقصود من الحديث، فكما قال الإمام زين العابدين(ع):" وتقصد في اللفظ إلى إفهامه إذا لفظت"، وإلاَّ انتفت الفائدة من المحاورة.
وعلى المتجالسين إفساح المجال أمام بعضهما ليعبِّر كل منهما عن فكرته ووجهة نظره، لا كما يحصل في بعض المجالس حيث يتسلَّط أحد الحاضرين على الجلسة، وينتقل من فكرة إلى أخرى، ومن حديث إلى آخر، من دون ترك المجال للآخرين ليبدوا وجهة نظرهم، وكأن قدر الحاضرين أن يخضعوا لرغبته في الكلام المستوعب للجلسة بأكملها، بل يحاول إسكات من يرغب بالرد أو الحديث وذلك بأسلوبه المهيمن أو صوته المرتفع، وهذا الاشكال لا ينطبق فيما لو كان المتحدث أهلاً لذلك، أو كانت طبيعة الجلسة تتطلَّب أن يتصدَّرها أحدهم.
وتكتسب الجلسة أهميتها بمضمونها الثقافي أو الاجتماعي أو التربوي، ما يؤكد على أهمية الخط العام لحديث المتجالسين، الذي يجب مراعاته والاهتمام به، فحين يتحول الحديث إلى إساءة للعقيدة أو تشويش لمضمونها أو استهانة بأهدافها، يفقد اللقاء فوائده المرجوَّة بل ينعكس سلباً على أجواء اللقاء، ولذا وجهنا جلَّ جلاله في القرآن الكريم بقوله:" وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ"(3). إنَّها حماية للجليس الذي يفتقر لقدرة الدفاع لضعف ثقافته، أو حماية له من التشويش بحوار يتضمن الإساءة للتعاليم السماوية، وليس الموقف مبنياً على رفض الحوار، وإنما هو رفض لحوار غير متكافئ أو مرتكز على الإساءة كهدف وحيد للجلسة.
أمَّا إذا كان الحديث مفيداً ونافعاً، فالجلساء يكسبون الأجر عند الله تعالى، مضافاً إلى ما يحققونه من مكاسب دنيوية كثمرة لأحاديثهم. فعن أبي عبد الله(ع) أنَّه قال لفضيل:" تجلسون وتتحدثون؟
قال: نعم، جُعلت فداك.
قال: إن تلك المجالس أُحبها، فأحيوا أمرنا، يا فضيل رحم الله من أحيا أمرنا، يا فضيل من ذكرنا أو ذُكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب، غفر الله له ذنوبه، ولو كانت أكثر من زبد البحر"(4).
وقد تتميز المجالس بخصوصيات تجري فيها، فالمجالس بالأمانات، ولا يحق للجليس أن يكشف مضمونها أمام الآخرين، فقد ورد عن النبي محمد(ص):" المجالس بالأمانة إلاَّ ثلاثة مجالس: مجلس يسفك فيه دم حرام، ومجلس يستحل فيه فرج حرام، ومجلس يستحل فيه مال من غير حله. إنما يتجالس المتجالسان بالأمانة، ولا يحل لأحدهما أن يفشي على صاحبه ما يكره"(5). فحديث المتجالسين أمانة مشتركة يتحملان مسؤولية حملها وحفظها بحدود ما يتفقان عليه.